اميركا وسقوطها المدوي من عالم الإنسانية

في 1/5/1924  نشر في مجلة «المجلة» التي تصدر في ساو باولو مقالا لأنطون سعاده يعلن فيه «سقوط الولايات المتحدة الأميركية من عالم الإنسانية الأدبي» وذلك لموافقتها على الوصاية الفرنسي على بلاد الشام ،ذلك السقوط أتى بعد ان قدمت الولايات المتحدة نفسها كحامية للدول التي ارهقها الاستعمار من خلال مبادىء ويلسون وعلى رأسها (حق الشعوب في تقرير المصير)، منذ تلك اللحظة والولايات المتحدة الاميركية في حالة سقوط دائم ، كانت آخر سقطاتها في الأمس اثر تصديها لقرار في مجلس الامن وافقت عليه 14 دولة من اصل 15,يطلب وقف الاعمال الحربية في غزة والسماح بدخول المساعدات.

لجوء الدول في لحظة تاريخية للاستنكاف عن القيام بالواجب الانساني، تحديداً تلك التي ترفع رايات الحرية والعدالة وحقوق الانسان، يجعلها شريكة فيما يحدث من مآسي للشعوب المستهدفة وهذا امر أصبح بديهيا فيما تقوم به الإدارات الاميركية المتعاقبة. فليس من عاقل على ظهر البسيطة إلا ويلمس ما تقوم بها تلك الإدارات حتى من داخل المنظومة ذاتها أصبحنا نسمع اصوات الإدانة ان من موظفين سابقين أو سياسيين وإعلاميين ومن أهل الفن، والصوت الصارخ الذي اربك المنظومة أتى من المحافل الأكاديمية بحيث يتم ملاحقة الطلبة والأكاديميين امنياً، كما لو كنا في دولة من دول العالم الثالث تلاحق الولايات المتحدة حكامها لضلوعهم في قمع الحريات.

لا تقوم الإدارات الأميركية باتخاذ قراراتها عبثا فكل من يدخل البيت البيضاوي يقع فريسة النموذج الذي أقيم والذي بموجبه تربعت الولايات المتحدة الأميركية على العرش الدولي. للخروج من المأزق التاريخي لا بد من شرح ميكانيكية النموذج الذي أقيم إثر الحربين العالميتين وتوج بقرار وقف التغطية الذهبية لطبع العملة.

الكل يعلم ان اميركا وقعت اسيرة المافيا من الشاي للكحول للميسر وصولا للدعارة كما انها ولبعدها عن ميادين القتال في الحربين زودت المتحاربين في أوروبا بالحاجات اللازمة ان بالأسلحة أو بباقي الحاجات الرئيسية التي توقفت معامل أوروبا عن تصنيعها لسبب اولاخر (الاعمال الحربية شح المواد الأولية نقص العمالة الخ).

لا بد من الإشارة انه وبعد سقوط المانيا النازية تدفق عليها العلماء الألمان تحديداً اولئك المنخرطين في التصنيع الحربي الذين بفضلهم ازدهر سوق السلاح من التقليدي للنووي وعلى جانبه ازدهرت أسواق رافده كمحركات السيارات التي أوجبت الاهتمام بسوق الطاقة. كل ذلك دعا المستثمرين في سوق السلاح والطاقة إضافة إلى مواد اخرى من البحث عن اليات لتسويق المنتجات والحصول على مواد خام بابخس الأسعار كما كان حال الاستعمار منذ بداياته الاولى، لذا لم يهدأ العالم إثر الحربين فالجميع يريد جني الأرباح بأرقام فلكية.

جميعنا يعلم ان الولايات المتحدة الاميركية من اوقف عدوان ال 56، وعلى أثره ورثت القضية الشرقية واصبحت اللاعب الأبرز في الشرق الأوسط وقد زادت تدخلها بعيد القرار الفيصلي بقطع النفط عن الأسواق اثر حرب تشرين عام 73. وبإجراء مسح للموقف الاميركي، نجد ان من دفع باتجاه ذلك انما كارتل النفط في الولايات المتحدة ومن خلفه بيوت المال. فالرئيس نيكسون كان رافضا للخروج من فيتنام بشكل مذل، لكن ما فعلته الدولة العميقة اجبره على ذلك حتى انه دفع ثمنه باقي ولايته بما دعي ووتر غايت (تجسس على الحزب الخصم)، ويقال ان تصريحاً واحداً له كان وراء فضحه حيث قال (يخطئ من يظن اننا بخروجنا من فيتنام سنذهب للشرق الاوسط) فما ان خرج حتى كرت سبحة التدخل في الشرق الاوسط بداية بتقسيم قبرص وصولا لحربي الخليج وما دعي بالربيع العربي.

وإذا كان النفط هو الذي أفضى إلى مشهد ما قبل الربيع العربي، فان الغاز هو الذي يقود المرحلة إضافة إلى الذي استجد مؤخراً بدخول الصين على تصدر المشهد الانتاجي والذي ينبئ بمستقبل كالذي حدث مع الولايات المتحدة إثر الحربين العالميتين. الصين لتاريخه تقدم نفسها كمنتج يبحث عن أسواق أن للترويج أو للحصول على المواد الخام دون استخدام الخزعبلات الإمبريالية أي الحروب والدفع تجاهها، أما الولايات المتحدة التي ترفض لتاريخه أي شراكة حتى مع اقرب حلفاءها (أوروبا ) فما زالت سائرة بالخطى ذاتها التي جعلتها تتربع على العرش الدولي، ولن يترحم عليها احد إذا ما تعرضت لنكسة على هذا الصعيد والاهتمام الأكبر ينصب على عدم السقوط الدراماتيكي لها لكي تكون الخسائر معقولة على الصعيد الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *