الندوة الثقافية المركزية تضيء على كتاب «الفلسفة الرواقية: من زينون إلى سعاده» للأمين د. إدمون ملحم

عقدت الندوة الثقافية المركزية في عمدة الثقافة والفنون الجميلة أولى محاضراتها للعام الجديد، مساء الجمعة الموافق فيه 27 كانون الثاني، وكانت حول المؤلَّف الأخير لرئيس الندوة الثقافية المركزية الأمين الدكتور إدمون ملحم “الفلسفة الرواقية: من زينون إلى سعاده“، الذي أصدرته مؤسسة سعاده للثقافة مؤخرًا عن دار أبعاد.

حضر الندوة التي عُقدت عبر تطبيق Zoom خمسة وسبعون رفيقًا وصديقا، في مقدّمهم نائب رئيس الحزب / رئيس مجلس العمد الأمين ربيع زين الدين وعميدة الثقافة الرفيقة د. فاتن المر، وعميد الإذاعة والاعلام الرفيق د. لؤي زيتوني، إلى جانب عدد من ذوي الاهتمام بالثقافة والفلسفة من مختلف أنحاء العالم.

شارك، إلى جانب المؤلّف في التكلّم عن الفلسفة الرواقية، وتحديدًا مادة الكتاب، كل من الرفيق فادي خوري والباحثة ريتا زياده ووكيل عميد الثقافة الرفيق إبراهيم مهنّا.

بعد أن رحب الدكتور ملحم بالمشاركين شاكرًا حضورهم الندوة، توجّه بالشكر الخاص إلى الهيئة الإدارية للندوة الثقافية المركزية لاختيارها كتابه الجديد كمادة للبحث والمناقشة.

ثم ألقى الرفيق فادي خوري مقدّمة عرّف بها بالمتكلمين والكاتب، وضمّنها بعض الآراء التي خرج بها بعد قراءته الكتاب. وهذا بعض ما جاء في كلمته:

لعلّ ما يتميز به كتاب الأمين ملحم، في الدرجة الأولى، هو أسلوبُهُ في الكتابة، هذا الأسلوبُ الذي يجعلنا نهتم بالرواقية والفلسفة وزينون وأوريليوس إلى جانب اهتمامنا بسعاده وفكره وعقيدته. وفي كتابه، استطاع ملحم أن يحوّل مسألة سورنةِ زينون مقابل يوننته إلى مبارزةٍ ذهنيةٍ، أمِّن لنا ملحم لها حلبةَ الصراع والمتفرّجين والحكّام، ومن ثمَّ حسمَ لنا الأمر لصالحِ سوريانا.

ولا يقِلُّ موضوعُ محاولاتِ الغربِ المستمرّةِ في التعتيم على حضارةِ سوريةَ وفلاسفتها وعلمائها، لا يقِلُّ إثارةً للجدلِ بل والاهتمام عند إدمون ملحم، فتنتفضَ فصولُ الكتاب مدافعةً عن أولويةِ حضارةِ سورية وثقافتها، ومدى فعلِها في الفن والسياسة والاجتماع والعلوم الطبيعية والرياضية.

وفي معرِضِ كلامِهِ عن الرواقيِّ المتميزِ ورؤيتِه للفلسفةِ كأساسٍ معرفي، ويمكننا القولُ “علمي”، يعزّزُ فينا ملحم القدرةَ على تقصّي الرابطِ بين زينونَ وسعاده، حتى لتشعُرُ أن عقيدةَ سعاده، وكذلك فكرَه، ليست إلاّ امتدادًا فكريًا، إذا صحّ التعبير، لأثرِ إيمان حقيقي بمدى تفاعل الإنسان مع ما يحيط به من ظواهرَ وأفكارٍ ورؤىً تحدّث عنها الفيلسوفُ الفينيقي قبل قرون من الزمن. وتلاحَظَ الاثنان في رؤيتيهما هذه، أي الفلسفة كأساس معرفي، لتكوِّنَ مصدر سعادةٍ للإنسان تنقله إلى عالمٍ أفضل وأحقَّ وأكثرَ مثاليةٍ.

كما ويبيّن لنا الأمين ملحم في كتابِهِ كيف أنه لا يمكننا، على الإطلاق، إغفالَ الجامعِ الأكبر والعاملِ الأكثر تشاركاً بين رِواقيةِ زينون ونهضوية سعاده، ألا وهو العقلُ بكلِّ طاقاته وقوّتِه كعاملٍ مشرعنٍ لحياةِ الإنسان، وبالتالي المجتمع، إضافةً إلى نواحٍ أخرى كنظرتيهما للحقِّ والعدلِ والأخلاقِ والخيرِ.

بعد ذلك، قدّمت الباحثة ريتا زياده قراءتها للكتاب، وجاء في كلمتها: “بعزيمة كأنها القضاءُ والقدر، عزيمةٌ عليها يبني سعاده مشروعَ نهضتِه الفكريةِ والمجتمعيّة. هذه العبارة التي تبعث القوةَ والأملَ في النفوس، نجدُها في صلبِ موضوعِ هذا الكتاب.

يأتي هذا الكتابُ بأسلوبه الموسوعي والتوثيقي الدقيق ولغته المبسّطة على فكرتين محوريتَين. تتمثّل الأولى في تِبيان دَهاء زينون الرواقي وإسهاماتِه في الفلسفة اليونانية معَ تمسّكِه بأصوله السورية. وينقّب الكاتبُ عن آثارٍ فكريةٍ قيّمة وإنجازاتٍ حضاريةٍ جادّة، يّردُّها الى أصلها وجذورِها منعاً للالتباس والتحوير.

فيما الفكرةُ المحوريةُ الثانيةُ تكمن في تِبيان عبقريةِ سعاده في فهم هذه الفلسفة ونقدِها. وفي الدعوةِ الى الانتقال من زمن التحليل والتنظير إلى مرحلة ابتكار الحلول العملانية الفعّالة.

من الناحية الفلسفية المنطقية، نرى تقديمَ زينون لدور العقل في إدارة الواجبِ الأخلاقي والسلوك الفعّال. نشدد على دورِ العقل، ولكن ليس كلُّ فكرٍ عقلاني فكراً عملانياً مثالياً بالضرورة. فما يميّزُ أطروحتَي زينون وسعاده في إطار فلسفة العمل والإنتاج، هو، النشاطُ العقليّ المنطقيّ الرياضي المتسلّحُ بالأخلاق والمعرفةِ العلمية (العقليّة الأخلاقيّة لدى سعاده). أما الفلسفاتُ العملانيةُ الأخرى فإمّا تنطلقُ من المادة فتتحولُ إلى فلسفاتٍ منفعيةٍ فرديةٍ وإمّا تنطلقُ من الحاجةِ الإنتاجيةِ والعقلِ الاستهلاكي كالفلسفة البراغماتيةِ الأميركية التي لا تعنيها المعرفةُ كقيمة“.

أما الرفيق إبراهيم مهنا فتحدث عن الرواقية في خط الفكر السوري، مشيرًا إلى التالي:

الثابت أن هناك خطّا فكريًا سوريًا واحدًا منذ بداية تشكل الهوية السورية حتى تأسيس الحزب، وهو جملة الخصائص النفسية والفكرية التي عبرت عنها امتنا.

يتمظهر هذا الخط في الأساطير التي أنتجها شعبنا، وفي الفنون والتشريعات والقوانين، والمنجزات الحضارية والمادية والفكرية، والطقوس والمعتقدات والرموز. كل هذه المنجزات تحتاج لدراسات معمقة، وهذا دورنا جميعا في استكمال ما بدأ به سعاده. وفي هذا الإطار، كان إنجاز كتاب الأمين ادمون ملحم.

الثابت أن الدراسة تقودنا الى ثلاث سمات لخط الفكر السوري وهي: العقلية والأخلاقية والعملية.

الرواقية أرست الاتجاه العقلي من خلال تأسيس المنطق الرمزي، والاتجاه الأخلاقي من خلال تكريس الفضائل ودور التضحية وتأسيس مفهوم الواجب وتأسيس الإنسان الكوني، أي أن البشر جميعا إخوة بالإنسانية فساوت يبن العبيد والأحرار، والأهم أن الإنسان غاية الوجود. وأيضا أرست الاتجاه العملي في تكريس أن قيمة الحقيقة هي بتطبيقها.

تكرست هذه المفاصل مع المسيحية، وهي نقطة التحول الثانية الإيجابية التي حاولت اليهودية أن تمسك الزخم السوري الحضاري، فانفجر ثورة على التحجر العقلي والأخلاقي. وأيضا عادت لتظهر في النموذج المحمدي السوري، وصولا الى تأسيس الحزب ضمن سياق خط الفكر نفسه. فالحزب هو الاتجاه العقلي الأخلاقي العملي نفسه.

الثابت أن اليهودية هي خارج السياق السوري كاملا، والثابت أن الرواقية هي خارج الخط الفكري اليوناني كاملا، وهذا يحتاج الى دراسات معمقة لم تتم، وهذا دورنا جميعا في الاستمرار في الخط الثقافي الذي حدّد لنا مساره سعاده.”

وقبل فتح باب الحوار والنقاش حول مادة الكتاب، قدّم الدكتور إدمون ملحم عرضًا أبرز في مستهلّه العوامل والأسباب التي دفعته إلى تأليف الكتاب. منوّهًا بالدرجة الأولى، في هذا المجال، بالحافز الأكبر ألا وهو دعوة سعاده القوميين الاجتماعيين للاهتمام بتاريخ أمتهم، وبالأخص هؤلاء العظماء والنوابغ الذين تركوا لنا ميراثًا غنيًا من الفلسفة والعلوم، ومن بينهم زينون الرواقي. كما وتطرّق ملحم إلى تأثره بكتابات المفكّر والباحث القومي الاجتماعي الأمين حيدر حاج إسماعيل الذي تعمّق في فلسفة زينون، إلى جانب اهتماماته وأبحاثه في المدرحية وغيرها من المواضيع الفكرية.

أما عن أسباب اهتمامه بزينون تحديداً، فأشار ملحم إلى العوامل التالية:

  • بلوغ زينون مكانة عالية بفضل شخصيته وإنتاجه.
  • كونه صاحب رؤية إنسانية بديعة.
  • لأنه أحدث ثورة فكرية هدفها الإنسان ومناقبه وسعادته وكانت ذات تأثير كبير في الفكر الإنساني.
  • كونه رسالة الخلاص لذلك الجيل ولأجيال عديدة تلت.

وعن العلاقة بين زينون وسعاده، قال ملحم: “إنّ من يتأمل فلسفة سعاده في خطبه وكتبه، وبالأخص كتابه «نشوء الأمم»، يدرك الرابط العظيم بين فكره وفكر فيلسوف الرواقية، خصوصاً في الناحية الإيجابية البانية التي تعبّر فيها الفلسفتان عن نفسية عميقة متأصلة في المجتمع السوري. وكذلك في كتابه «الإسلام في رسالتيه»، أشار سعاده إلى المدرسة السورية الفلسفية التي وضع قواعدها الفلسفية الفيلسوف السوري العظيم القائل بأن الفكر أو العقل هو جوهر الحياة الإنسانية“.

بعدها تناقش الحاضرون في مادة الكتاب وكانت مداخلات لكل من الرفيق الدكتور علي حمية والرفيقة شادية بو دياب، والأمناء كوكب معلوف وأحمد أصفهاني وخليل خيرالله وغيرهم من الرفقاء والأصدقاء الذين أدلوا بآرائهم القيّمة حول الكتاب.