لطالما وُجدت العلاقات السامة في حياة الناس، منهم من يحاول التعايش معها وقلّة من يتخذ القرار بإنهائها.
فالعلاقة السامّة هي علاقة مدمّرة يتعرّض من خلالها الشريك للتّحكّم أو التّلاعب النفسي أو التهديد أو سوء المعاملة أو التقليل من القيمة أو الشعور بالفراغ واللامبالاة عندما يكون مع شخص آخر.
ولا تُعتبر العلاقات السامّة حكرًا على الشريك أو الزوج بل تتعدّى ذلك بوجودها بين الأصدقاء وزملاء العمل أو حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
قد تبدو بعض العلاقات في بداياتها مثالية وإيجابية لكنها تتحوّل تدريجيًّا إلى علاقات سامّة تستغرق علاماتها شهورًا أو حتّى سنوات لتظهر، ومن أهمّ علامات العلاقات السامّة:
- محاولة إبعاد الشريك عن أصدقائه وحتى عائلته.
- شخص يحبّ السيطرة ويظهر الشك بالشريك لدرجة الاتهام بالخيانة وقد يمارس الشخص السام نفس السلوكيات التي يتهم بها الشريك.
- يقوم الشخص السام بإنكار وجود المشكلات ويحاول إلقاء اللوم دائمًا على الشريك ويتلاعب بالأحداث ليبرّئ نفسه من الأخطاء والمسؤولية.
- استمرار المشاكل والخلافات وتتضمن توبيخ الشخص السام المسيطر للطرف الآخر وإهانته وانتقاد أفكاره وتصرّفاته وحتّى شكله، بالإضافة إلى وجود التعنيف اللفظي وأحيانًا الجسدي في حالات كثيرة، كما يقوم بالتقليل من أهميّة انجازات الشريك وطموحاته ومشاريعه وفضائله والتجاهل الدائم للموضوعات التي تهمه وعدم الاهتمام بمشاعره أو مشاكله.
- تذكير الشريك بفشل تعرّض له في الماضي ومقارنته بأشخاص آخرين للتقليل من شأنه.
- وصول الشريك إلى مرحلة التنازل الدائم عن حقه والقبول بممارسة سلوكيات عكس قناعاته وأخلاقياته فقط لإرضاء الشريك السام.
كل هذا ونرى الشركاء في العلاقة السامة بأغلبهم مستمرين بالعلاقة ومتحملين لأعبائها. بعضهم يأمل بتحسينها، والبعض الآخر لديه أسباب أخرى تأتي على الشكل الآتي:
- الخوف من الوحدة والشعور بالذنب والاعتقاد بأنّ لديه صفات وعادات غير مرغوب بها وضرورة العمل على تحسينها، اضافةً إلى قمع الأفكار والمشاعر السلبية اعتقادًا أنّه بحاجة لذلك الإنسان السام فيمارس عملية انكار بوجود علاقة سامّة.
- عادةً ما يكون لدى الشريك الضحية مشكلات لم يتمّ معالجتها من الطفولة، ولذلك ربّما يكرّر بشكل غير واعٍ بعض الأنماط غير الصحيّة بدلًا من التعامل معها، كعلاقة غير صحيّة مع الأب بالإضافة إلى حرمان عاطفي واهتمام بمرحلة الطفولة وكذلك إلى تقدير ذات متدنٍّ.
- مراعاةً لظروف اجتماعيّة معيّنة (وجود أولاد) أو منعًا لحصول الطلاق بالإضافة إلى اعتماد اقتصادي أحيانًا.
أمّا من ناحية الشريك السام فقد تعود أسباب سلبيته إلى تجارب سيّئة في الطفولة كالتعرض للعنف والأذى، وقد يكون على شكل “دلع طفولي” زائد يؤدّي إلى الأنانية والغيرة وعدم تقبّل الخسارة، بالإضافة إلى معايير اجتماعيّة تولّد مخططات فكرية خاطئة عن مفهوم الرجولة والحكم وفرض الرأي والسلطة، وكذلك قد تعود لخبرات سابقة تعرّض هو خلالها للخيانة والخداع.
على صعيد آخر فإنّ الآثار السلبية للعلاقة السّامة عديدة وأخطرها الأذى الجسدي (نتيجة تعنيف) أو أعراض نفسجسدية (كأمراض الجهاز الهضمي والقلب) بالإضافة إلى الإحباط والاكتئاب والقلق وشعور بالنقص والذنب، زيادة على التأثير السلبي على العلاقة مع زملاء العمل وعلى القدرة على تحمّل الضغوطات.
أمّا في حال الخروج من العلاقة السامة قد يتجنّب ضحاياها الدخول في علاقة جديدة خوفًا من تكرار ما حصل في العلاقة السابقة.
أمّا التعامل مع العلاقة السامة فيقتضي تحديد مستوى الأذى الناتج عنها، فهناك علاقات يمكن إصلاحها من خلال النقاش مع الشريك ،حول تحسين سلوكياته والقيام بإجراء تغييرات وإعادة بناء العلاقة. هنا يجب أن يكون على استعداد للقيام بالعمل لإجراء هذه التغييرات وتعلّم طريقة جديدة للتفاعل كشريك داعم وصحي. فالحل يكون بعدم قبول الإساءة والقرار بالرفض، أي قول “لا”، والتمسك به خاصة عندما يحاول الشريك السام إشعار شريكه بالذنب، وكلّما تدرّب على قول “لا” للأشياء التي لا تشعره بالراحة يصبح الأمر أسهل. يأتي هذا اضافةً إلى التذكّر الدائم بأنّ الشريك ليس المخطئ على الرغم من محاولات اللوم والاتهام بإساءة المعاملة أو عدم الاهتمام بحاجيات الشريك السام، فلا يدافع عن نفسه بسلوك انفعالي بل يكتفي بالرد بعبارة بسيطة (أنا آسف لأنك تشعر بهذه الطريقة) مع ترك الأمر عند هذا الحد.
كذلك فإنّ الرعاية الذاتية وايجاد الوقت للاعتناء بالنفس من جديد هي خطوة حاسمة في إعادة التوازن للأولويات والتعافي، وتساعد على عدم جعل الشريك السام محور الكون والاهتمام، اضافةً لتقليص الوقت الذي يقضيه معه ما قد يكون حلًّا مناسبًا لتوقيفه عن محاولة استنزاف الموارد العاطفية. وفي حالات كثيرة يكون العلاج هو أمر أساسي للمساعدة على التخلّص من الآثار النفسية السلبية للعلاقة السامة، وعلى بناء الثقة بالنفس واحترام الذات وفهم دينامكية العلاقة المدمّرة.
كل هذا يكون ممكنًا في حال وجود ارادة لدى الشريك بالتغيّر واعترافه بسلوكه السام ورغبته بالحفاظ على شريكه، بتقديم التنازلات والحصول على العلاج النفسي المناسب.
عكس ذلك يحتّم ضرورة الخروج من العلاقة السامّة والتعافي منها والمضي قدمًا، لأنّ استمرار الشخص في هكذا علاقة قد يكون مدمّرًا نفسيًا وجسديًا.
ريما كسر – أخصّائية نفسيّة