ساعة الشام المتوقفة بين عقرب الأسد ومؤذن الإسلاميين

يقول إنجلز: «الساعة المتوقفة عن العمل تشير إلى الوقت الصحيح مرتين في اليوم». لم يكن يقصد ساعة الحائط، بل ساعة التاريخ التي تتعطل أحياناً بفعل أنظمة لا تتحرك ولا تتطور ولا تفهم الزمن.

في الشام حيث يختلط الدم بالماء المقدس، والمآذن ترفع شعارات الفتح بينما كانت المخابرات تهمس بأرقام السجون توقفت الساعة منذ زمن طويل. توقفت أولاً عند عقرب الأسد الذي أراد أن يجمّد البلاد في لحظة «استقرار أبدي»، ثم أعاد الإسلاميون تشغيلها… لا لتسير، بل لتتوقف في لحظة الماضي، وكأن الزمن رجسٌ من عمل الحداثة.

حين سقط الأسد، ظن البعض أن الساعة عادت تدق بسلاسة، لكنها كانت فقط تشير صدفةً إلى التوقيت الصحيح، كما في قول إنجلز واسقاطه على المشهد الشامي. فالإسلاميون يدعون حمل مشروعاً، لكنه ليس مشروعاً للأمة، بل مشروع خلاصٍ شخصي مغلف بحجاب أيديولوجي. ظنّوا أن الشريعة دستور، وأن اللحى ستحل مكان الدساتير، وان الكلمات الدينية تحي الناس في المأكل والمشرب فأنزلوا السماء على الأرض… لكنهم نسوا أن الأرض تئنّ، وأن الزمن لا يعود للخلف.

في لحظة ما، شعرت أن العدالة تلوح – بحكمٌ القضاء على طاغية، ولكن طغيان الفتاوى محلها جعل الساعة لا تتحرك.  بل إنها فقط صادفت وقتاً يشبه «الصواب» في ساعتها الأولى فجرا برحيل الاسد، ثم عادت إلى صمتها الطويل.

فما بين ساعة الأسد وساعة الخليفة، ضاعت لحظة الزمن الفعلي: لحظة الشعب، الإنسان، والحياة. فساعة الأسد كانت تحصي أنفاس النهضة، وساعة الإسلاميين تحصي عدد الركعات.

لأكثر من خمسين عاماً، وقفت الساعة على عقرب «الاستقرار القسري الاستبدادي». الأسد، أباً وابناً، عطّل الزمن بحجة بشعارات محاربة الرجعية حيناً، والمقاومة والممانعة حيناً آخر، بينما كان الواقع يسير في اتجاه آخر تماماً. زمن جعل الشعب يظلّ مشلولاً، محروماً من الفعل، محروماً من الحرية التي بدونها لا تنشأ الحقيقة، ولا يقوم حق، ولا تستقيم عدالة« وحتى ان هذي الساعة اعقبها تراكم وترسبات عمرها آلاف السنين من دخول كورش وسقوط الإمبراطورية الآشورية ثم البيزنطية ثم العثمانية ثم الاستعمار الغربي الاوربي وصولا الى تعطل الساعة اليوم فجعلت الارض بلا شخصية ولا هوية وبلا وعي وأدراك وعقلانية ومنطق

وإذ دارت العقارب قليلا وتفاءلنا بالأمل لسقوط الأصنام الجاثمة على باب المثقفين والنخب، ولكن استبدل توقيت الأسد بتوقيت «الخلافة»، لا كتجديد، بل كإعادة تشغيل لساعة رجعت لتتوقف في الماضي. استُبدل ضابط الأمن بالمفتي، والرصاص بالفتوى، والسجون بالبيعات كأن الشام قُدّر لها أن تُحكم دوماً بساعة معطلة، تختلف أرقامها وتبقى آليتها مكسورة.

إن «الساعة الإسلامية» التي رُفعت اليوم كشعار للخلاص باسم الاكثرية واعطائهم فرصة كما يدعون فهي فارغة اذ سرعان ما كشفت أنها أيضاً لا تملك فهماً للحركة، ولا تصوراً لتقدّم الزمن. لم يكن مشروعها إلا قفزاً فوق العصر إلى ماضٍ متخيّل، في حين أنطون سعادة كان يقول بوضوح: «نحن لسنا دعاة رجعة إلى وراء، بل دعاة نهضة تقدمية إلى أمام ».

وما بين ساعة الأسد وساعة الإسلاميين، يظل الشعب السوري تائهاً في زمن لا يُمثّله. فكلما ظنّ أنه اقترب من الحقيقة، أدرك أنها لم تكن إلا مصادفة من مصادفات الساعة المتوقفة. فكما يقول سعاده: «الحق ليس في القوة، بل في الأمة التي تعرف ما تريد. وليس القوة في النظام، بل في القوة التي تحرك النظام.»

لقد آن للساعة أن تُصنّع في دمشق من جديد بنظام جديد مبني على الابداع والوعي والثقافة والمعرفة والعقلانية والمنطق، لا لتقلّد ساعة تركيا ولا ساعة طهران أو الرياض او قطر وامريكا، ولا لتعود إلى تقاويم البعث، بل لتكون ساعة «نهضة»… ساعة تشير دوماً إلى الحرية، الواجب، النظام، القوة.

عبد الإله الهويدي