منذ خمسة عشرة قرناً سيطر على ثقافة المنطقة النص الديني المحمدي وبقي الأمر كذلك حتى سقوط السلطنة في إستنبول. ما يفعله اليوم الذين انقلبوا على حكامهم جعل تلك الثقافة تسود مرة اخرى وحجتهم بذلك ان من حكموا أداروا ظهرهم للنص الديني ولم يستطيعوا ادارة الدولة بالعدل والقسطاس وان الدين كفيل بفعل ذلك.
من البديهي ان يلجأ المرء إلى النص التاريخي بسبب جهله للنصوص التي ابتدعها الإنسان لإدارة اموره، ويصبح ذلك لازماً عندما يكون النص الذي طبق مجحفاً ظالماً تم استخدامه لغاية الحكم والسيطرة وليس لتنظيم المجتمع، ونشر العدالة، والاستقرار الاجتماعي، والاقتصادي. لكن على من يفعل ذلك ايضاً ان يفسر أسباب فشل النص الديني او عدم قدرته على الاستمرار في تولي زمام الأمور الأمر الذي ادى للبحث عن مخارج لإدارة المجتمع.
المسألة الجدلية بين الروحي والزمني بالنسبة للنصوص المتعلقة بإدارة المجتمع لا يحسمها بضعة افراد ثاروا على سلطة فاسدة اعتبروا ان سبب فسادها هو عدم تطبيق الشريعة كما يجب. لأنهم بفعلهم ذلك يضربون ثقافتهم التي يريدون استردادها لضبط أمور الدولة. والا ما تفسيرهم لانتقال الخلافة للأمويين، ثم العباسيين، ثم الفاطميين إلى أن آلت للسلاجقة، الم يحكم كل هؤلاء بموجب النص والشريعة. وإذا كان كل ذلك قد طواه النسيان فما تفسيرهم للانقلاب الثقافي في المملكة العربية السعودية الذين يدعون انها النموذج الحي لما يريدونه ألا يتسألون لماذا أرسلت لهم شحنة كتب لابن تيمية واستعاضت عنه بمغني الروك والراب وما تيسر من مشاهير الفن، والغناء، والموسيقى، والرياضة؟ كما لماذا يسقطون من حساباتهم دول الكفر والاستعمار قديمها وحديثها ويهرعون اليها لتسوية امورهم بينما في الداخل يقومون بقتل كل من لا يوافقهم على محمولهم الثقافي هل الاميركي والأوروبي والمحتل لأرض فلسطين يوافقهم على محمولهم ام انه يستغلهم في زعزعة استقرار بلادهم؟
يمكن اعتبار ان ما يرمون اليه انما السلطة والحكم وهذا امر شرعي وبديهي بحكم انهم استطاعوا ازاحة ما قالوا انه كابوس ال الاسد او ال حسين، لكن ما غفلوا عنه انهم أصبحوا هم أنفسهم الكابوس لمجتمع أرادوا ان يحققوا فيه العدل والبحبوحة.
ان الحكام الذين انقلبوا عليهم كانوا يستمدون شرعيتهم من الصراع الذي كان قائماً بعد احتلال فلسطين، وسقوطهم المدوي لم يكن سببه قبضات من ثاروا عليهم، بل قوى الاستعمار ذاتها التي مهدت لاحتلال فلسطين، ولأنهم فشلوا في الأمرين اي حكم الداخل واسترداد الارض، لن تجدوا احداً ممن يخالفهما الرأي يترحم عليهما، حتى وأنتم تقومون بقتل من تعتبرونهم يدينون بمذهبهم.
ان مصيركم قاتم من اللحظة والشرعية لا تؤخذ من النصوص، بل من الناس كل الناس، والهرطقة التي تمارسونها بحق من لا يدين بمذهبكم انما سبقكم اليها من ازحتموهم من الحكم.
شرعية السيف صالحة ضد العدو والغاصب والمحتل اما في البيئة الواحدة والمجتمع الواحد فينبغي للسيف ان يبقى في غمده ويستخدم فقط ضد القتلى واللصوص وبائعي الأوطان. هناك فرصة حقيقية لكم بإشاعة الامن والاستقرار والعدل بما انكم تحملون المقدس على اكتافكم وتذكروا ان رغم مرور قرون على حكم من ترمون لعودة نهجه بقي هناك في بيئتكم كل المذاهب والأديان والإثنيات التي استجارت بهم في التاريخ.
هي فرصة فلا تقضوا عليها إذا كنتم تعقلون