التنازلات التي تستدعي تنازلات

الجمهورية من صغيرها لكبيرها تطالب بحصر السلاح بالدولة تحديداً ذلك الذي يزعج دولة الاغتصاب. انه لأمر جيد التفكير في كيفية عمل الدولة، أن هذا الأمر يعتبر عامل إجابي في منطقة أعلنت فيها الدويلات من قبل المستعمر دون أن يكون لأبنائها رأي بذلك.

لقد سلم الجميع بضرورة أن تقوم الدولة بواجبها وجعلها هي الآمرة الناهية لمصير الجمهورية ككل. نحن نتكلم هنا عن الدولة الحديثة وليس عن دولة خاضعة لمشيئة فرد أو عقيدة بعينها أو مجموعات متنافرة لا يجمعها جامع كما كان حالنا دائماً منذ الغزو الفارسي قبل آلاف الأعوام والذي انتهى بسقوط السلطنة في إسطنبول. هل قام المطالبون بحصر السلطان بالدولة بواجبهم لإفهام الرعية بالثقافة الجديدة، أم أن الجميع مكتف أن زعيم عشيرته وقبيلته يقوم بالوساطة نيابة عنهم فلا داعي إلى تعميم تلك الثقافة.

بعزة يتكلم البعض عن أن عصر النهضة في هذه المنطقة كان فاتحته حملة نابليون يلي ذلك إنشاء الإرساليات قد يكون ذلك صحيحا إلى حد ما، لكن تسقط صحته إذا ما امتد إلى ما بعد إنشاء الدولة الوطنية التي يريدها الجميع أن تمارس سلطانها دون شريك آخر. فالدولة التي لا تقوم هي بنفسها بتربية النشء وتعليمهم عليها أن لا تتفاجأ بتوجهات هذا المكون أو ذاك مما سمحت له بفتح مدارس ومعاهد وجامعات ذات صبغة دينية أو مذهبية.

الفرحة بإقامه الكلية الإنجيليّة في نهاية القرن التاسع عشر والتي أصبحت تدعى لاحقا بالجامعة الأميركية، ناهيك عن باقي الإرساليات الغربية قابلها لاحقاً حزن عميق عندما غزت الإرساليات الشرقية العقول، أكان الغزو عن بعد لما دعي منح من الدول الاشتراكية أو عن قرب من الجامعة العربية إلى آخر معهد وجامعة يحملان الصبغة المذهبية. الأمر الذي أنتج أجيالاً تصادمية يدفع ثمنه الوطن إضافة إلى المواطن الذي اختار الوطن دون سواه مرجعاً له.

هل يمكن تعميم ثقافة الدولة الحديثة مع التوجهات الحالية للأفرقاء، يبدو ذلك من سابع المستحيلات، إذ أن الجميع أنشأ مؤسسات خاصة تابعة للمذاهب وذلك بتشجيع من الزعماء بنوعيهما الروحي والزمني وتركوا للدولة تأهيل الفقراء التابعين لمذاهبهم بكلفة عالية من التعليم للاستشفاء وللخدمات على خلافها. علماً ان من يسير أمور الدولة بمعظمهم ذوي خلفية مذهبية أي أنهم خريجي تلك المؤسسات ممن لا ينظرون بعين العطف حتى لفقراء مذاهبهم.

رغم كل تلك الصعوبات التي أشير لها آنفا هناك إمكانية لتعميم ثقافة الدولة إذا ما تنازل الجميع عن جزء مما حصلوا عليه من سيادة وامتيازات، كما يطالبون اليوم من المقاومة ان تفعل بخصوص سلاحها. من المعلوم ان الدولة تقوم عندما يتنازل الأفراد عن جزء من سيادتهم لصالحها فما بالكم لو قامت المجموعات بفعل ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *