منذ أكثر من سبعة عقود، اعتبر أنطون سعادة، أن نشوء عصبة الأمم ليست تعبيراً عن إرادة عالمية بل عن إرادة الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وإذا كان تأسيس الأمم المتحدة الذي جاء على أنقاض عصبة الأمم، يهدف إلى إحلال كوكب ينعم بالسلام والكرامة والمساواة، فإننا نجد اليوم أن دولاً عظمى، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية، هي التي تهيمن على قرار مجلس الأمن، لاسيما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي، مما جعلها إلى الآن تمارس عقوبات أحادية الجانب تدمر من خلالها دولاً وتقتل شعوباً، تارة بالحروب وطوراً بالعقوبات الاقتصادية.
إن القانون الدولي، ولاسيما المادتان 39 و40 من ميثاق الأمم المتحدة، هما الإطار القانوني لفرض العقوبات الاقتصادية على الدول الأعضاء، حين مخالفتهم المواثيق الدولية، لكن الثابت من خلال قراءة وثائقية لدور الولايات المتحدة في سياسة هذه العقوبات، نراها تهيمن وتبادر بالتنفيذ دون أن يكون هناك أي دورلمجلس الأمن سوى المراقب!
نرى هذه الاستباحة للقانون الدولي من قبل واشنطن، في أميركا اللاتينية، نظراً لاعتبارها الحديقة الخلفية لها. وهي مستمرة إلى الآن، بقصد تطويعها إلى سياساتها الذاتية، لكن دون جدوى إلى الآن، بل على العكس، وها هي أميركا تنحني زمن اوباما، محاولة ترميم علاقتها مع كوبا وفنزويلا بعدما رأت أنه لا خيار إلا المهادنة من أجل نفط كاراكاس.
أما فيما يخص منطقتنا، فقد سبق لأميركا أن فرضت عقوباتها على العراق، بعد غزوها الكويت عام 1990، استمرت العقوبات حتى العام 2010 (عشرين عاماً) . ولحين أقر مجلس الأمن إلغاءها رسمياً بعد ما تسببت بإلحاق أضرار إقتصادية وإنسانية وصحية وتعليمية بالغة بالعراقيين أدت إلى وفاة أكثر من مليون ونصف من العراقيين بينهم نصف مليون طفل، حسب إحصاء الأمم المتحدة نفسها علماً ان هذا الحصار ترافق مع الغزو الدولي بقيادة أميركا عام 2003.
يومها وفي هذا الاطار كان سبق لمجلس الأمن وللتخفيف من تأثيرات الحصار، ان اطلق ,برنامج “النفط من اجل الغذاء” مما سمح لبغداد، بيع كميات من النفط مقابل الغذاء.
اليوم، وحيث تقوم أميركا من خلال قانون قيصر بالضغط على سوريا ولبنان اقتصادياً وبقيود مالية على الغذاء والدواء والمحروقات وانتاج الكهرباء فإنها باختصار تريد الضغط لتغيير سياسات هاتين الدولتين، سوريا المنتصرة عسكرياً بمعاونة حلفائها على حرب ارهابية ودولية عليها، ولبنان الداعم بمقاومته لهذا النظام.
الجديد في هذا الحصار الذي تتفاعل تداعياته على الشعب لاسيما بعد مرور ثلاث سنوات على إقراره، أحادياً، بات يواجه اليوم بأصوات رافضة تتعاظم في الأمم المتحدة، مبينة الأخطار والآثار الذي يتركها الحصار. لينا دوهان، المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الانسان، التي زارت سوريا وأصدرت تقريرها منذ نحو شهرين، قدمت معلومات موثقة ومفصلة عن الآثار الكارثية للعقوبات الأحادية، خاصة على الوضع الإنساني، إضافة إلى مدى العزلة الاقتصادية والمالية الكاملة، لبلد يكافح شعبه لإعادة بناء حياة كريمة.
وقد حثت دوهان الدول المحاصرة، أميركا ومن يساندها، على رفع العقوبات محذرة من أنها ستزيد المعاناة التي يواجهها الشعب منذ العام 2011 أي، منذ بدء الحرب الارهابية والأمنية. وأفاد تقريرها أن 90 بالمئة من سكان سوريا باتوا تحت خط الفقر مع محدودية الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء والمأوى والمحروقات للطهي والتدفئة والمواصلات. كما تحدثت محذرة من “نزيف حاد للادمغة ” وأن هناك 12 مليون سوري يعانون من إنعدام الأمن الغذائي. وطالبت بالوقف الفوري لجميع العقوبات الأحادية الجانب والتي تضر بحقوق الانسان، علماً هنا أن مزاعم واشنطن هي أن العقوبات هي للنظام، لكن الواقع يظهر العكس .
وأفاد تقريرها أن 90 بالمئة من سكان سوريا باتوا تحت خط الفقر مع محدودية الوصول إلى المياه والغذاء والمأوى والمحروقات للطهي والتدفئة والمواصلات.
كما تحدثت محذرة من “نزيف حاد للأدمغة” وأن هناك 12 مليون سوري باتوا يعانون من إنعدام الأمن الغذائي.وطالبت بالوقف الفوري لجميع العقوبات التي وصفتها بالأحادية، التي تضر بحقوق الانسان.
واقع الحال اللبناني، الذي يتعرض لحصار قانون قيصر أيضاً، ودون إعلان ذلك من قبل الولايات المتحدة الاميركية نفسها يظهر واضحاً في منع إعطاء الكهرباء للبنان لا من خلال الغاز المصري عبرسوريا، ولا من خلال السماح له ببناء محطات انتاج من قبل الصين وروسيا وايران .
وإذا كانت الولايات المتحدة قد عللت حصارها للبنان بمحاربة المقاومة وخنق بيئتها اقتصادياً لتجيشها ضد حزب الله، وبعدما عجزت عن ذلك نتيجة التلاصق الكبير لهذه البيئة مع المقاومة، فهي قد انتقلت إلى حصار كل لبنان، وكان هذا القرار على ألسنة الدبلوماسيين الأميركيين، كل بدوره من دافيد شينكر إلى السفيرة شيا وآخرين الذين لوحوا بالعقوبات على سياسيين من خارج حزب الله، من مختلف المذاهب والطوائف والأحزاب.
إشارة هنا أن الإدارة الاميركية حليفة لغالبية أهل السياسة والاقتصاد من الفاسدين منذ ما بعد الطائف هي بذلك تسيطر على المفاصل الإقتصادية الأساسية في لبنان وتمارس الإحتكار للسلع والمواد الأساسية لاسيما المشتقات النفطية وكذلك الأسمنت والتراب وصولاً إلى السلع الغذائية حتى الأدوية وحليب الأطفال والمستلزمات الطبية.
يضاف إلى كل هذا بند أساسي ألا وهو نسج الإدارة الاميركية من خلال سفارتها علاقات تمويل كبيرة لشبكات كبيرة واسعة من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة مع ما يتيحه ذلك للمتلقين من حملات تشويه منظمة.
أن ما يجري اليوم من سياسة مالية متعمدة من مصرف لبنان وحاكمة المدعوم أميركياً، رغم دعاوى الفساد المرفوعة ضده من دول أوروبا مثل سويسرا وفرنسا، إضافة إلى نقص الاحتياط من العملات الأجنبية نتيجة فرض العقوبات، وما تسببه من نقص في الأدوية وكذلك رفع الدعم، أيضاً على المعدات الطبية المتخصصة، لا سيما للأمراض المزمنة والنادرة.
كل هذا يؤدي إلى واقع مأساوي، لا يختلف لبنان منه عما يجري في سوريا.
إن المطالبة الفورية من القوى الشعبية والحزبية برفع عقوبات أميركا، المتتظللة بالقوانين الدولية، بات امراً ملحاً وخياراً يتسارع يوماً بعد يوم، فالانفلات من هذه القبضة الخانقة للبلد، والتوجه نحو خيارات جديدة، بالاستعانة بعروضات الشرق، ورغم الحجة، التي نسمعها من البعض، بفرض العقوبات على الأفراد الرأسماليين واصحاب الشركات اللبنانيين، فأن هؤلاء الأفراد، لا يمكنهم الاستمرار على حساب شعب يموت بأكمله.
ايضا ان إحياء السوق المشرقية المشتركة وفتح حدود دول المشرق على بعضها البعض سيؤدي حكما الى فك الحصار عن سوريا التي يموت شعبها تحت مضاعفاته , المسارعة بايجاد الحلول هو الخيار الاوحد وان تأتي متأخرا خير من ان لا تأتي ابدا في سياسة عض الاصابع المعتمدة على امتنا .
كوكب معلوف
One thought on “حصار سوريا ولبنان وسياسة عض الاصابع”
Comments are closed.