على مدى ثلاثة شهور شهد ميدان منطقة العملية العسكرية الروسية الخاصة تراجعاً لوحدات الجيش الروسي في جبهتي خاركوف وخيرسون حيث نفّذ الجيش انسحابات منها ما هو تحت ضغط الهجمات الأوكرانية كما حصل في جبهة خاركوف ما ادّى الى تخلّي الجيش الروسي عن مناطق بالاكليا وايزيوم وليمان وكراسني ليمان وخسارته لمدينة كابيانسك وهي على حدود جمهورية لوغانسك الشعبية وكان هذا انسحاباً قسرياً لعب فيه سوء تقدير الموقف العسكري والإستخباراتي دوراً اساسياً إضافة الى عوامل أخرى تقنية لجهة مد الأميركيين للجيش الأوكراني بمعلومات دقيقة عن نقاط تموضع الوحدات الروسية وعوامل طبيعية ترتبط بالجغرافيا المكونة من مساحات واسعة من الغابات والعوائق المائية التي حدّت من قدرة الوحدات الروسية على المناورة والمعاناة المرتبطة بخلل استدامة وصول الإمدادات الى جانب استخدام الجيش الأوكراني للقذائف الموجهة بواسطة نظام الملاحة الجوي GPS سواء بالنسبة لقذائف الهايمارس او حتى بالنسبة لقذائف ال 155 ملم والتي كان لها دور فاعل في إصابة نقاط القيادة والسيطرة الروسية وكذلك تجمعات الآليات والأفراد .
في جانب آخر وبشكل طوعي اتخذت القيادة الروسية قرارا بالإنسحاب من الضفة الغربية لمدينة خيرسون لأسباب تتعلق باحتمال تفجير الجيش الأوكراني لسد كافوخكا واغراق مناطق تموضع الجيش الروسي وكذلك المشاكل المتعلقة بالإمداد .
بنتيجة هاتين المعركتين اجرت القيادة الروسية تقييماً اتخذت من خلاله قراراً باستخدام نمط الدفاع النشط من خلال انشاء خطوط دفاع صلبة لمنع الجيش الأوكراني من تحقيق انتصارات أخرى .
الى جانب استخدام نمط الدفاع النشط بدأ الجيش الروسي باستهداف البنى التحتية الأوكرانية الحساسة في قطاعي الطاقة والمواصلات للحد من قدرة الجيش الأوكراني على مد الخطوط الأمامية والخلفية بما يحتاجه من ذخائر ومعدات ، الى جانب استخدام نمط الإشباع الناري لإنهاك القوات الأوكرانية .
في الجانب التقني حسّن الجيش الروسي من أداء وحداته عبر تكثيف عمليات استخدام الطائرات المسيرة بانواعها الثلاث :
- مسيرات الإستطلاع الصغيرة والمتوسطة الحجم بحيث اصبح لدى كل فصيلة مسيرتين للمراقبة والإستطلاع الدائم ، إضافة الى تنظيم دورات على ارض الميدان لكافة عناصر الفصائل والسرايا العسكرية باستخدام هذه المسيرات وهو ما ادّى الى تحسين ظروف القتال .
- مسيرات القتال المتوسطة والثقيلة والتي كان لها دور أساسي في زيادة الضغط على القوات الأوكرانية .
- المسيرات الإنتحارية من أنواع مختلفة والتي ارهقت القوات الأوكرانية وحققت تحولاً ملحوظاً في مسرح العمليات عبر استهداف نقاط حيوية واسلحة ذات طابع مؤثر .
في كل الأحوال ومع حلول شهر كانون الثاني / يناير 2023 بدأت الوحدات الروسية تُمسك بمفاصل الميدان وبدأنا نشهد تحسناً كبيراً في أداء الجيش الروسي تمثل في سلسلة من النجاحات تهدف في هذه المرحلة الى تحطيم خط الدفاع الأول للجيش الأوكراني على محور دونيتسك ومنذ أيام على محور زباروجيا حيث بات ممكناً القول ان الصورة الميدانية أصبحت على الشكل التالي :
١ – السيطرة على مدينة ” سوليدار ” ومن ثم التقدم شمالا نحو بلدة ” سول ” والسيطرة عليها بالتوازي مع ضغط ناري كبير على بلدة سبورنايا من اتجاه جنوب غرب مدينة ” ليسيتشانسك ” ومن اتجاه شمال مدينة ” سوليدار ” والهدف هو تنفيذ عمليات تحطيم لخط الدفاع والوصول الى مدينة ” سيفرسك ” والسيطرة عليها .
٢- السيطرة على بلدة ” كليشيفكا ” جنوب غرب مدينة ” ارتيوموفسك – باخموت ” لتحقيق التماس مع المدينة من الجهة الغربية واستكمال تطويقها من الجهات الشمالية والشرقية والغربية اضافة الى السيطرة على خط الامداد H-32 بالنار للحد من وصول الامدادات .
علما بان الضغط من الجهة الشمالية مستمر من اتجاه بلدتي ” بيدغورودني ” و ” كراسناغارا ” .
مع الاشارة الى ان وحدات روسية ووحدات من قوات فاغنر دخلت في قتال تلاحمي في المنطقة الصناعية مع القوات الاوكرانية .
٣- تفعيل عمليات الضغط الناري على اتجاه مدينة ” مارينكا ” للإلتفاف على مدينة ” افدييفكا ” احد اكبر المعاقل المحصنة على خط الدفاع الأوكراني .
٤ – على محور زاباروجيا وبعد بسط الوحدات الروسية سيطرتها على بلدة ” بافلوفكا ” تمكنت وحدات الجيش الروسي من السيطرة على بلدة ” لوبكوفايا ” وهي الضاحية الغربية لمدينة ” كاميانسكي ” وبذلك تكون الوحدات الروسية قد حققت التماس مع المدينة من اتجاهي الجنوب والغرب .
يُذكر ان مدينة ” كاميانسكي تقع على بعد ٢٨ كلم من مدينة ” زاباروجيا ” علما بان الوحدات الروسية تعمل على الوصول الى مدينة ” اوريخوف ” للتقدم المتوازي نحو مدينة ” زاباروجيا ” بعد عبور نهر ” كينسكا ” .
بالنظر الى حركة الميدان الحالية من المتوقع ان نكون امام متغيرات عملياتية بعد مجموعة من المتغيرات التكتيكية التي تحدث يوميا على خطوط القتال وستكون مدينة زاباروجيا هدفاً رئيسياً في المرحلة القادمة كما هي الأمور بالنسبة لمدينتي سلافيانسك وكراماتورسك على جبهة جمهورية دونيتسك .
عمر معربوني، خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
One thought on “ما هي آفاق انتقال الجيش الروسي مجدّداً من الدفاع الى الهجوم؟”
Comments are closed.