يعلّمك ويعلّم فيكَ!

الإنسان شخص ديناميكي متفاعل، يؤثّر ويتأثّر بالتفاعل مع البيئة ومع الأشخاص والمواقف فيما يُسمّى بالخبرة المتراكمة. في مراحل بناء شخصيتهم تأتي نسب تأثّر الأشخاص بمحيطهم وبيئتهم أكبر بكثير من المراحل اللاحقة، وعليه تكون مرحلة دراستهم هي الأهم. ومن أهم الأشخاص الذين يتأثّر بهم الطلاب هم أساتذتهم ومعلميهم وخاصة في المرحلة الابتدائية، التي تعتبر من أهم المراحل الدراسية، حيث أنّ الطالب في هذه المرحلة يكتسب كلّ ما يغذّي به ذهنه من معلومات، سواء كانت سلبيّة أو إيجابيّة.
كذلك لا تقلّ أهميّة المرحلة المتوسطة المتأخرة الموازية لسن المراهقة وما لها من تأثير نفسي على المراهق سلبًا كان أم إيجابًا. فالمعلّم بالنسبة للطلّاب هو القدوة ومصدر العلم والمعلومات، فيتأثرون به لدرجة أنّ بعضهم لا يصدّق والديه ويصدّق المعلّم في ما يقوله! فكم من عبقري ومتفوّق تخرّج وأبدع وكان من أحد أهم أسباب إبداعه معلّم لا ينساه ولا ينسى تحفيزه ودعمه، وكم من طالب ذكي خسر تفوّقه الدراسي بسبب ضعف معلّم في الأسلوب والتعامل، أو حتى من خلال تعليق سلبي ووصف محطّم لثقة ذلك الطالب بقدرته التّعلّمية. فإذا جاء معلّم وقال لطالب بأنّه شخص ممتاز سيرى نفسه ممتازًا، والعكس صحيح، كونه يجعل عقله الباطني يوحي له بأنّه شخص ممتاز أو شخص كسول. فالمعلّم بكلمة ما قد يهدم قدرات الطالب، وفي حال كانت الكلمة إيجابية سيعزّز بالتالي تلك القدرات.
هذا على الصعيد الدراسي، أمّا على الصعيد النفسي فإنّ المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بالنسبة لمراحل تطوّر شخصيّة الطفل لدى عالم النفس إريك إريكسون (1902 – 1994) هما المرحلة الرابعة والخامسة اللتان خلالهما يحتاج الطفل إلى تشجيع مبادراته وتعزيزها ليشعر بالكفاءة والثقة بقدراته، أمّا في حال إحباطها أو تقييدها فيؤدي ذلك إلى تنامي الشعور بالنقص والشك في القدرات وانخفاض شعور الثقة بالنفس.
فالمعلّم قد يتسبّب بشعور نقص وثقة بالذات منخفضة يحمله معه الطفل لمراحل النضج والرشد وحتى الشيخوخة، بسبب توصيف سلبي أو حكم مسبق او حتى استهزاء أمام الطالب، ويسبب جرحًا نفسيًا يذكره الفرد طوال حياته ويشعر بحسرةٍ وأحيانًا بحقدٍ تجاه الأستاذ حين يذكر الموقف الذي تعرّض من خلاله لذلك الأثر السلبي. ومن ناحية أخرى نرى الفرد في عمر الخمسين يقص عن أستاذ لن ينساه بسبب أسلوب تعامل إيجابي ومحفّز له أو حتّى ذكره لعبارة تشجيع عنت له وأثّرت به إيجابًا على الصعيد النفسي.
هذا ويُعد الأستاذ مساهم أساسي في تشكيل الثقة بالذات والنظرة والتقييم للذات لا للطفل وحسب بل للرجل أو المرأة اللذين سينتجان عن هذا الطفل، وما ينتج عن تلك الثقة والقيمة من أن يصبح الفرد اجتماعيًا أم انطوائيًا، خجولًا أو جريئًا، متحدّثًا أم صامتًا، مبادرًا أم متأنّيًا.
من ناحية أخرى فإنّ المعلّم إنسان قد يحمل مآزم نفسية معيّنة نتيجة تنشئة خاطئة أو بيئة اجتماعيّة غير سليمة، بالإضافة إلى احتمال تعرّضه لضغوطات نفسيّة نتيجة أوضاع عائلية وحتى اقتصادية مما يسبّب لديه سلوكيّات عدوانيّة ولو كانت لفظيّة.
من هذا كلّه، تظهر ضرورة تأمين جلسات إرشادية نفسيّة للأساتذة والمعلّمين توضّح أهميّة دورهم في حياة الأجيال والطريقة الصحيّة نفسيًا للتعامل معهم، إضافة إلى تربويات التعامل مع الأطفال، وذلك لرفع المستوى الأكاديمي نتيجة التحفيز والتشجيع بالإضافة إلى رفع مستوى الثقة بالذات بما أنّهم مصدر مهمّ من مصادرها.

ريما كسر – أخصّائية نفسية