انقسامات بصفوف أهالي شهداء المرفأ: الاصطفاف السياسي يقتل الحقيقة

إن أردت تمييع المطالب الشعبية عليك بتسييسها. قاعدة لبنانية أثبتت صحّتها في تمييع المطالب المحقّة للبنانيين المنتفضين في 17 تشرين 2019، وقبلها مطلب الحقيقة بمن يقف خلف تفجير الرابع عشر من شباط 2005 الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري وآخرين، وتتابع اثبات صحّتها اليوم فيما يحصل بملف انفجار الرابع من آب.
في 17 تشرين سارت الأمور كما يجب لثلاثة أيام، حتى تحوّلت إلى انقلاب أو انتفاضة بعض الأحزاب على المقاومة وعهد الرئيس ميشال عون، محاولةً ركوب موجة الناس الغاضبة، والاستثمار بأوجاعهم لتحقيق أهدافهم السياسية الضيّقة على حساب المطالب الشعبية المعيشية المحقّة.
حالة وطنيّة مثل هذه لم تكن الوحيدة من نوعها التي أخذت طابعًا سياسيًا، وركبتها بعض الأحزاب أمام أعين الجميع، الأمر الذي يثير استغرابًا كبيرًا، كيف لإنفجار هزّ كلّ لبنان وأصاب صداه كلّ بيت لبناني، ألّا يتمكّن من توحيد اللبنانيين وراء موقف وطني واحد؟!
انفجار مرفأ بيروت لم يستثن أحد، ولم يفرّق بين الديانات والأطياف، بل ضاعف من حدّة الأزمة الإقتصادية ودمّر آلاف الوحدات السكنية والمؤسسات وشرّد سكانها وآلاف الموظّفين.

كما كلّ مرّة سارعت بعض الأطراف السياسيّة لاستثمار الحدث لصالحها، ووجّهت أصابع الاتّهام نحو حزب الله، معتبرة إيّاه الطرف الوحيد الذي يملك مصلحةً بالتخزين، نظراً لاستخدامه تلك المواد بتصنيع الصواريخ والمتفجّرات الحربيّة.

تعدّدت الآراء، وكثرت الإتهامات، فالمعركة السياسيّة اليوم أثرت بشكلٍ مباشر على المطالبين بحقيقة هذه القضية؛ أهالي الشهداء والضحايا. فهل يُعد انخراطهم في خنادق السياسية أمر طبيعيّ أم هو استثمار بهم سيدفعون ثمنه ابتعادًا عن معرفة حقيقة من قتل أبنائهم؟

من الواضح أن شرخًا وقع بين الأهالي حول تدخّل بعض الأطراف السياسيّة والنواب في قضيّتهم، كما تفيد المعلومات أن عددًا منهم ابتعد بشكلٍ كلّي عن التحرّكات بعد أن لمس تسييس قضّية الشهداء، ورفضه لاستئثار طرف سياسي بحملة الضغط على القضاء من أجل تفعيل التحقيقات.
على المقلب الآخر، يعتبر عدد كبير من الأهالي أن التنسيق مع الشخصيات السياسيّة والنوّاب هو أمر أساسي وضروري، اذ يرون أنفسهم مستضعفين وصوتهم غير مسموع دون غطاء سياسي، ويعتبرون أن بإمكان النوّاب تشكيل لوبي حقيقي يوصل صوتهم ويساعدهم على حثّ المعنيين عدم تمييع القضية. يؤكّد هؤلاء أن تعاطيهم هو حصرًا مع النوّاب الجدد وبعض النواب الذين كانو خارج موقع القرار في السنوات الـ١٠ الفائتة.
لا شك أن التدخل السياسي لطالما قلب الطاولة على مطالب العدالة وخلص إلى نتيجة واحدة هي اللاعدالة وتمييع الحقيقة، وهذا ما يفيد به تاريخنا الحديث. ولكن مطلب أهالي الشهداء والضحايا اليوم هو استكمال التحقيق، وليس اتّهام أي فريق دون سواه على حساب الفريق الآخر، للوصول إلى معرفة الحقيقة كاملةً، أيًّا كان المجرم.
لذا، لا يجوز تعطيل القضاء سياسيًا، ولا يجوز أيضًا استثمار وجع الأهالي وتوظيفه سياسيًا. المسار يجب أن يُصحّح.

جو شمعون