الشهداء والاطفال في بلادي

حن الشهداء للأرض التي مشت اقدامهم عليها حفاة، اشتاق الشهداء إلى أن تتلون أجسادهم بلون التراب كما تلونت بها وهم صغار، وآثر الشهداء العودة إلى حضن الأرض الدافئ الحنون بعد أن مكثوا طويلاً في ظلال الحرية، عادوا إلى الأرض التي تفيض خيراً وحباً وعطاء. سار الشهداء مسير النصر، على أصوات الحداء، وأهازيج النصر، والفخر، والآباء. تسلقوا احلامهم الحلوة الجميلة، وحلقوا بعيداً، وتركوا حطام النفوس الذليلة تستلذ بقضم القهر اليهودي كالجرذان. هؤلاء الشهداء، هم أزهار النرجس والاقحوان في غزة والضفة ولبنان. تاركين الذليل الخانع وحيداً يفترش الهزيمة على بساط الذل والعار. في فلسطين للحياة معنى غير ما تألفها الأمم، هناك يستودع الشهيد ابنه بعبق رائحة البارود، ليزرع الغضب في قلبه وبيته وحديقته وملعبه، وبكل زاوية من زوايا الازقة الشامخة كشموخ نفوسهم وثابتة ثبات الابجدية الكنعانية على كل لسان ناطق بالحق. هناك على أرض فلسطين ألوان الفرح لا تراها العيون المعمشة بالبغضاء والكراهية، هناك نفوساً أبية رفضت الاذعان لإرادة البطش اليهودية، وما انحنت لجبروت العالم الاستعماري المتوحش. هناك زرع اطفال غزة والضفة نباتاً يتحدث اللغة السورية بمفردات العز الفلسطينية، عصية على أن يفهمها العربي الجاهل أو المستشرق الطامع المستبد.  هناك عند اقدام الاطفال في غزة رموزا فلسفية مصدرها الحق والخير والجمال مازالت البشرية قاصرة على فكها، رموز تدحض العقائد المتوحشة المستعمرة، هناك كل العقائد تمحى وتزول، وتبقى الرموز السورية في نفوس النساء تلدها وترضعها لأطفالها. في غزة لا تغني النساء لأطفالها اغاني الاطفال المعهودة، لها اناشيدها الخاصة، مدبجة بحروف الحرية والجهاد والمحبة والسلام، اغاني الفداء والرحمة والاخاء الانساني.

اما في جنوب لبنان، شهداؤنا ليسوا كشهداء البشرية هم انبياء ورسل وقديسين وقد تخطى عددهم الستة آلاف مبشرا، ولدوا في ظلال سنابل القمح، وأوراق الزعتر، تعاليمهم، حب وواجب.  إرادتهم زوبعة من العنفوان الجارف. أنفسهم باركت جذور الاشجار المقاومة.  الشهداء في الجنوب أقاموا العرس الجليلي ثانية في قانا، ما كان طعمه طعم الخمر المبارك، استبدلوه بطعم الشهادة المقدسة. والطفل في الجنوب هو من طينة الطفل في غزة، وهذا ليس بالعجب فأمهما واحدة اسمها سورية امهما وأم الحضارة الانسانية. وألعاب الطفل في الجنوب لا تشبه ألعاب الاطفال في العالم، فلعبته المفضلة هي سحق رؤوس الأفاعي اليهودية المرقطة، غير خائف من سمها ولا من سم ربها يهوه. ولا تخيفه قصص الغول والجنية الشمطاء ولا كل اسماء الاشباح. فكل طفل في الجنوب يلبس وجه قديس شهيد، ويتحول إلى فوهة بندقية وطلقة تقتل الظلام والظلم والجور في هذا الوجود. الطفلة في الجنوب لا تلبس الفساتين المزركشة المخاطة بخيوط الباطل والاستسلام. انها تلبس ثياب الحق ومنطق الحقائق، وتدوس بقدمها ترهات الذل والباطل. حذاء الطفلة الجنوبية مطهر اطهر من كل ثقافات الغرب المجرم. في الجنوب الاطفال سكنوا القصور وعرفوا زينة جدرانها الملونة بألف لون ولون من الحرية والفداء. وبأيديهم الطرية الجميلة، زرعوا حدائق قراهم. وبنور وجوههم اناروا فضائها بنور لا يزول. ما حزنوا عندما هدمتها اليد اليهودية الهمجية، واستحالة ان تقدر الهمجية على اطفاء النور وجوههم، أطفالنا في الجنوب ما ذلوا وما ركبوا العار كما ركبها اصحاب السياسة الخانعة، فبقوا أطفالنا كوكب الشمس الحارق والمضيء حرية، وبراءتهم حربة في عين العدو الغاصب. هناك بالأرض المقدسة في ارض الجنوب استبدل الاطفال القصور بالخيام ليس تشبها بعربي مستسلم ومطبع، بل لأنهم أبوا مغادرة عطر الأرض المقدسة، وتحديا للعاجزين الجبناء الساقطين لمن يمنع عنهم   إعادة إعمار ما هدمه العدو، هناك في غزة وجنوب لبنان لأطفالنا خيمة عامودها رمح وسيف، منقوش عليها ان الحياة وقفة عز فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *