تركيا والرقص على المحاور لتحقيق اطماعها

ينام ويصحو بين برهة وأخرى التنين التركي، يطفو على السطح كلما عصفت الأحداث بالمنطقة، خطره لا يتلاشى وأطماعه لا تستكين على مدار قرن وأكثر، يعمل تارة بالسر ويتبجح بالعلن، وبشكل مباشر تارة أخرى، أذاق الويلات لشعبنا من مذبحة سيفو لسلب اللواء، لفتح الحدود الشمالية لقوى الارهاب الدولية، واحتضانها وتنظيمها مع بداية الأزمة السورية قبل أكثر من عشر سنوات، لاحتلال مناطق من الشمال السوري، وإنشاء قواعد تركية وتتريك تلك المناطق بفرض مناهجها والتعامل بالعملة التركية.

    إن النظام التركي مسكون بهواجس الماضي وأوهام الامبراطورية، وأمجاد الخلافة العثمانية الدموية وأطماعها في الشمالين العراقي والسوري، الذي حذّر منها الزعيم انطون سعاده قبل أكثر من ثمانين عاماً، في مقالة في جريدة النهضة عام 1937 قال فيها : «الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير، والثاني هو الخطر التركي…، الأتراك قد أخذوا منذ الآن يحسبون الإسكندرون السورية تركية، ويوثقون علاقاتهم القومية بها حتى أنهم أطلقوا عليها اسماً تركياً جديداً، ولم يكتفوا بذلك بل هم يتطلّعون الآن إلى ما أمام الإسكندرون، إلى حلب ثم الجزيرة».

    واليوم ما تزال الأطماع بأراضي الغير غاية وهدف النظام التركي، ولعبة الرقص بين المحاور لتحقيق مخططاته مستمرة، فقد استطاعت تركيا الهيمنة على أحزاب أساسية في أمتنا والعالم العربي، منها الأخوان المسلمين للقيام بأدوار تقوم برسمها لها، بالإضافة لتكريس الإسلام السياسي بالمنطقة، وإنشاء ودعم التنظيمات التكفرية المتطرفة في الحرب الكونية على سورية، لتبقى المنطقة على صفيح ساخن، ناهيك عن البروباغندا والتصدير الإعلامي على أنها الفارس الذي  يدافع ويحمي المقدسات الإسلامية في القدس، وحاملة لواء الدفاع عن الفلسطينين والمقاومة وغزة ضد الاحتلال الاسرائيلي، فيما تورد الأسلحة والرصاص من مصانعها  للكيان الصهيوني، الذي يقتل به شعبنا الفلسطيني.

    إن تعاون وتحالف النظام التركي مع الكيان الصهيوني هو الأقدم والأكبر في المنطقة، فتركيا هي أول دولة اعترفت بالكيان الغاصب، ونظام أردوغان مكشوف ومعلن، فقد أكد تورونلار قائلاً : “لم تكن تركيا والأتراك ضد قيام دولة اسرائيل أو ضد اليهود” وأضاف: “اليهود الأتراك الذين يعيشون في اسرائيل والذين يقارب عددهم 100 ألف، هم جسر بيننا “وإن التجارة الثنائية نمت بسرعة في السنوات الأخيرة، واقتربت من عشرة مليارات دولار، مضيفاً أنها تهدف إلى زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 15مليار.

    لا شك أن الخطر التركي لا يقل خطورة عن الخطر الصهيوني، فكلاهما لديه أطماع استعمارية في الأرض، وما ذريعة تركيا بالأمن القومي التركي وحماية حدودها من تهديد وحدات الحماية الكردية، ذات الصلة بحزب العمال الكردستاني  في الشمال السوري، إلّا حجة تبتغي منها التوغل في الأراضي السورية، وإنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتر في شمال شرق سورية، وأن الأكراد يشكلون ورقة ضغط رابحة في يد الحكومة الأمريكية، وعنصر فعال لبقائهم أو وجود قواعدهم بحجة الدفاع عن الإرهاب، سواء في شمال العراق أو شمال سورية، ترفعها متى شاءت لتأديب تركيا، فقد أعلنت أمريكا أنها ستشكل قوة مؤلفة من 30 ألف عنصر من السوريين الأكراد لإقامة شريط حدودي، بالمقابل أعطت ذريعة لتركيا لحشد قواتها العسكرية على الحدود ذاتها، والقيام بهجمات جوية ومدفعية مدمرة.

    إنه السيناريو الاحتياطي لمخطط التقسيم والتفتيت وإدارة الأزمة، فالأمريكان والأتراك يعتبرون أن القرار الدولي رقم 2254 الذي يؤكد وحدة سورية غير موجود، ولا تكمن أطماع تركيا بالأرض فقط، فقد أدركت دور المياه الكبير في التأثير على الجوار، والتحكم به كورقة ضغط سياسية، فهي تسعى للسيطرة على 95 % من مياه الفرات و50 % من مياه دجلة عن طريق مشروع الكاب، ليؤول الحال للتصحر في أراضي الشام والعراق، وتغيير ديمغرافي وتفريغ الأرض من سكانها وإنهاء أي نشاط اقتصادي فيها، ويعتبر النظام التركي نهري الفرات ودجلة نهرين تركيين، وأكد ذلك رئيس الوزراء التركي الأسبق سليمان ديميريل، حيث قال: “يمكن لتركيا استخدام مياه الفرات ودجلة كما يحلو لها، فالمنابع المائية تعود لتركيا كما تعود منابع النفط للعرب”.

    وبالرغم من كل ذلك لن نقف مكتوفي الأيدي، فعلينا دور كبير في استنهاض السوريين كل السوريين، وتحصين أبناء شعبنا ونشر الوعي للوقوف ومواجهة ومقاومة الاختراقات والخطر التركي والتصدي له.

رئيس المجلس الاعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي عامر التل