توجه لك دعوة للكتابة عن أول أذار، فتحتار في أمرك ماذا تتناول في مناسبة ميلاد شخصية كأنطون سعاده. اتكتب عن الشخص أو عن الفكر الذي أرسى قواعده وأقام له حزباًً ناشداً من خلاله بعث امة ظن أعداؤها انها منقرضة.
سرعان ما تترك الشخص جانبا الفرد أو المفكر أو الأب، وتتبع أثر المؤسسة التي أنشأها وقدم روحه فداءً لها، من خلال قوله أنا لا اعد السنين التي عشتها، بل الأفعال التي نفذتها. قد ينبري البعض للقول لكن هذا القول أطلق عشية الإعدام، فلما الخلط بين الأول من أذار والثامن من تموز. هذا البعض عليه ان يعلم لولا السادس عشر من تشرين ثاني عام 32، كانت المناسبة الأولى فرحة والدين وأقارب والثانية لم تكن لتكون وان آمنا بالأقدار.
المؤسسة التي أنشأها لم يرد لها ان تشبه سواها من المؤسسات السياسية التي فرخت بعد سقوط السلطنة، إذ أن جلها كان ديني أو مذهبي يتنطح أصحابها للعب دور سياسي، وأخرى تدافع عن حق هنا وحقوق هناك، الامر الذي رفضه سعاده جملة وتفصيلا حتى صفة الزعامة التي أعطاها لنفسه جعل لها قسماً، وحصرها لخدمة الأمة.
كل هذه التفاصيل تعطي صورة واضحة جلية لسعادة ورسوليته تجاه الامة التي عينها واراد من الحزب الذي أنشأه ان يبعثها بعد الطمس التاريخي المتعمد لها لصالح الفكر الغيبي الذي جرد الانسان من الارادة الحرة وجعله يسعى خلف خلاصه الفردي للحياة ما بعد الموت.
تعرض سعاده في مسيرته لخيانتين، الاولى ممن ائتمنهم على المؤسسة اثناء اغترابه القسري والثانية من النظام الشامي بزعامة حسني الزعيم ويمكن القول هنا أن الأولى أدت إلى الثانية. اما بعد اعدامه فيمكن القول ان التخبط رافق مسيرة المؤسسة لغياب وحدة النهج الذي يضمن وحدة الاتجاه.
في ذكرى الولادة التي ناهزت أجيالا أربعة، على مريديه وأعضاء الحزب الذي اطلقه ان يعيدوا الحيوية للفكر الذي ابدعه واللحمة للمؤسسة التي انشأها،هي فرصة بغياب المؤثر الخارجي الذي كان هو الدافع على الدوام لما يقال له وحدات حدثت في فترات سابقة.