ماذا نقول لك في عيد ميلادك

ماذا نقول لك يا فتى الربيع في عيد ميلادك 121؟

ماذا نقول لفتى توفيت امه وفُقد الاتصال بابيه الذي كان قد هاجر إلى الأرجنتين وتوفيت جدته التي كانت ترعاه مع اخوته في الشوير فعاش يتيما خلال سنين الحرب العالمية الاولى في مأوى برمانا، ولكن هذا لم يهد من عزيمته وعزة نفسه القومية فانزل علم المحتل التركي عن مدرسته في برمانا.

ماذا نقول لشاب هاجر بعد الحرب إلى البرازيل حيث استقر مع والده فرفض ان يستسلم للقدر ويهتم بمعيشته فقط في مكان إقامته الجديد وينسى هموم وطنه، فثقف نفسه بنفسه، وَوَجَهَ علومه ومعرفته لكي ينمي قدراته الفكرية لانقاد وطنه. لم تمض فترة وجيزة الا وبدأ ابداعه الفكري والاستشرافي يظهر من خلال كتاباته في جريدة المجلة التي أسسها والده. في الواحدة والعشرين من عمره في 1925 كتب مقالاً عن الحركة الصهيونية وأهدافها واطماعها في بلادنا حذر فيه بأنّ الحركة الصهيونية تقدمت تقدماً لا يستهان به، «فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة إذا لم تقم في وجْهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح». في ذات المقال يشيد سعاده بمقاومة شعبنا في فلسطين لكنه استشرف ان «هذا لا يكفي وينقصه التضامن الضروري لحياة الأمم التي لا تتجزأ، وإذا اقتصرت اعمالنا على فِئات قليلة من شعبنا فلا يمكننا أن نقف في وجه التيارات الغريبة التي تريد جرفنا من بلادنا».

ماذا نقول لرجل جمع المعرفة والشجاعة وسخرها للعمل على انقاذ امته فوضع خطة معاكسة لمواجهة الخطر الصهيوني وغيره من الأخطار المحدقة بإمتنا فرجع إلى الوطن في 1930 وأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي في 1932. سعادة لم يؤسس حزبا عاديا يشكل امتدادا لنفوذ عائلات سياسية معروفة او ليخدم مصالح طائفية وفئوية او على أسس عاطفية انفلاشية عروبية وهمية او تقوقعية لبنانية اوهم منها. سعادة أسس حزبا قوميا نهضويا وحدويا على أسس علمية اجتماعية واضحة. فالقومية عنده أساسها المجتمع الواحد في بيئة جغرافية واحدة والتفاعل بين أبناء الشعب وبين الشعب والارض ضمن هذه البيئة. لم يأْتينا سعادة بالمعجزات، بل بحقيقة هويتنا وانتمائنا كشعب واحد لهذه الأرض الواحدة من خليج البصرة وجبال زغروس في الشرق إلى المتوسط في الغرب ومن جبال طوروس في الشمال إلى الصحراء العربية في الجنوب.

ماذا نقول لمصلح اجتماعي عرف الداء الطائفي المزمن وقدم الدواء وأعلن أننا لا يمكن أن نربح الأرض ونحن نقتتل على السماء، وبربحنا الأرض فقط يمكن ان نصل إلى السماء ونربح الجنة، فدعى إلى فصل الدين عن الدولة وإزالة الحواجز النفسية والفكرية والتفاعلية بين مختلف المذاهب والطوائف.

ماذا نقول لمجاهد ابى ان يكون القبر مكانا لامته تحت الشمس فعندما رأى تخاذل الدول والانظمة السورية الهزيلة في الدفاع عن فلسطين واستغلال وتواطؤ بعض الأمم المجاورة لاغتصاب فلسطين، أعلن انشاء الجيش القومي في 1948 فحاربته كل الانظمة العميلة وخططت إسرائيل لاغتياله مع عملائها في لبنان والشام.

ماذا نقول لقائد نال لقب الزعيم بجدارة عندما كرس كل حياته دفاعا عن حياة امتنا وسعيا لنهضتنا لكي نحيا حياة كلها انتاجا وعطاءا للبشرية جمعاء، كما كنا سابقا، فلم يكِلْ ولم يهْدَأْ حتى ختم رسالته بدمه في 8 تموز 1949.

بعد كل الذي فعله وتسخير حياته لنهضة سوريا، ماذا نخبر حضرة الزعيم عن واقعنا الحالي؟ هل نعترف له ان هتافنا علا عاليا بعد استشهاده، ولكن لم يسمعنا الا قلة.

هل نخبره بان تقسيمات سايكس-بيكو والطائفية والمذهبية ما زالت تستشري بشعبنا وتستغلها الصهيونية وحليفها الاستعماري الأميركي ويخططون لسايكس بيكو إجتماعية جديدة باسم الشرق الأوسط الجديد او بالأحرى شرق اوسخ جديد على أساس عرقي طائفي بخلق هويات وقوميات وهمية سنية وشيعية ودرزية ومسيحية وكردية تكون رديفة وشريان حيوي للوطن القومي اليهودي على ارض التوراة التاريخية المزعومة.

هل نخبره ان الصهيونية بشقها المسيحي ـ الانجليكي امتدت مخالبها إلى أميركا ويحكمها اليوم رئيس مغفل مغرور، يدعي اميركا أولاً ويعمل لإسرائيل أولاً، ودعى علنا لتوسيع حدود اسرائيل «الصغيرة» ولتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء ويمهد لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية والداخل الفلسطيني إلى الأردن ولاحقا إلى لبنان، وان وزير دفاعه دعى علنا أيضا للعمل على تدمير المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان وذلك تحقيقا لنبوءات توراتية وتأويلات إنجليكية صهيونية تعتبر هذه الجريمة تمهيد ضروري لعودة مسيحهم وبناء مملكته الالفية.

هل نخبره ان الصهيونية ليست الخطر الوحيد الذي يهددنا ففقدان السيادة القومية علّم وشجع دول الجوار على السطو والهيمنة على ثرواتنا ومواردنا فها هو التركي يسلب مياه نهري سوريا العظيمين، دجلة والفرات، ويتحكم بحياة الملايين من شعبنا على حوض النهرين. هل نخبره ان هذا التركي الطامع وصل نفوذها إلى دمشق ونصب أزلامه في الحكم وان حلب والموصل أصبحت فعليا مهددة بالقضم والضم كما حصل للإسكندرون سابقا وكما نبهنا في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي.

هل نخبره عن عملاء الداخل الذين حاربت بعضهم في لبنان وفلسطين يُنبِتّون اليوم في كل ارجاء الامة السورية. على راس هؤلاء واخطرهم الكردستانيون الانفصاليون الذين يسعون إلى إنشاء دولة عرقية، شبيهة ورديفة للدولة اليهودية، في كل الشمال الشرقي والشمال العراقي-الشامي وصولا إلى الشاطئ الاسكندروني على المتوسط، ويتحالفون علنا مع الأميركي والصهيوني لتحقيق شرقهم الاوسخ الجديد.

هل نخبره ان إسرائيل استغلت اسقاط مقومات الدولة السورية فأجهضت عليها بتدمير قدرات جيش الجمهورية السورية المتبقية، وباحتلال اعلى قمة في جبل الشيخ والسيطرة على مصادر المياه ووصول قواتها إلى 20 كلم جنوب دمشق. نتيجة لذلك أصبح لا يوجد رادع يمنعهم من التوسع شرقا بالتنسيق مع المحتل الأميركي قاعدة التنف والشرق الشامي، للوصول إلى ضفاف الفرات والاتصال بعملائهم من منظمة ’ قسد ‘الكردستانية عبر ما يطلقون عليه ’ ممر داوود‘.

نعم يا حضرة الزعيم من واجبنا ان نطلعك على كل هذه الوقائع وعلى الويلات المؤلمة التي جعلت امتنا اليوم تنازع بين الحياة والموت. لكن رغم كل هذه الويلات من حروب وتدمير وابادة الجماعية فهي لم تجعل شعبنا يستسلم لقدره.  نُطمنك يا حضرة الزعيم بانه رغم كل هذه الصعاب والمحن، ما زال شعبنا يحقق الإنجازات والبطولات، فها هم ابناؤنا في غزة وجنوب لبنان يسطرون الملاحم البطولية ويتمسكون بأرضهم ويرفضون التهجير، وها هو العالم اجمع اليوم ينبذ الصهيونية وعنصريتها وابادتها الجماعية ويلاحق قادتها في المحاكم الدولية. ان مقاومة شعبنا المشروعة في فلسطين ولبنان حققت هذه الإنجازات وهي ستبقى طريقنا للمستقبل في أي بقعة محتلة من أرضنا إلى أن تصبح مقاومة قومية شاملة في كل ارجاء الامة السورية. كما استشرفت في 1925 بان الفلسطينيين لوحدهم لا يمكنهم أن يقفوا في وجه التيارات الغريبة التي تريد جرفنا من بلادنا، فالمقاومة اليوم أيضا لوحدها لا تكفي لمواجهة الصهيونية وأخطبوطها العالمي الذي أصبح يشكل خطرا على الإنسانية كلها. اننا بحاجة ان نردد مع نلسون مانديلا بان حرية العالم لن تكتمل بدون الحرية لفلسطين، ولذلك نحن بحاجة إلى صياغة خطة عالمية مع احرار العالم لنقف جميعا بوجه نظام الابارتيد والتمييز العنصري الذي إذا لم يواجه بحزم في فلسطين فقد تمتد سمومه إلى كل أصقاع الأرض حروبا ومجازر وإبادات جماعية.

مهما طال الزمن وعاكستنا الاقدار وتواطأت وتآلبت على امتنا الدياب الكاسرة، لن تنكسر عزيمتنا وايماننا الراسخ بشعبنا وبان في النفس السورية كل علم وفن وفلسفة. لن نجعل كارهي الحياة والإنسانية ان يكْبِتوا ما في نفوسنا من خير وحب وجمال للبشرية، عبر شرذمتنا وخلق نزاعات وهمية بين شعبنا، وسلب ارضنا ومواردنا، وتقسيمنا إلى قوميات وهويات كيانية طائفية عرقية. ستبقى قوميتنا مجتمعية واحدة بدون انفلاشية او تقوقعية-انعزالية وسنبقى أبناء للحياة الأوفياء المفتدونا ونسمع من فلسطينا نداء الاسكندرونا وسيظل هتافنا يدوي فكرا وصناعة وغلالاً لتحيا سوريانا.                      

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *