مقارنات بين صور أربع في المنطقة

الصورة الأولى: عقدت يوم السبت الماضي قمة عربية مصغرة جمعت ما بين الدول المؤثرة أو تلك المتأثرة بمشاريع دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين وبغيابهم التام وباعتبارها قمة تحضيرية للقمة العربية الموسعة التي ستعقد في وقت لاح بالعاصمة المصرية..

جاء الإعلان عن هذه القمة اثر عودة الملك عبد الله الثاني من واشنطن و تصريحه بان مصر تملك خطة أو تصورا بديلاً لمشروع تهجير الفلسطينيين من أهل غزة، وما قيل و ما كان متوقعاً ومفترضاً ومنسجما مع تصريح الملك عبد الله الثاني أن هذه القمة تهدف إلى وضع خطه عربيه بديله للمشروع الأمريكي ولإنقاذ مصر والأردن من الخطر الديموغرافي الذي ستحدثه خطة ترامب- نتنياهو للتهجير، ولكن الخارجية السعودية بادرت إلى الإعلان قبل بدء أعمال القمة أن اللقاء هو لقاء عادي واخوي وتشاوري ليس إلا، دون أن تحدد جدول أعمال أو نقاط النقاش وعقب القمة لم يصدر بيان مشترك ولم يعقد مؤتمراً صحفياً وإنما اكتفى المتشاورون بالتقاط صورة فوتوغرافية بملابس غير رسمية عند أحد أبواب القصر الذي عقد به الاجتماع.

الصورة الثانية: التي سيشاهدها العالم ستجمع ما بين ولي العهد السعودي الواقف واثقاً و مبتسماً في الوسط وإلى يمينه الرئيس الأمريكي ترامب وإلى يساره الرئيس الروسي بوتن، بالطبع هذا أن تحققت أمنية ولي العهد بانعقاد قمة بين الرئيسين بضيافته وعلى أرض بلاده، وان كان دوره لن يتجاوز دور الشاهد الذي لا يشارك لا في الأسرار ولا في التفاصيل ولا بالقرارات، فهو لن يحضرها إلا بشكل بروتوكولي ،ولالتقاط هذه الصورة، القمة ستكون قمة الصفقات الكبرى بين الروس والأمريكان أن في أوكرانيا أولاً وربما في مناطق أخرى من العالم حيث تتقاسم بها الحيتان الكبيرة الأسماك الصغيرة وتلتهمها.

يعلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمالاً كبيرة على هذه الصورة التي سيتم تسويقها باعتبارها بضاعة سوف تجد لها رواجاً في سوق الأوهام والخيال الجامع و يستعد للكتابة و التنظير حولها أعداد غفيرة من المثقفين من أصحاب البطون التي لا تشبع، بضاعة مكوناتها أن السعودية هي الدولة الثالثة في العالم من حيث القوة والمكانة وانها ستكون الضامن للاتفاق الدولي بين القوتين الروسية والأمريكية، وانها قد أصبحت دولة ذات تأثير دولي لا يمكن لاحد أن يتجاوزه، وان مجلس الأمن قد اصبح به خمسة زائد واحد من القوى العظمى وان كان هذا الواحد لا يملك حق الفيتو، والثمن الذي يقال أن السعودية ستدفعه مقابل هذه الصورة قد يصل إلى تريليون دولار ولا يهم أن كان ذلك نقداً أو بالذهب الأسود أو بالمشاريع والمستوردات التي لا تحتاج إليها المملكة السعودية في حقيقة الأمر، إنها صورة تكلفتها تريليون دولار فقط.

الصورة الثالثة ثنائية نصفها في غزة والنصف الأخر في جوار رام الله في غزة يتم تسليم الأسرى (الإسرائيليين) وسط حشود داعمة للمقاومة، صابرة على ما أصابها، في رسالة منها لا (لإسرائيل) فحسب وإنما لترامب وخططه بتهجيرهم، انهم يقولون: إنا باقون هنا، يغادر الأسير (الإسرائيلي) غزة وهو بصحة جيدة وفي كامل أناقته وزينته، ويشيد بالمقاومة و حسن تعاملها و إنسانيتها، يجلس ممثل المقاومة الملثم إلى جانب ممثلي الصليب الأحمر للتوقيع على عملية التسليم، وهذا ما يشاهده المواطن (الإسرائيلي) الذي كان نتنياهو يقول له: أن لا مفاوضات مع المقاومة وإنما سيتم تحرير الأسرى بالقوة ودون قيد أو شرط، و ها هو يتفاوض مع المقاومة و يقبل بتوقيع الملثم، الأمر الذي أثار أعصاب الحكومة (الإسرائيلية)، أما في الجانب الأخر من الصورة يخرج أسرانا من سجون الاحتلال وبعضهم قد قضى عشرات السنوات في الأسر وهم في حالة بالغة من الأعياء، ملابسهم ممزقة منهكين بسبب التعذيب والتجويع والمرض، حيث أن كثير منهم يغادرون السجن للمستشفيات وعيادات الأطباء  وفي جولة التبادل الأخيرة استلمت (إسرائيل) أسرها فيما امتنعت ولا زالت تعرقل الإفراج عن 600 أسير فلسطيني، هذه صورة ستبقى راسخة في الأذهان وصالحة للمقارنة بين هذا الأداء وذاك.

الصورة الرابعة من مدينة بيروت الرياضية حيث زحفت الحشود لا من لبنان فحسب وانما من قارات الأرض جميعا لتشييع شهيدي المقاومة وهي الصورة التي لن تمر بالأعلام كحدث موقت شان الصورة الأولى والثانية، وإنما ستختزن في الذاكرة الجمعية للامة ولأحرار العالم، حضرت الوفود وكثير منها بدوافع فردية ومن خالص مالهم برغم العرقلة في المطارات والحدود، وبرغم الطيران المنخفض فوق الجموع التي وقفت لساعات في أجواء البرد القارس دون أن تمل أو يرعبها صوت الطائرات الهادر، كان شهيدا للامة وللأحرار في العالم لا شهيد الطائفة أو الحارة أو العشيرة فشاركت الفعاليات المحترمة من أصحاب القلم والفكر والفن ومنهم السيدة فيروز التي عبرت بضميرها الصادق قائلة  في تغريده لها تقول: فيها اين الكنائس من التشييع، اقرعوا أجراس الكنائس، علوا الأذان في المساجد، فيما يصرخ زياد الرحباني: هذا حفيد محمد، هذا حفيد على، هذا بشائر عيسى.

اما في السياسة فقد كانت كلمه الأمين العام لحزب الله ذات مطلع عاطفي رثائي مؤثر، ولكنها انتهت بمضمون سياسي مباشر حدد به معالم أداء الحزب والمقاومة في قادمات الأيام فاكد أن المقاومة باقية على نهجها وجاهزة لكل احتمال وانها عرفت اللحظة المناسبة لوقف اطلاق النار بعد أن قدمت ما عليها وبعد أن اصبح القتال لا مفعول سياسي له، وأبقت المقاومة للدولة اللبنانية أن تكمل ما عليها من عمل وللمجتمع الدولي أن يلزم الاحتلال بالانسحاب، الأمر الذي يشك الأمين العام بان دولة الاحتلال ستلتزم به، لذلك فالمقاومة لديها الجاهزية لعمل ما عليها من واجب.

أمام الصور الأربعة نستذكر الآية القرآنية : (اما الزبد فيذهب جفاء اما ما ينفع الناس فيمكث بالأرض).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *