“الإبادة التعليمية” في غزة مخطط «اسرائيلي» نجح

للعام الثاني على التوالي يُحرم طلاب قطاع غزة من التعلّم في مدارسه وجامعاته بسبب استمرار العدو الصهيوني في قصفه وانتهاكاته لكل القطاعات الحياتية والتعليمية والاقتصادية في كامل غزة. ففي ظل استمرار العدوان «الإسرائيلي» توقف قطاع التعليم بشكل كامل كغيره من القطاعات. ذلك أن الاحتلال ماضٍ في تنفيذ مخططه في «تجهيل» أبناء غزة ما يضعهم أمام مستقبل غامض ومجهول، وسط تفاقم المعاناة وانهيار النظام التعليمي، خصوصاً حين نعلم أنه يمنع حوالي 800 ألف طالب وطالبة من الالتحاق بالعام الدراسي الجديد.

في قطاع غزة يحظى التعليم بتقدير كبير بين الأسر الفلسطينية، إذ يلتحق 95.4 في المئة من الأطفال بالتعليم الأساسي. وبحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن معدلات الأمية في فلسطين تعد من أقل المعدلات في العالم، إذ لا تتعدى نسبتها 2.2 في المئة بين المراهقين بعمر 15 سنة وما فوق. والمعلوم أن نسبة المتعلمين في قطاع غزة هي الأعلى عربياً، حيث إن 96.4% من أبناء قطاع غزة متعلمون، وذلك على الرغم من أن غزة هي الأفقر في العالم العربي.

ومع استمرار الحرب وتدمير العدو للمرافق التعليمية، توقفت الدراسة بالكامل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في محاولة لعزل الفلسطينيين عن فرص التعليم والتطور. وبسبب الدمار الواسع للمباني، والأضرار الشديدة في البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء، وصعوبة توفر خدمة الإنترنت، لا يتمكن المدرّسون من تقديم أية محاضرة وجاهية أو عن بُعد منذ الأشهر ال 15 الماضية.

ومما لا شك فيه أن آثار الحرب وتدمير المدارس قد يؤديان إلى ارتفاع نسب التسرب من التعليم لاحقاً، وهو ما قد يتسبب في ارتفاع معدلات الأمية بين السكان، لصعوبة عودة الطلاب إلى التعليم بفعل الدمار.

معلوم أن المدارس في عرف القانون الدولي هي الأبنية التي يُمنع قصفها كونها لا تشكل أي خطر ولا تُستخدم لأي غرض عسكري، وعلى الرغم من ذلك فقد استُهدفت 255 مدرسة حتى الآن بحسب الإحصاءات الأخيرة، منها 63 مدرسة خرجت عن الخدمة بشكل كامل. كل ذلك يرتكبه العدو تحت حجة أن المؤسسات التعليمية الجامعية تعمل «كمركز تأهيل وتدريب رئيسي لمهندسي »حركة حماس«. وقد اعتبر 19 خبيراً ومقرراً أممياً مستقلاً، إنه مع تضرر أو تدمير أكثر من 80% من مدارس غزة، يطرح السؤال ما إذا كان هناك جهد متعمد لتدمير نظام التعليم الفلسطيني بشكل شامل، وهو عمل يعرف باسم “الإبادة التعليمية”. ويشير مصطلح الإبادة التعليمية إلى المحو الممنهج للتعليم من خلال اعتقال أو احتجاز أو قتل المعلمين والطلاب والموظفين، وتدمير البنية التحتية التعليمية. وهذا كله مارسه الاحتلال الصهيوني المعروف بارتكاب “الإبادات” بكافة أنواعها.

من الأهمية بمكان أن نذكر وبالأرقام أن عدد المدارس قبل السابع من أكتوبر في قطاع غزة بلغ في عام 2022/2023، 796 مدرسة، منها 442 مدرسة حكومية و284 مدرسة تابعة لوكالة الأنروا و70 مدرسة خاصة. كانت هذه المدارس تستوعب نحو 800 ألف طالب وطالبة.

أما لجهة المؤسسات الجامعية، توجد في قطاع غزة 18 جامعة وكلية، وهي تضم حوالي 87.000 طالباً، وقد قامت هذه المؤسسات بدور كبير في حماية وتعزيز الثقافة والقيم الفلسطينية، وساهمت بشكل ملحوظ في رفع مستوى الوعي الوطني. وخلال العدوان “الإسرائيلي” الحالي، تم استهداف كافة جامعات قطاع غزة، وقتلت قوات العدو ما يزيد عن 6000 طالب وطالبة و100 أستاذ جامعي. وفي ظل هذه الظروف المأساوية، حُرم الطلاب الجامعيون في قطاع غزة من حقهم في التعليم على مدى الفترة الماضية. وتعرضت 6 جامعات في قطاع غزة للتدمير الكامل أو الجزئي جراء الهجمات “الإسرائيلية”، وهي: الجامعة الإسلامية، جامعة الإسراء، جامعة الرباط، جامعة الأزهر، جامعة الأقصى، وجامعة القدس المفتوحة.

ويوجز المختصون في الشأن التعليمي في غزة أن العدو الصهيوني تسبب في حربه بمقتل أكثر من 750 من المعلمين والمعلمات والعاملين في القطاع التعليمي في غزة، بالإضافة إلى قتل 130 من العلماء والباحثين والمفكرين في مجال التعليم الجامعي، ومقتل أكثر من 11500 طالب وطالبة في جميع المراحل الدراسية، وتم تسجيل إصابة 14237 طالب وطالبة و2246 معلم ومعلمة. كما تخلف نحو 39 ألف طالب عن امتحانات الثانوية العامة “البكالوريا” المفصلية في حياة كل طالب. ومن ناحية أخرى تحتاج 84⁒ على الأقل من مدارس القطاع إلى إعادة بناء كاملة أو إعادة تأهيل كبيرة.

وبسبب عمليات النزوح القسري التي فرضها العدو على الفلسطينيين في غزة من منازلهم جراء قصفها، تحولت المدارس التي لم يقصفها الجيش الإسرائيلي إلى مراكز إيواء للعائلات التي خسرت منازلها، ففقدت تلك المدارس قدرتها على مواصلة مسيرة التعليم. وقد أكدت وكالة “الأونروا” على ذلك في سبتمبر/أيلول الماضي حين ذكرت أن أكثر من 600 ألف طفل في غزة يعانون صدمة شديدة ومحرومون من التعليم، فيما تحولت مدارسهم إلى مراكز لجوء مكتظة بالنازحين وغير صالحة للتدريس.

إزاء هذا الواقع يعتبر خبراء التعليم في قطاع غزة، أن إعادة إحياء العملية التعليمية بعد انتهاء العدوان، وفي ظل تدمير البنية التحتية بالكامل، “ليست بالمهمة السهلة” وستحتاج دون شك إلى وقت وجهد كبيرين. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو كيف يمكن معالجة هذه التداعيات المدمرة للوضع التعليمي. ثمة آليات أولية يطرحها المعنيون لمعالجة تلك التداعيات الخطيرة وإعادة بناء النظام التعليمي المتضرر من الحرب، وتأتي من خلال: أولاً إعادة بناء البنية التحتية التعليمية، ثانياً تأمين السلامة والأمان في المؤسسات التعليمية، ثالثاً توفير التعليم في الأماكن الآمنة، رابعاً تدريب المعلمين وتقديم الدعم النفسي، وخامساً التركيز على التعليم الناجع والمستدام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *