كيف وظّف سعاده الوعي والإدراك في فعل النهضة؟

اعتمد انطون سعاده، لصياغة نظرته للنهضة، إطاراً قام على تقسيم المجتمع إلى مستويين عريضين:

  • المستوى “المدني”: الذي يمثّل الظّواهر القوميّة كالمعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والأساطير التي تدور حول محور سياسي- نفسي -ثقافي محدد.
    -المستوى السياسي: الذي تعبر عنه الدولة التي تنشأ من مجرى التطور الاجتماعي.

وعلى الرغم من وجود فارق كبير بين المستويين، فهما يسيران بشكل متوازٍ مع بعضهما. إذ أنّ بينهما علاقة متبادلة ومتغيرة على الدوام. وبرأي انطون سعاده، فالمجتمع “المدني” هو الذي ينشئ الدولة، ولذا يعكس كل منهما الآخر. وما يؤثر على الشعب يؤثر على الدولة. وفي ظروف تكوين القيادة الوطنية لنظرة مستقلة، قد تنقلب هذه العلاقة وتظهر الدولة كقوة مؤثرة في التطور العام للمجتمع.

في السياق التطوري لمفهوم النهضة لدى سعاده، فإن النهوض يبدأ في المجتمع الذي لاحظ وأدرك انهياراً في القيم التي عبرت في ما مضى عن الظواهر القومية الاساسية التي كانت تميزه والتي شكلت مجتمعه المدني ، فأطلق بعدها هذا المجتمع ( نتيجة معاناته) ظاهرة جديدة ابتدأت في القاعدة المجتمعية وانتشرت، حتى تشمل كل مظاهر الحياة في المجتمع ، هذه الظاهرة وظيفتها الاساسية تغيير في القيم التي سادت بعد انهيار القيم القديمة وتغيير تقاليد المجتمع ، والمناخ الروحي والثقافي ، واعادة تنظيم جذرية للنظام الاقتصادي .

ضمن هذا الاطار يوضح البلحث كامل خوري في دراسته عن النهضة والحزب في فكر انطون سعاده ما يلي:
بالنظر لطبيعة الازمة القومية في سورية، تستلزم النهضة تحولا اساسيا في التفكير الشعبي في اربعة مجالات :

أولاً، إدراك أن النهضة القومية ليست مجرد تصرف يغير المظاهر الخارجية للأمة، ويجعلها ترتدي حلة جديدة. الأحرى، أنها تغير الأمة جذرياً حتى كيانها الداخلي، وطريقة تصرفها وقيمها. ثانياً، لا يكون النهوض القومي حقيقياً إلا بقدر ما يكون شاملاً لكل مظاهر المجتمع والحياة الإنسانية. وهذا لا يشمل المؤسسات فحسب، بل والأسس العقائدية والمعتقدات والخرافات التي نشأت عنها. وينبغي عدم الخلط بين النهضة والإصلاحات الاجتماعية الوسطية أو الحلول الآنية التي تتم ضمن إطار اجتماعي مشوه، فهي أوسع وأشمل من كليهما. ويرى سعادة أن الذين حاولوا معالجة الأزمة القومية في سورية بحلول جزئية، كانوا مضللين إلى حد كبير، ذلك لأن المشاكل التي حاولوا علاجها (الانتخابات، البرلمان، الفساد، التدخل في النظام القضائي، سوء استعمال السلطة) كانت “أمراض الدولة – أمراضاً تعتري الحكومة والإدارة. وهي تمثل جزءاً بسيطاً من أمراض الأمة، وكلها نتيجة تفشي أمراض الأمة”.ثالثاً : لا يمكن أن تكون نهضة ما لم تحاول أولاً، نقد الأوضاع القائمة. وينبغي إدراك أن أمراض الأمة ليست اجتماعية بمعنى اقتصادي أو سياسي محض. ورغم أنها قد توجد، فهذه الأمراض ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوعين حيويين لهما الأسبقية على أي موضوع آخر، وهما برأي سعادة، موضوع المجتمع بصورة عامة – سبب وجوده وهويته وشخصيته الحقوقية-السياسية، ونفسية المجتمع وقواعده الأخلاقية. بكلمات أخرى، لا جدوى تعود على سورية من محاولة تقليد أمم العالم المتقدمة والأكثر رقياً، في الوقت الذي لا تكون لها فيه نظرتها الخاصة التي تحدد على أساسها التغييرات والأفكار التي تلائمها، على وجه التحديد.رابعاً، النهضة هي مسيرة “الخروج من التفسخ والتضارب والشك، إلى الوضوح والجلاء والثقة واليقين والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة. وفي هذه المسيرة، يشكل تطبيق الثقافة الإنسانية بطريقة موضوعية حرة، جزءاً من الإحياء القومي.
ادراك الازمة من قبل المجتمع ، والوعي الناتج عن هذا الادراك ، والمعرفة الشمولية لمعالجة هذه الازمة تشكل مفهوم النهضة القومية.

إنّ النّهضة، كما عرّفها سعاده “هي الخروج من البلبلة والتفسخ والشك، الى الوضوح والجلاء واليقين”.

علي زيتوني