القاتل الدولي المتسلسل

القاتل الدولي المتسلسل

كما على الصعيد الجنائي ثمة قاتل متسلسل على الصعيد السياسي، يمكن ملاحظته في الحالة العربية عبر المحطات التالية:

  1. القاتل الاقتصادي، حسب تعبير (جون بيركنز) في كتابه الشهير الذي حمل عنوان (اعترافات قاتل اقتصادي)، ويدور حول قاتل اسمه البنك والصندوق النقد الدولي مهمته استدراج البلدان المستهدفة في سياسات تدمير ممنهجة لسيادتها الاقتصادية والسياسية وتحويلها عبر القروض وحرية الاسواق والخصخصة الى دولة فاشلة منهكة بالديون والفساد.
    ويلاحظ هنا الدور الخطر لهذا القاتل بتحطيم النواظم المركزية وصمامات الامان الاقتصادي – الاجتماعي للدولة وهي الطبقة الوسطى، والجيوش والهويات الجامعة.
    ذلك ان غالبية بلدان العالم الثالث ومنها البلدان العربية لم تتحول من مجاميع ما قبل رأسمالية (طائفية ومذهبية وعشائرية وجهوية) الى مجتمعات مدنية حديثة وظلت في إطار ما يوصف بالبنى الكولونيالية المشوهة التي ما ان تخسر دولتها (ناظمها المركزي الخارجي) حتى تنهار وتعود سيرتها الأولى (مجاميع طائفية وجهوية).
    إلى ذلك، ما من قطرة دم واحدة سالت من الفقراء وضحايا الصراع الطبقي والسياسي، بعيدة عن البنك وصندوق النقد الدوليين، ولا سيما في العقود التي تلت الانهيار السوفييتي وما يسمى بالدول الشمولية، حيث كانت هذه الدول تخصص مساحة واسعة من مواردها لدعم السلع والخدمات الأساسية في قطاعات الخبز والطاقة والنقل والتعليم والصحة والمياه وغيرها.
    وأي كان حجم البيروقراط ومظاهره المختلفة، السياسية والاجتماعية، التي رافقت السياسات المذكورة، إلا أن العالم كان رحيما بالفقراء ولم تسقط على صدورهم حجارة الرأسمالية الثقيلة كما قال جيفارا عن الثورة التي أطلقها في جبال الانديز واغتاله عملاء الامبريالية الأمريكية بسببها.
    فيما يخص البنك وصندوق النقد الدوليين، ما أن يدسا انفهما ويضعا أيديهما على اقتصاد أية دولة، حتى تدخل في نفق مظلم، يبدأ بالاحتجاجات الشعبية ويزداد إجراما مع الميل المتصاعد لقوى النهب والفساد والتبعية الحاكمة، لاستخدام كل ما لديها من أدوات للبطش والقتل بحق الفقراء في الشوارع وخلف القضبان.
    الوصية أو الإملاءات الأولى للبنك والصندوق هي التخلص من الأبقار التي تدر حليبا، باعتبارها حالة بيروقراطية من زمن القطاع العام الغابر، واستبدالها بتجارة مدعومة من البنك لاستيراد الحليب الجافي والحفاظ على حيوية الليبرالية المتوحشة وأسواقها، ومن المفهوم أن حالة الأبقار هذه صورة ليس إلا لكل شيء في عالم اليوم.
    إلى ذلك، لا تكمن خطورة البنك وصندوق النقد الدوليين في فرض الإملاءات الاقتصادية وحسب، بل تمتد إلى مجمل السياسات العامة، التي تفضي إلى تفكيك الدول المستهدفة وإعادة إنتاجها كبنى تابعة للمتروبولات الرأسمالية، والأخطر من ذلك فيما يخص الشرق العربي، ارتباط هذه السياسة بتحضير المنطقة كلها لما بات يعرف بالإبراهيمية السياسية وما قبلها بصفقة القرن.
  2. القاتل الليبرالي ويأتي بعد القاتل الاقتصادي مباشرة، وكما كانت وظيفة (الاقتصادي) عزل القضايا والحقوق الاجتماعية وتحطيم الطبقة الوسطى باسم الخصخصة وحرية الاسواق، فإن وظيفة القاتل الليبرالي هي عزل (الحريات العامة) عن قضايا التحرر الوطني والقومي وربطها بحرية الاسواق باسم حقوق الانسان والمرأة وتناول هذه الحقوق على انفراد وبمعزل عن الأخرى.
    ولقد شكلت وثيقة الاسكندرية التي سبقت (ربيع الاسلام الامريكي) وبمشاركة ليبراليين ويسارين سابقين الاساس (الايديولوجي) لهذا القاتل.
    ومن المؤسف أن أوساطا منسوبة للثقافة والفنون تنسب لهذا القاتل سواء بوعي منها مقابل (حنفيات) وصرات الذهب او دون وعي تحت هاجس الحرية وتداول السلطة ورائحة الفساد والانتهاكات المختلفة.
    فلا تدرك انها تحت شعار وعنوان مناهضة هذه السلطة، وتلك ساهمت بهدم الدولة برمتها وتحضيرها لعصابات الجريمة المنظمة التكفيرية التي تتخذ من الدين غطاءً لها.
  3. القاتل التكفيري، الذي يلي القتلة السابقين، الاقتصادي والليبرالي، ويتوسع دوره مع استنزافهما حتى يحل مكانهما، فلا تنهض على أنقاض الدولة المهدمة، خيارات ديموقراطية او ليبرالية بل مناخات واحتقانات طائفية تدميرية تغذي القاتل التكفيري وتمده بالجهلة والموتورين وقاطعي الرؤوس

د. موفق محادين