بعد انتصار الجولاني على نظام بشار الأسد خرج البعض ليقول «الآن انتصرت سورية نزار قباني على سورية على الديك…»، فتعالوا لنراجع علاقة نزار قباني مع الإسلاميين في سورية، لنرى هل فعلًا عادت سورية نزار قباني؟
منذ ظهور نزار الأول على ساحة الشعر العربي وإصداره باكورة دواوينه «قالت لي السمراء» وكان بعد طالبًا على مقاعد الدراسة في كلية الحقوق بالجامعة السورية، كان واضحا احترافه .
إثارة الزلازل بجرأته وتجديده، فكان من الطبيعي أن تتصدى له القوى الرجعية في المجتمع ولا سيّما رجال الدين الذين اتهموه بالكفر تارة وبالفسق والتهتك تارة أخرى.
التالي نص من ديوانه الأول:
«قالت لي السمراء: هل آن لكَ أن تواجه حقيقة القدر… دونما التفاتة للوراء… أو هذَرَ… قالتْ لى السمراء: ما هذي الدموعُ وأسوأ ما في الرجال البكاء… أو كلمات الضعف تستجدي الرثاء… تحطم فى داخلي أسطورة الكبرياء… لرجل يزعم: لا تقهرُهُ النساء… أو يتحطم شراعه… إذا ما واجه الأنواء… «
أولى جولات نزار مع أهل العمائم كانت بعيد إصدار هذا الديوان عام 1944، فكتب الشيخ علي الطنطاوي أحد مشايخ دمشق في مجلة »الرسالة« يقول:
» طبع في دمشق كتاب صغير زاهي الغلاف الذي تلف به علب الشوكولاتة في الأعراس …فيه كلام مطبوع على صفة الشعر ،فيه اشطار طولها واحد اذا قستها بالسنتمترات …يشتمل على وصف ما يكون بين الفاسق والقارح والبغي المتمرسة الوقحة وصفا واقعيا لا خيال فيه لان صاحبه ليس بالأديب واسع الخيال ،بل هو مدلل غني عزيز على ابويه «.
فعلق نزار على كلام الطنطاوي بالقول: «لم يكن نقدًا بالمعنى الحضاري للنقد، وإنما كان صراخ رجل اشتعلت في ثيابه النار».
المواجهة نزار الثانية مع رجال الدين كانت الأكبر و الأعنف في تاريخه الأدبي و جاءت عام 1954 بعد نشر قصيدته المثيرة للجدل «خبز و حشيش و قمر»، فكان أن حمل الشيخ مصطفى الزرقا و كان وقتها نائبًا في البرلمان السوري عن جماعة الإخوان المسلمين راية الحرب على نزار، فطالب وزارة الخارجية السورية بطرده من السلك الدبلوماسي الذي كان نزار موظفًا رفيعًا فيه، و لم يكتف الشيخ الزرقا بذلك بل حمل قصيدة نزار إلى قبة البرلمان لتناقش في جلسة رسمية عقدت يوم 14 حزيران يونيو 1955، علق نزار وقتها على هذه الحملة المسعورة ضده بالقول : «إنها العمائم نفسها التي طالبت بشنق أبي خليل القباني، طالبت بشنقي، و الذقون المحشوة بغبار التاريخ، التي طالبت رأسه طلبت رأسي»، و كان أن انتهت الأزمة أخيراً برفض وزير الخارجية السوري آنذاك خالد العظم المطالب التي رفعت إليه بصرف نزار من الخدمة و قال معلقًا على القضية:
«يا حضرات النواب الأعزاء، أحب أن أصارحكم بأن وزارة الخارجية السورية فيها نزاران: نزار قباني الموظف و نزار قباني الشاعر، أما نزار قباني الموظف فملفه أمامي و هو ملف جيد و يثبت أنه من خيرة موظفي هذه الوزارة، أما نزار قباني الشاعر فقد خلقه الله شاعرًا و أنا كوزير للخارجية لا سلطة لي عليه و لا على شعره».
في السبعينات شن الشيخ التكفيري عبد الحميد كشك حملة شعواء على نزار، فهاجمه في الكثير من خطبه، وكان هجومه الأشرس على نزار بسبب قصيدته التي رثا فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقال في مطلعها: «قتلناك يا آخر الأنبياء»، فيقول الشيخ كشك في خطبته:
«هذا الشاعر الكافر عندما مات جمال عبد الناصر كتب يقول فيه لقد مات آخر الأنبياء، و آخر الأنبياء عندنا أنت يا ناصر… قال نزار قباني أن عبد الناصر خاتم الأنبياء و قد أسرى الله به بعد موته عندما ركب الطيارة… عبد الناصر عندما مات ركب الهيلوكوبتر و أخذ يطوف في سماء القاهرة، قال نزار قباني إنه نبي و هذه الطائرة هي البراق الذي أسرى الله به بجمال عبد الناصر».
في الخلاصة يبدو أن من انتصر فعلًا اليوم على «سورية على الديك» هي سورية التكفيري والإخواني…
المفارقة، بينما في سورية الجولاني «يحكم بالعدل» اليوم وزيرها شادي الويسي، نفسه من تلطخت يداه بدماء النساء السوريات بعد ذبحهن… فكيف يتساوى من ذبح المرأة مع شاعر المرأة؟!
هذه بعض من معارك نزار مع رجال الدين الذين كفروه وحاربوا شعره فما زاد ذلك إلا في مساحة انتشاره ومحبة الناس له، هؤلاء الناس الذين نصبوا نزار أميرًا للشعر وشاعراً للحب والجمال و الحرية.
اليوم يحكم في سورية من هاجم نزار قباني ورجم جده وحرق مسرحه… من يحكم هو نقيض سورية نزار قباني!