الجوع في غزة والعدو حريص على السمك المحمي بيئيا

حين يكون الجوع مستفحلاً وقاتلاً، كل شيء محلل للحصول على الطعام الذي يسد هذا الجوع والذي يطال الأطفال والنساء والمسنين في قطاع غزة المحاصر من قبل العدو الصهيوني منذ سنة وثلاثة أشهر. ما يدعو إلى الاستغراب، رغم القوانين الدولية والبيئية التي تمنع صيد هذين الكائنين البحريين أو تناولهما، هو انتقاد الإعلام الصهيوني اصطياد أهالي غزة «أسماكاً محمية» وأكلها.

فقد انتشرت مؤخراً صور لصيادين غزيين اصطادا دولفيناً وسمكة قرش صغيرة ليسدا بها جوعهما، فيما علّقت صحيفة «يديعوت أحرونوت» على ذلك في تقرير واصفة صورة الصيادين الفلسطينيين بأنهما «ينشران صورة صيدهما للأسماك المحمية دون خجل» متناسية وقاحة العدو في تجويع شعب بكامله بسبب حربه على قطاع غزة الذي يحده غرباً ساحل بحري من شماله إلى جنوبه يزخر بالثروة السمكية، لكنه ممنوع على الصيادين الغزاويين بسبب الحصار الاسرائيلي على القطاع.

وكان المواطن الفلسطيني محمد الغفاري نشر على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» صورة لدولفين اصطاده داخل القطاع، في لقطة أثارت اهتمام رواد شبكات التواصل خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه الصيادين بسبب الحصار «الاسرائيلي». يأتي ذلك في وقت تفاقمت أزمة الجوع في قطاع غزة، ما جعل سكانها يبحثون عن بدائل غذائية لمواجهة ندرة الطعام.

صحيفة «يديعوت أحرونوت» ذهبت إلى حد الزعم أن رام نيري من جمعية أسماك القرش في «إسرائيل»، يتابع الصيد في غزة منذ أربع سنوات. وقد سجل كميات الصيد الكبيرة بين عامي 2020 و2023، إذ تم تسجيل واصطياد 1556 سمكة قرش في غزة، تنتمي هذه الأسماك إلى 8 أنواع مختلفة ثلثها تقريباً إلى الأنواع المهددة بالانقراض.

وذكرت الصحيفة العبرية أن صوراً نشرها ناشط فلسطيني يظهر فيها حاملاً سمكة قرش صغيرة أكد أنه لاحقاً قام بطهيها، ورأى البعض أن «هذه الممارسات تفاقم من تهديد الأنواع البحرية المهددة». في المقابل، دافع الناشط عن الصيادين قائلاً إن «الظروف القاهرة التي يعيشها سكان غزة تجعل كل الموارد الغذائية متاحة للاستخدام البشري ضد الجوع، بما في ذلك الكائنات المحمية».

مقابل «الامتعاض» الصهيوني و«خشيته» من انقراض بعض أنواع الأسماك والدلافين، من الأهمية بمكان إلقاء الضوء عل الحصار الإسرائيلي المشدد على غزة والذي تسبب بنقص حاد في الإمدادات الغذائية. فقد دفعت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والجوع المنتشر فى غزة، الصيادين إلى ممارسات تعتبرها مؤسسات بيئية دولية «انتهاكات خطيرة ضد الحياة البحرية».

وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية في قطاع غزة بنسبة تتجاوز 1000%، كما أن عدد شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع تقلص إلى 76 شاحنة يومياً في كانون الأول الماضي، وهو أقل من سدس الرقم اليومي قبل الحرب.
وقد اضطرت منظمات الإغاثة إلى إعطاء الأولوية لتوفير الغذاء على حساب مواد الإيواء، ما جعل الأسر تواجه ظروفاً معيشية قاسية مع اقتراب فصل الشتاء.

إذن يواجه سكان غزة ظروفاً إنسانية كارثية. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة فإن أكثر من 95% من سكان القطاع نزحوا من بيوتهم، بينما يعيش مئات الآلاف بلا مأوى أو طعام كاف.

على صعيد آخر أغلقت العديد من منظمات الإغاثة الدولية، مثل المطبخ المركزي العالمي، عملياتها في القطاع بسبب استهداف موظفيها ما فاقم من معاناة السكان.

الاحتلال الذي لم يترك سبيلاً لمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المواطنين، جعل معاناة أهل غزة على درجة متقدمة من المجاعة «الكارثية» الأمر الذي أكده تقرير بحثي أصدره التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، ونشر في 25 حزيران الماضي.

أحد مسؤولي منظمة الأغذية والزراعة العالمية – الفاو كان قد ذكر في أحد تصريحاته أن «نصف سكان القطاع لا يملكون طعاماً، وأكثر من 20% منهم يقضون أيامهم بالكامل دون أي وجبات. وقد دفع الجوع نصف أسر غزة إلى استبدال ملابسهم مقابل الطعام، ولجأ ثلثا عدد الأسر إلى جمع القمامة لبيعها».

وفي تشرين الأول من العام الماضي ذكر تقييم أمني غذائي مدعوم من الأمم المتحدة أن أكثر من 1.8 مليون فلسطيني في غزة يعانون من مستويات «حرجة للغاية» من الجوع، حيث تم تدمير 70% من الأراضي الزراعية وتدمير سبل العيش خلال الهجوم العسكري «الإسرائيلي».

وبانتظار أن يتم سريان وقف إطلاق النار بشكل مستدام، سيستمر خطر المجاعة في أنحاء غزة خلال فصل الشتاء، ما لم يصل مزيد من المساعدات الإنسانية إلى الأسر، وذلك وفق تقييم حديث للأمن الغذائي في القطاع توقع أن 1.95 مليون شخص في غزة (91% من السكان) سيواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي (المرحلة الثالثة من أصل خمس مراحل). وذكر أيضاً أن الحرب الممتدة لأكثر من عام وثلاثة أشهر أدت إلى تدمير سبل العيش، وخفض إنتاج الغذاء، وتقييد خطوط الإمداد التجارية والإنسانية بشكل كبير.

هذا التقييم للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي أجراه خبراء من 16 وكالة تابعة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية. ويُقسم التصنيف حالة الأمن الغذائي إلى خمس مراحل، أشدها هي المرحلة الخامسة.

وقال التصنيف المتكامل- الذي يستخدم معايير علمية عالمية- أن 345 ألف شخص سيواجهون مستويات كارثية من الجوع (المرحلة 5)، و876 ألف شخص سيعانون من مستويات الطوارئ من الجوع (المرحلة 4 من التصنيف).

وذكر التصنيف إن العمليات العسكرية الهجومية شمال غزة تخنق أيضاً وصول الناس إلى الإمدادات الأساسية لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الماء. وقد أدى القتال العنيف وأوامر الإخلاء وفقدان الوصول إلى عدد كبير من منشآت المياه والصرف الصحي والنظافة في شمال غزة، إلى توقف عمل عدد من أنظمة المياه وجمع المياه العادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *