أما وقد انتهت مرحله زمنية استمرت لنصف قرن ونيف دون انقطاع، من حكم الأب والأبن المتواصل، ثم عقد ونصف من القلاقل والمشاكل وتبعات الربيع الزائف واصبحت جزءاً من الماضي. إلا أننا اليوم أمام الحاضر والمستقبل، في هذا المنعطف يمكن ملاحظه أن سوريا اليوم تعاني جملة من الأخطار والتعقيدات المتعددة الرؤوس التي تشمل أولاً، ثلاثة احتلالات وثانياً، مجموعه من مشاريع التقسيم.
في الشمال حيث يحتل الاتراك أجزاء واسعة من الوطن ويعتمد هذا الاحتلال على جيش غير نظامي من أنصار تركيا، مكونين من خليط من السوريين وممن استجلبتهم من الغرباء المتواجدين، أصحاب الانتماءات الإسلامية المتطرفة بدرجاتها، فيما يرى الخطاب التركي السياسي التعبوي- الشعبوي- الاسلاموي، أن ما يجري ليس احتلالاً لأرض سورية، أو لأرض الغير، وإنما تحرير واسترداد لأرض تركية (عثمانية)، خسرتها الدولة التركية (العثمانية) مع خسارتها للحرب العالمية الاولى عام 1918، وهي بصدد استردادها، وتتسع مساحة هذه الأرض وتضيق حسب ما يرى صانع القرار التركي، فهي حينا ترى حلب والموصل وحمص وكامل الساحل أرضاً لها فيما تتواضع أحيانا لتكتفي بالرقة وادلب وتتسع احياناً أخرى لتصل إلى كامل البلاد السورية وصولا إلى الحجاز.
وهناك الاحتلال الامريكي في الشرق السوري حيث للأمريكي اثني عشر قاعدة عسكرية معلنة، تسيطر على حقول النفط والغاز والثروة الطبيعية وتعمل على دعم المشروع الانفصالي الكردي الهادف إلى إقامة دولة كردية منفصلة عن الدولة السورية الأم، هذه القواعد العسكرية والأمنية الأمريكية تخطط للبقاء إلى أجل طويل من خلال مشروعية سوف تمنحها لها الدولة الكردية في المستقبل وربما الدولة السورية بنظامها الجديد وللعهد الامريكي الجديد، عهد الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وتعمل لأن تحقق التواصل عبر طريق داوود الذي يلتف على محاذاة حدود سايكس بيكو والمرسومة بين العراق وسوريا لتصل ما بين الدولة اليهودية والدولة الكردية.
ثم الاحتلال (الاسرائيلي) الجديد الذي تزامن مع مغادرة الرئيس السوري السابق البلاد ودخول رجال الحكم الجديد إلى دمشق وكانت مقدماته بتدمير مقدرات الجيش السوري، ثم احتلال ما تبقى من الجولان صاعداً إلى اعلى قمم جبل الشيخ (حرمون) وهو آخذ بالتمدد باتجاه حوران وريف دمشق والجبل ويعلن عن رغبته الأكيدة في دعم مجموعات اثنية ومذهبية ذات توجهات انفصالية ، وفي تنفيذ مشروع ممر داوود الذي يسمح لهم بالسيطرة على الثروات الطبيعية في شرق سوريا وغرب العراق بما فيها النفط والغاز ثم التحالف مع الدولة الكردية الموعودة التي لن تكون الا تابعا خانعا لها ، واخراجها من سيطرة الجغرافيا المعادية واعتبار ان الساحل الفلسطيني يعد إطلالتها لا على البحر فحسب وانما على العالم باسره.
في غمرة هذه الاخبار والتعقيدات يكمن خطر التقسيم الذي يعتمد على نظريات برنارد لويس تلك التي ترى ان المنطقة لا يكفيها التقسيم الانجلو- فرنسي القديم (سايكس- بيكو) وانما يجب ان تقسم من جديد على اسس اثنية وعرقية وطائفية ومذهبية والتي ستكون حكما كيانات ودويلات متصارعة فيما بينها، دولة للأكراد في الشرق السوري ودولة للعلويين على الساحل وجبال اللاذقية وثالثة للدروز في حوران والجبل ورابعة للمسيحيين في وادي النصارى وخامسة للسنة وضمن هذا التركيب الجديد ستكون دولة اليهود في فلسطين هي الاقوى والناظم لهذا الخليط المتصارع.
لكن الصورة العامة قد لا تكون قاتمة تماما وانما رمادية، فواقع الامر يقول ان الحالة لم تستقر بعد في الشام، وحالة النشوة التي يستشعرها البعض ليست الا حالة مؤقتة سرعان ما تنكشف عن واقع قد يجعل من النظام الراحل حالة متقدمة عنها الامر الذي يستدعي رص الصفوف وان الخلاص من النظام السابق يتطلب نظاما افضل منه يقوم على قاعدة المواطنة والنزاهة والشفافية ويولي قضايا الحرية والعيش الكريم بالغ اهتمامه وعنايته، ويحافظ على الخط القومي الذي يعتبر فلسطين قضية مركزية من قضايا الامة وان من يحتلها هو عدو الامة لا عدو فلسطين فقط، اما من تغول على ارضنا نزولا من الشمال وهو الذي رعى ودعم ودرب الفريق الحاكم الجديد، وسار معه خطوة بخطوة من ادلب حتى حلب وحمص ودمشق، فسرعان ما يجد نفسة كمن اعد المائدة بأطباقها الشهية لكن غيره من ازدرد ما عليها، فرحيل النظام السابق اعطى الفرصة (لإسرائيل) للتمدد وهو امر تدرك انقرة مخاطرة على المدى المتوسط والبعيد، ثم انه اعطى جرعة قوة اضافية للطموح الكردي لا قامة الدولة الانفصالية والتي ستمثل تهديدا استراتيجيا ثقيل العيار لتركية التي تعيش فيها اكبر كتلة بشرية كردية طامحه للاستقلال والانفصال عن انقرة وستسعى للانضمام للدولة الكردية في حال قيامها.
من جانب اخر فان الجيش (الاسرائيلي) وان حقق تقدما على الارض بعد ضرب مقدرات سورية العسكرية، وفي فترة فراغ، فانهم بذلك يكونوا كمن ألتهم من الطعام فوق ما يستطيع ان يهضم، ولا بد من ملاحظة انه لن يستطيع أي حاكم جديد ان ينال المشروعية دون التصدي لهذا العدوان، و(الإسرائيلي) بدوره معني بإبعاد اي نفوذ تركي عن سورية غير آبه بالتعاون الامني والاقتصادي والعلاقات السياسية مع انقرة، فهؤلاء تقوم نظرتهم الاستراتيجية ان لا يكون بجوارهم اقوياء ولو كانوا من الاحباب والاصدقاء.
لن ينقضي وقت طويل فسرعان ما تنكشف الحالة الوهمية، وسرعان ما تنتظم صفوف الرافضين للواقع الجديد.