لم يمر في كل تاريخ الشعوب أن أمة مكتملة المواصفات والمعايير والبيئة الواضحة، ولها أثر حضاري يدين له كل شعوب الارض، أن تتمزق هذا التمزيق وأن تتناتشها الوحوش الاستعمارية احتلالاً، ما من دولة استعمارية إلا وقضمت من الأمة السورية قضمة احتلالية بطريقة أو بأخرى. حتى أن الوطن السوري ما سلم من دول صغيرة ناشئة متأخرة غبية، من أن تحجز حصة لها في بلادنا. هذا عدا عن عدو قابض على فلسطين بدعم استعماري استناداً إلى خرافات توراتية. وما اكتفى بفلسطين، بل بدأ التوسع في لبنان والشام واستراتيجيته أن يستولي على الوطن السوري كله.
الأمة السورية ليست أمة مارقة ولا أمة هامشية بين الامم. بل هي أمة عظيمة لها بصماتها الحضارية أن لم نقل انها أولى الأمم التي تحرك العقل الانساني بها، وجميع الباحثين بالعالم أجمعوا أن سورية وهبت العالم أجمع سبل الارتقاء الانساني. هذه الأمة العظيمة اصابها هذا الوهن والضعف بسبب الاحتلالات الاجنبية وقصور شعبها عن الاحتفاظ بوحدته لأسباب عديدة. ويعود تراجع هذه الأمة إلى ما بعد الحرب العالمية الاولى، ساعة تشكيل العالم الجديد، لعدم وعي الشعب لحقيقته ووجوده فتنازع كيانيا ودينيا ومذهبيا. وحكمته حكومات نفعية تابعة للإرادة الاجنبية، وكانت هذه الحكومات على ما يزيد المئة عام سبب تعثر الأمة السورية، لان هذه الحكومات في كيانات الأمة كافة، كانت مؤسسة على عقلية طائفية رجعية ضعيفة وعقائد وهمية مفتعلة، يسودها المنافع الشخصية والفساد والتبعية للأجنبي المستعمر، وبعيدة كل البعد عن التفكير القومي الصحيح، وأيضا عن مصالح الكيان أو مصلحة الجماعات الضيقة التابعة لها، والسمة العامة لهذه الحكومات المصالح الفردية والنفعية، والتسلط الغاشم القاهر للشعب. بلوى امتنا هي في الحكومات المتعاقبة قد شلت مفاهيم الوحدة القومية والوطنية، وضربت مصالح الشعب وتخلت عن حفظ أراضي الوطن، وعززت بالمقابل النعرات الدينية والمذهبية والمناطقية، وحاربت كل دعوة للوحدة والتقدم والارتقاء والعدل الاجتماعي الاقتصادي. هذه الحكومات عملت بهدى مصالح الدول الاستعمارية، وجعلت من نفسها حاجزا كبيراً بين الشعب وسبل تقدمه وفلاحه. ومارست جميع انواع البطش والقتل بحق كل ارادة حرة وتفكير سليم يقود إلى تغير هذا الواقع المر. هذه الحكومات اضاعت فلسطين واستكانت امام التقدم والقهر اليهودي. هذه الحكومات والمجموعات وقعت سلام مع العدو اليهودي، ومنها من يسعى للحياد والتطبيع.
هذه الحكومات المقيتة اضاعت كليكيا والاسكندرون والأراضي في الجولان والشام وقسمت العراق، واليوم اضاعت غزة والضفة وأراضي في جنوب لبنان ، أقل ما يقال في هذه الحكومات انها خائنة للقضية القومية وخائنة لمصالح الأمة وخائنة لشرف الأمة. انها حكومات ذليلة مهانة لا يجدر بأمتنا أن تبقي هذا النمط من التفكير مستمراً. نقصد طبعاً كل كيانات الأمة السورية وليس حكومة معينة. نجد في الأمة السورية أن الارادات الاجنبية المستعمرة تلعب في كل التيارات السياسية وتلعب في كل مذهب ودين. حتى بتنا نشهد وكأن الشعب السوري منقسم على ذاته، لا يشعر بالعار الذي يلحقه به العدو اليهودي أو الدول الاستعمارية بدءا من الولايات المتحدة الأمريكانية وصولاً إلى المشيخات الخليجية. وقد بتنا نجد كل هؤلاء يؤثرون في واقع ومصير الأمة السورية وحياتها دون أن نجد في سورية كلها حركة سياسية مؤثرة في تقرير المصير والمصالح.
. وإذا كانت هذه الحكومات في وطننا السوري، امراً واقعاً نتيجة عدم وعي الشعب لذاته وحقيقته، ونتيجة السطو الاستعماري وألاعيبه السياسية، فالحد الادنى من هذه الحكومات العمل لحفظ بقائها ووجودها واستمرارها على رغم كل عللها. فعلى هذه الحكومات أن تنسق وتعمل بروح واحدة لدفع الأخطار التي يشكلها تمدد النفوذ الاجنبي وتمدد الاحتلال اليهودي في بلادنا، فمن واجب الشعب السوري الضغط على حكوماته لتمارس الحد الادنى من السيادة ولتبتعد عن السير في مشاريع الدول الطامعة في الأمة السورية. وعلى هذه الحكومات العليلة أن تعمل وفق مصالح الشعب التي تمثله لا وفق المصالح الاجنبية المستعمرة أو المحتلة. وهذا يستدعي أن تكون هذه الحكومات ومهما كان شكلها مستقلة كل الاستقلال عن الارادات الاجنبية، فالاستقلال السياسي هي الخطوة الأولى للاستقلالات الأخرى. وهذا يأتي من معرفة ذاتنا ووجودنا، ومعرفة حدود ارضنا وحقوقنا.
ختاماً؛ اذا كان لهذه الحكومات شيء من حس وطني، ومن التفكير السليم لحفظ بقائها، أن تتداعى إلى مؤتمر سوري عام، تتمثل به كل الحكومات السورية وعلى جدول أعمالها ما يلي :
ـ حفظ الارض والسيادة عليها
ـ فلسطين والاحتلال اليهودي وكيفية التنسيق لمواجهة هذا العدو وطرده من بلادنا
ـ ترميم حال الجيوش في الشام والعراق ولبنان وكيفية تسليحه واعادة تدريبه وكيف تصقل عقيدتها القتالية لمواجهة كل الأخطار
ـ كيفية دعم وانشاء قوى شعبية مقاومة تكون سندا للجيوش الرسمية وتكون حاضرة لمشاغله العدو حتى يقوى عود الجيوش الرسمية
ـ كيفية مواجهة التمدد التركي في بلادنا وسبل تنسيق المواجهة لإخراجه من بلادنا وحفظ حدودنا
ـ كيفية التكامل السياسي والعسكري للحفاظ على خبراتنا ومواردنا من نفط وغاز ومياه …الخ وكيفية حمايتها وعدم التفريط بها للشركات الاجنبية
ـ رفض الإقرار بالوجود اليهودي كأمر واقع وعدم السلام مع العدو اليهودي أو التطبيع
ـ الاستقلال السياسي وعدم الانجرار خلف المشاريع الأمريكانية والاوروبية المستعمرة
ـ الحفاظ على وحدة الشعب في كياناته ورفض كل مشاريع التقسيم والتجزئة والحكم الذاتي مهما كانت الذرائع. وحفظ حقوقه المدنية والسياسية دون تمييز
ـ أن تعذر الحكومات القيام بهذا العمل بأي شكل من الاشكال، يستدعي من القوى الحية في الأمة السورية أن تقوم بالتعبير عن ارادة هذه الأمة في الحرية والاستقلال وان تتداعى إلى اقامة مؤتمر سوري عام تتمثل فيه كل القوى الحية الرافضة لواقع الاحتلالات والفوضى الحاصلة بالأمة وان تدرس كيف تؤسس لحياة قومية ووطنية جديدة بأنجع السبل لمقاومة الاحتلالات والارادات الاجنبية والضغط على الحكومات لكي تقوم بمهامها في حفظ الأمة والبلاد .
ناموس المجلس الأعلى