بشكل مفاجئ أتى اللقاء بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. شخصيتان متباعدتان حد الخصومة المطلقة، قبل حادثة قبرشمون وبعدها. طوال سنوات عمل أصدقاء مشتركون على التقريب بين الجانبين دون أي نتيجة مرضية. نجح هؤلاء في تأمين هدنة إعلامية أكثر من مرة، دون أي تقدّم أكبر. هذه المرة نجحت جهود النائب فريد البستاني، عضو تكتل لبنان القوي، في تقريب وجهات النظر وصولًا إلى عقد لقاء بين جنبلاط وباسيل. البستاني لم يكن وحده في مسعاه، بل ظهرت من بعيد بصمات رئيس مجلس ادارة المؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI بيار الضاهر في إنجاح المبادرة، حيث حصل اللقاء في منزل نجله جوي، المتأهّل مؤخّرًا من ابنة جنبلاط، داليا.
اشتراك الضاهر في إنجاح اللقاء ليس تفصيلًا، ولا يأتي من فراغٍ بتاتًا، بل أنّ لإسم الرجل حضور أبعد من احتضانه لقاءً بين خصمين سياسيّين. فلا يُعد خافيًا أبدًا أن اسم الضاهر طُرح في الأروقة السياسية في الفترة الأخيرة كمرشح لرئاسة الجمهورية، مثله مثل سلسلة أسماءٍ طُرحت ووضعت في إطار وسطي. أسماء قد لا تملك أدنى الحظوظ في الوصول إلى قصر بعبدا، ولكن ترشيح نفسها، مباشرة أو عبر أصدقاء ومقرّبين، هدفه رمي الصنّارة وتحيّن الفرصة، التي إن سنحت ستغيّر مجرى الأمور وتقلب حياة من تبتسم له الظروف، فيتحوّل من عضو في النادي السياسي التقليدي إلى عضو في نادي رؤساء الجمهوريات. لا داعي هنا للمعايير، بل من يحكم هي الظروف والحسابات، ففؤاد شهاب وصل للرئاسة، ومثله فعل ميشال سليمان، والمقارنة هنا يعاقب عليها المنطق!
مصادر كل من باسيل وجنبلاط تنفي نفيًا قاطعًا أن يكون الطرفان قد طرحا أي اسم للرئاسة، بل أن الحديث دار حول ضرورة الحوار للخروج من الأزمة، وكأنّ من اجتمعا لا يملكان أي هدف أو مصلحة سياسية، بل هدفهما تخليص لبنان بطوباوية مطلقة في شهر الأعياد.
وبعيدًا عن ما تريد المصادر أن تسرّبه وتشيعه من أجواء، لا يمكن للقاء سياسي أن يأتي من فراغ، بل أن أرضية مشتركة بين باسيل وجنبلاط ساهمت بإنجاحه. فمعركة باسيل تتركّز اليوم على عدم الخسارة، حيث سيتجسّد انتصاره في نهاية الانتخابات الرئاسية بنقطتين أساسيتين: الأولى والأهم من جانبه هي عدم وصول سليمان فرنجية للرئاسة، والثانية، وليست بأهمية الأولى، وهي عدم وصول قائد الجيش هو الآخر للرئاسة.
بناء عليه، كان باسيل واضحًا باستعداده الذهاب إلى خلاف علني وكبير مع حزب الله في حال أصرّ الأخير على فرنجية، وإن عملية الإلتفاف على بكركي لم تكن سوى رسالة في هذا الإطار. ذهاب باسيل إلى بكركي، يُقرأ سياسيًا على أنه محاولة لتطويق مساعي حزب الله وحركة أمل في فرض فرنجية، عبر توحيد “لا” مسيحية تقطع الطريق بين بنشعي وبعبدا. وكي ينجح باسيل في فرض مسعاه، عليه بيع ورقة الوسطية لسيّد الصرح، ومن هنا تخرج عدّة أسماء منها جورج خوري، سفير لبنان السابق في الفاتيكان، ومنها وزير المال السابق جهاد أزعور، مدير قسم آسيا في البنك الدولي، ومنها أيضًا الوزير السابق زياد بارود وأسماء أخرى. ولأن حول كل اسم من تلك الأسماء علامات استفهام وطرق قد تُقطع، ولأن الرئاسة تحتاج لتليين الرفض وليس لتشديد الدعم والقبول، قد يتحوّل بيار الضاهر من اسم يُطرح كما أي اسم آخر، إلى مرشح حائزٍ على دعم فريقين “مسيحيين” أساسيين، ومعهما وليد جنبلاط عبر كتلة اللقاء الديمقراطي، دون ممانعة قاسية من أطراف أخرى.
عدة عصافير يصيبها باسيل في حال تبنّى ترشيح بيار الضاهر، أوّلها قطع الطريق على فرنجية وقائد الجيش، وثانيها تأمين تبنّي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي للضاهر، وثالثها إيصال مرشح دون حضور شعبي وازن لا يمكن له منافسة باسيل خدماتيًا في شارعه، ورابعها قد تضمن لباسيل ألّا تقوم القناة التلفزيونية الأكثر مشاهدة في لبنان بالإشتراك بحملة شيطنته من اليوم وحتى الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سيكون فيها هو بالطبع، مرشّحًا طبيعيًا للرئاسة. خامسًا، سيكون وصول الضاهر ضربة معنوية كبيرة للقوات اللبنانية، وتحديدًا لرئيسها سمير جعجع، والذي يتطلّع باسيل لتطويقه أكثر بعد حصوله على حوالي 19 نائبًا في أفضل حضور شعبي له منذ خروجه من السجن عام 2005.
من جانب جنبلاط، قد لا يكون ترشيح الضاهر معركةً وجودية بحجم معركة باسيل، ولكن بالطبع لن يمانع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي أن يرفع من حضور إبنته سياسيًا، لتصبح كنّة العهد، هو الذي لا يزال يقاتل من أجل تثبيت حضور نجله تيمور على الخارطة السياسية.
لن يقر لا الحاضرون ولا من عملوا على خط اللقاء، أن البحث طاول الأسماء، ولكن الأكيد أن بورصة المرشحين شهدت منذ آواخر الأسبوع الماضي ارتفاع أسهم بيار الضاهر.
ماهر الدنا