المشرق وتخطي الامر المفعول

الأزمة التي يعيشها العالم العربي ممكن حصرها بمفهوم الدولة التي انبثقت بعد معاهدة وستفاليا، والتي اخذ منها العرب فقط الاسم والشكل دون سائر العناصر علما ان المشكلة هي في السكان والجغرافية وأن بمضامين المؤسسات وتداول السلطة.

ورغم ان معظم الدول العربية تحتفل بالعيد الوطني او الاستقلال، إلا ان العين بقيت زائغة تارة تبحث عن امة عربية وطوراً عن امة إسلامية. ولم تستطع ولا واحدة منها ان تصيغ وحدتها الداخلية ولا علاقتها بأخواتها لغياب المفهوم المؤسساتي واكتفى الجميع بالعلم والنشيد وتبجيل المؤسسات العسكرية والأمنية. اما مسيرة التنمية حتى لتلك التي يقال عنها ثرية بقيت معطلة.

منذ حرب ال 73 كشر الغرب عن انيابه إثر قرار الملك فيصل بقطع النفط عن الأسواق الغربية. لتبدأ مسيرة الجلجلة لجميع ما يسمى نظام عربي بعد ان كان الأمر مقتصرا على احتلال فلسطين ورغم ان العرب يستهزئون بأهمية قبرص لأمنهم القومي، فقد بدأت المسيرة منها بتقسيمها، وكرت سبحة المشاكل من حرب لبنان، لتحييد مصر وصولاً لما دعي الربيع العربي.

كل هذه الاحداث لم تشكل لديهم اي جرس إنذار لتقويم مسيرتهم وفضلوا التخلص من بعضهم البعض بدل التعاضد والتضامن حيث السيف مسلط على رقابهم جميعاً.

وسط الدمار ورائحة الدم المسفوك بقي الصوت خافتاً للبحث عن حل للازمات التي يعيشونها والجميع ينتظر أوامر الغرب ليدلي بدلوه. والمسألة الخطيرة ان حالة الصمت قد سادت بين النخب، الأمر الذي يؤشر إلى سيادة الظلامية لفترة طويلة مستقبلاً بعد ان استنزف الفكر على تعدديته.

هذه المنطقة من العالم لم تمض يوماً في مسيرتها دون فكرة ما وعودة الناس للحياة في الإطار الديني نتائجها لن تكون أفضل من سابقاتها، اما الحرية السياسية وإبداء الرأي وحقوق الإنسان فلن يقوم لهم قائمة كما يحلو للبعض التشدق. فمن يقول بالدين اليوم هم جماعة لا شك انها مؤمنة لكنها تكتفي بالطقوس وتعلق شماعتها على السلف الصالح متناسية انه لو كان هناك سلف صالح لم نصل إلى ما نحن عليه.

الدماء التي سالت من افغانستان لسورية قد تكون غير كافية للبعض للبحث عن الاسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك، والخلاص الذي تم في السابق على أيدي الغرب كانت ضحيته فلسطين وتكرر ذلك في هذا القرن وتوسعت رقعة الضحايا ليشمل كل هذا المشرق ولا يعني الاستسلام للأمر المفعول بل البحث بحكمة وروية مع جميع مكونات هذا المشرق عن حل يمكنه ان يرى النور بعيداً عن التأويلات والمفاهيم التي سادت طيلة القرن الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *