إذا كانت الأراضي المحتلة في وطننا لم تلق الأهمية المطلوبة ولم يعمل لها إعلامياً أو عسكرياً فليس لأنها غابت عن الذاكرة أو سقطت من الوعي .
إن يوم 29 ت2 ذكرى تقسيم فلسطين وذكرى سلخ لواء الاسكندرون .
كيف عالج سعادة مسألة اللواء …
في معالجة وضع الأمة السورية يقول سعادة : ” إن فقدان الأمة السورية سيادتها على نفسها ووطنها بعامل الفتوحات الخارجية الكبرى وإخضاع البلاد السورية إلى التجزئة ، وإطلاق تسميات سياسية مجزئة عليها في العهد البيزنطي – الفارسي . حيث بسطت الدولة البيزنطية سيادتها على سوريا الشرقية ( ما بين النهرين ) وأطلقت عليها اسم إيراه الذي عَرَّبَه العرب فصار العرق وبعد الحرب العالمية الأولى عام 1914 – 1918 بسطت السيادة الأجنبية المثناة ( بريطانيا و فرنسا ) على سوريا الطبيعية وجُزِّئَت حسب المصالح والأغراض السياسية وحصلت التسميات : فلسطين ، شرق الأردن ، لبنان ، سوريا ( الشام ) ، كيليكيا ، العراق .
فتقلص اسم سوريا إلى منطقة الشام المحدودة ، وكانت قد أخرجت جزيرة قبرص من حدود سوريا مع أنها قطعة من أراضيها في الماء .
إن سوريا الطبيعية تشمل جميع هذه المناطق التي تُكَوِّنُ وحدة جغرافية – زراعية – اقتصادية – استراتيجية لا يمكن قيام قضيتها القومية الاجتماعية بدون اكتمالها .” (( المحاضرة الخامسة ص 126 )).
وفي سنة 1936 حيث كانت المسألة في أوج أزمتها ، والدول الكبرى تلعب لعبتها أرسل سعادة مذكرة إلى عصبة الأمم يعرض فيها مسألة اللواء وسلخه عن جسم الأمة فيقول : ” إن الحزب السوري القومي الاجتماعي يَعُدُّ كل عمل يقصد منه بتر لواء الاسكندرون عن جسم سوريا أو وضع حدود لسيادة الأمة على هذا اللواء خرقاً لسيادة الأمة السورية وللمادة 22 من عهد الجمعية الأممية ولكمال الأراضي الوطنية السورية .
إن الحزب السوري القومي الاجتماعي يطلب من الجمعية الأممية وخصوصاً الأمم المتمدنة والصديقة أن تؤيد الاثباتات السورية وأن لا تعطي حلاً شاذاً لمسألة الاسكندرون يشجع على حال حرجة في الشرق الأدنى تتحول عاجلاً أو آجلاً إلى مصدر نزاع ” . (( الآثار الكاملة ج 2 ص 235 )) .
كذلك أرسل سعادة مذكرة إلى المفوض السامي الفرنسي حول مسألة اللواء بعد تحركات تركيا والتي تشير إلى امكانية الاعتداء على اللواء حيث عرض سعادة على المفوض امكانية مساعدة الحزب للدولة المنتدبة إذا ما كانت جادة في التصدي للأتراك كما ورد في المذكرة :
” فخامة المفوض السامي الفرنسي في سوريا ولبنان ،
يا فخامة المفوض السامي ،
نظراً لانعقاد مجلس الوزارة التركية في انكشهر والإشاعات السارية حول امكانية تعدٍّ مسلح من قبل تركيا على سنجق الاسكندرون ، لنا الشرف أن نضع تحت تصرف جيش الدفاع العدد اللازم من المتطوعين من أعضاء حزبنا للمساعدة على الاحتفاظ بالسنجق السوري .
إننا على يقين ، يا فخامة المفوض السامي ، من أن الدولة الفرنسية الصديقة لن تترك في هذه المناسبة أي مجال للتهويل لاسيما وأن إرادتها النبيلة للاضطلاع بأعباء تعهداتها يؤيدها استعدادنا للدفاع عن مصالحنا القومية فإننا لا نستطيع أن نرضى دون أن نقلل من قيمة أنفسنا بأن يهرق الدم الفرنسي الكريم إذا اقتضى الحال في سبيل الذود عن سلامة الأراضي السورية فنحن نجعل اذن من وجودنا في مراكزنا على حدودنا الشمالية في حالة خلاف مسلح مع تركيا قضية شرف لنا .
وعلى أمل أن فرنسا تفهم الموقف الذي تمليه علينا كرامتنا القومية ، تفضلوا يا فخامة المفوّض بقبول فائق احترامنا ” . (( الآثار الكاملة – ج 3 – ص 19 )).
وإثر الإتفاق الذي تم بين فرنسا وتركيا أواخر عام 1936 على منطقة الاسكندرون كتب سعادة في جريدة الشرق البيروتية عدد 29 – ك2 – 1937 مقالاً بعنوان ” الأرض السورية يدافع عنها جيش سوري لا جيش تركي “
أوضح فيها أهمية اللواء بالنسبة لتكامل الأمة وبين الاجحاف بحقوق السوريين بفقدانهم هذا الجزء المهم من الوطن . يقول سعادة في مقاله :
” للحقيقة إن هذا الاتفاق قد جاء بعيداً كل البعد عن حل قضية الحدود السورية – التركية حلاً يؤمن السلام . إن تأمين السلام على الحدود السورية – التركية لا يمكن أن يتم بالإجحاف بحقوق سوريا وإفقاد سيطرتها على بقعة هامة في الوطن تضاف إلى البقاع التي فقدتها بموجب اتفاقية سابقة “
” إن في فقد السيطرة السورية على لواء الاسكندرون خسارة لا تنحصر في دولة الشام ، بل تشمل لبنان وفلسطين وشرق الأردن والعراق ، لأنها فَقْدُ بقعة خصبة وموقع هام للتجارة والأعمال الحربية وتهديد لا يقتصر على كيان دولة الشام بل يتناول سوريا الجغرافية كلها ، لأن اجتياز الحدود من الشمال يعني أن البلاد كلها أصبحت في خطر “. (( الآثار الملة – ج 3 – ص 20 – 21 )).
وفي مقالة ينتقد فيها الساسة السوريين واهمالهم الذي كان أحد الأسباب في خسارة اللواء ، فيقول :
” إن الأمة السورية لا تريد أن تختنق بين الضغط التركي والضغط الصهيوني ، إنها قد سئمت العقم الفكري والشلل السياسي اللذين يغمران موقف السياسيين الكلاسيكيين القابضين على زمام الأمور ولا يعرفون من الأمور السياسية سوى ما يدعون وما يجادلون وما يختلقون من أعذار الشلل المصابين به . إنهم يظنون أن الأمة مشلولة وليس الشلل إلا في نفوسهم ” (( الآثار الكاملة – ج 3 – ص 21 )).
” إن الأمة السورية يدافع عنها جيش سوري لا جيش تركي ، وإذا كان الجيش الفرنسي سيشترك في هذا الدفاع فإنه يعمل ذلك بموجب صك الانتداب ووفاقاً لمعاهدة الصداقة والولاء التي لا يزال حبرها رطباً ” (( الآثار الكاملة – ج 3 – ص 21 )).
” إن النهضة القومية الجديدة لا تتوقع من الحكومة الحالية في الشام غير الموقف الذي وقفته حتى الآن وتكرار هذا الموقف لا يعبر مطلقاً عن إرادة الأمة واستعدادها لصيانة حقوقها ومصالحها ” (( الآثار الكاملة – ج 3 – ص 20 )).
وفي مذكرة رفعها سعادة إلى الحكومة الشامية في أواخر ك2 – 1937 إثر تقرير باندلر مقرر القضية أمام الجمعية الأممية والذي أدى إلى استقلالية اللواء وفصله عن سوريا وتتريك اللغة فيه فيقول :
” إن إزالة السيادة السورية عن لواء الاسكندرون ووضعه تحت تقلبات السياسة والحزبية الأجنبية يكون خسارة كبيرة للأمة السورية واجحافاً بحقوقها وخطراً على كيانها وحياتها ، والحزب السوري القومي الاجتماعي يعلن أسفه للموقف الذي وقفته الحكومة السورية من المناورة التركية التي انتهت بتكليل جهودها بالاتفاق الفرنسي – التركي على نزع السيادة السورية بالفعل والاحتفاظ بستار اسمي يبقي لواء الاسكندرون ضمن الحدود السورية ” (( الآثار الكاملة – ج3 – ص 23 )).
وفي 14 ديسمبر 1937 كتب سعادة في جريدة النهضة العدد 52 يُذَكِّر بهذا اليوم الذي سمّاه يوم الحدود الشمالية وهو اليوم الذي طُوِيَ فيه العلم السوري وحل محله العلم التركي فيقول في مقالته :
” في مثل هذا اليوم من العام الماضي قَدَّم الحزب السوري القومي الاجتماعي مذكرته بصدد اللواء إلى العصبة الأممية والأمم المتمدنة ليثبت فيها سوريّة الاسكندرون القطعة العزيزة على سوريا ، وتشاء السياسة أن تكون ذكرى 14 ديسمبر من هذا العام ذكرى أليمة على بعض أبناء الأمة . فما مر عام على المذكرة حتى كان العلم السوري يطوى عن اللواء ، وحتى كانت الأنباء الخارجية تحمل إلى البلاد عزم الدولة التركية على مهاجمة اللواء مهاجمة عسكرية .
وتأبى العبيد من الناس ألاّ يثيروا من كرامة الأمة المجروحة فيقومون بدعاوات واسعة للاستعمار التركي في بلادهم حين يرون أن علم بلادهم يطوى كما تطوى أشرعة المراكب والريح عاصفة والملاح حائر .
إن النهضة القومية التي جاءت نؤمن مصالح الأمة وتحافظ على كرامتها وتفك قيود عبيدها لن تنفك حتى تعيد الحق إلى نصابه وتجعل وجه الأمة في وجه الشمس .
إن القوميين الاجتماعيين في جميع الأقطار يذكرون هذا اليوم وفي نفوسهم عزيمة الشباب وأمل الشباب وعقيدة الشباب “. (( الآثار الكاملة – ج3 – ص 80 )).
وفي رد على خطاب رئيس الجمهورية التركية في افتتاح مجلس اللأمة في أنقرة والذي يشير فيه إلى مسألة اسكندرون ، يكتب سعادة في جريدة النهضة عدد 27 والصادرة في 13 نوفمبر 1937 يوضح فيه الفرق بين العقلية السياسية المسيطرة في سوريا والعقلية السياسية المسيطرة في تركيا . يقول سعادة :
” يهمنا في الدرجة الأولى أن نوضح الفرق العظيم بين العقلية السياسية المسيطرة في تركيا والعقلية السياسية المسيطرة في سوريا ، ففي حين تنظر العقلية التركية الجديدة في توسيع نطاق النفوذ التركي وحصر المصالح التركية تنظر العقلية السورية بنظارات العقلية التركية العتيقة . وفي حين يعدُّ رئيس الجمهورية التركية قضية الاسكندرون في صدر القضايا القومية ، نرى رجال حكومة دمشق ينظرون إلى خسارة اسكندرون ببلادة مدهشة.
أما حكومة بيروت فإنها تعدُّ مسألة الاسكندرون وسلامة حدود الشام مسألة خارجية لا علاقة للبنان بها حتى ولو كان من ورائها تهديد لبنان نفسه ، إذ تستطيع الجيوش التركية الزاحفة من لواء الاسكندرون أن تبلغ الجبل في أقل من أربعة أيام ، إذ لا حدود ولا تحصينات تصدها أمام هضاب الاسكندرون ” . (( الآثار الكاملة – ج3 – ص 147 )).
ويكتب في العدد الثالث من جريدة النهضة تاريخ 16 أكتوبر 1937 مقالاً يعالج فيه مشاكل الدولة الشامية فيقول : ” أما نكبة اسكندرون فقد دلت على عجز فاضح في إدراك أسباب السلامة القومية ” . (( الآثار الكاملة – ج3 – ص 160 )).
وفي مقالته ” الجزيرة بعد الاسكندرون ” المنشور في النهضة العدد السادس تاريخ 20 أكتوبر 1937 يقول : ” وحتى الآن تستند سياسة الحكومة في معالجة مشكلة لواء الاسكندرون على النعرة العنصرية ، فهي تعطي الأساس الحقوقي وجهة نظر العنصر العربي مهملة العناصر الأخرى والتي لها شأن عظيم في تحرير مصير اللواء ، فأدت هذه السياسة العنصرية إلى النتيجة الوحيدة لكل سياسة عنصرية وهي تنافر العناصر الداخلة في سوريا وتصادمها ” . (( الآثار الكاملة – ج3 – ص170 )).
وفي مقالة ” لواء الاسكندرون ” المنشور في النهضة ، العدد 14 تاريخ 30 أكتوبر 1937 يناقش مادار في جلسة المجلس النيابي الشامي بين النائب إدمون رباط ووزير الداخلية سعد الله الجابري بشأن الاسكندرون وحديث رئيس الدائرة السياسية في دار المندوبية بدمشق الكومندان بونو بهذا الصدد . ففي رد وزير الداخلية على سؤال النائب رباط عن مسألة اللواء ويأس السكان ، يقول الوزير : ” بعض ما يصل بالصحف من أخبار لا يمكن أن يتخذ أساساً في بعض الأحيان ، وهذا الحديث غير صحيح ، ولأجل أن يكون صحيحاً يجب أن يكون مسجلاً وموقعاً بتوقيع المتحدث ، ولا يجوز أن نعتقد بكل ما يروى من الأخبار ويحمل إلى الصحف لنشره ، وأما من حيث الدعاوى في اللواء فأقول أن اللواء عربي بروحه ودمه العربي والعنصر العربي هو أكثرية ساحقة في اللواء ، عامل إثبات عروبته وتوطيد اتصاله بسوريا “.
فكان رد سعادة إذ يقول :” ليس أضعف من موقف الحكومة وجوابها على سؤال خطر يتعلق بحياة الأمة وبما يهدد هذه الحياة ، فإن نفي وزير الداخلية صحة الحديث لا تنفي ما اشتمل عليه ، ففيه مسألة عرضت لها – النهضة – قبل ظهور أمر حديث الكومندان وبدلاً من أن يدلي الوزير بتصريح ينير الأذهان بشأن قضية الاسكندرون وسائر الحدود الشمالية ، اكتفى بالإشارة إلى مسألة عنصرية هي من جملة الأغلاط التي تقوم عليها سياسة الكتلة ، إذ تثير النعرات في الشام على أنها ستتعب الحكومة التركية وتشل حركة توسعها .
لا ندري إلى أين تريد أن تقودنا سياسة الحكومة الشامية العرقية المبنية على أوهام الدم والنسب . ولكن الظاهر حتى الآن أن الحكومة لم تفعل شيئاً عملياً في سبيل سورِيَّةَ لواء الاسكندرون وتوحيد عناصره السورية في عمل موحد للاحتفاظ بقوميته ومقاومة النفوذ التركي مقاومة مستمرة .
إن الرأي العام القلق على مصير الأمة لا يكتفي برفض وزير الداخلية تصديق صحة حديث الكومندان بونو ، فعلى افتراض أن الحديث غير صحيح فهو قد فتح الباب لطرح أسئلة على الحكومة لم تستطع إعطاء جواب عليها يهدئ الخواطر القلقة ويصح السكوت عليه .
السؤال محرج وموقف الحكومة من مسألة اللواء والجزيرة يزداد تحرجاً ولا جواب عنهما سوى ( الروح القومية والدم العربي ).
وبين الروح العربية والدم العربي وشلل الحكم السوري يصير لواء الاسكندرون (( تركياً ))( 14 ) . وفي جريدة النهضة العدد 33 تاريخ 20 نوفمبر1937 كتب سعادة في الافتتاحية مقالاً بعنوان ” على هامش المعاهدة السورية ” يقول سعادة في الافتتاحية (( إن رحلة معالي جميل مردم بك هذه تذكرنا برحلته الماضية إلى باريس مصطحباً معه السيد سعد الله الجابري ، وذلك عندما أثيرت مسألة الاسكندرون في باريس وجنيف الذي نخشاه هو أن يعود معالي الرئيس من رحلته هذه في سبيل المعاهدة كما عاد من رحلته السابقة في سبيل اللواء .
والذي يبدو لنا أن الكتلويين يستميتون في الاحتفاظ بالمعاهدة حتى ولو أدى هذا الاحتفاظ إلى انفصال لواءي الجزيرة والاسكندرون وغيرهما من الألوية عن حكومة دمشق والاقتصار على المدن الأربع ذلك لأنهم غير راغبين – لأمور خاصة – في إخلاء السراي بهذه السرعة .
ومهما يكن في الأمر فنحن ننتظر بعمق إلى أن رحلة الرئيس مردم بك ليست سوى نوعاً من أنواع التقدير وأسلوب من الأساليب التي تتبعها جماعة حاكمة فاشلة لستر فشلها أمام الشعب وليس رفض المعاهدة السورية في المجلس الفرنسي سوى فشل سياسي قاتل للكتلة في ديار الشام والصحيح أن فشلها أيضاً في قضية الاسكندرون كان هذا الفشل السياسي القاتل ( 15 ) .
ويعلن سعادة في جريدة النهضة عدد 34 تاريخ 21 نوفمبر 1937 على البيان الوزاري في المجلس الشامي الذي أهمل الإشارة إلى اللواء فيقول (( أما مشاكل الجزيرة وضعف الجبهة السورية في اللواء وقلاقل الجبل ومناورات اللاذقية فهذه قضايا قومية لا دخل لها في موضوع – وزارة الداخلية – وقضايا البلاد القومية المهمة في الشؤون الداخلية في دولة دمشق ، هي في نظر – لبيان الوزاري – بيع الطحين بأسعار رخيصة إلى الفقراء بحيث يخفف وطأة الأزمة ، وبزيادة قوى الدرك والشرطة بحيث – ونحن نقولها نيابة عن البيان الوزاري – يفتح مجالاً للطامعين بالوظائف من – قبضايات – الأنصار والمحاسيب .
والذي يلفت النظر إلى البيان المذكور هو التغزل بضم اللاذقية والجبل الدرزي حكومة دمشق وقد كنا نود من البيان الوزاري أن يشمل – قصيدة – غزلية بوداع اللواء ولواء الجزيرة .
الحقيقة أن البيان الوزاري لا قيمة له من الوجهة القومية الأساسية وهو مجرد كلام جميل لا يصح أن يعتبر فاتحة عمل قومي لانقضاء عهد عتيق واستقبال عهد جديد )) ( 15 ) .
هذه بعض الطروحات التي عالج فيها سعادة مسألة الاسكندرون وسنورد في نهاية هذا العرض ملحق لسعادة بعنوان 29 نوفمبر .
والآن سنلقي أضواء على لواء اسكندرون من النواحي الجغرافية والتاريخية والعسكرية والاتفاقيات والمعاهدات التي عقدت بشأنه .
الموقع الجغرافي للواء وأهمية ارتباطه بسوريا والعالم العربي
يقول الجغرافي الاسكندري – استرابون – ( إن سوريا تمتد من جبال طوروس إلى برزخ السويس ومن الفرات إلى البحر ) .
وفي دستور تيودور الروماني الذي يرجع إلى القرن الخامس يقسم إلى خمس مقاطعات ، منها : مقاطعة سوريا الأولى وعاصمتها أنطاكية ، وهي تشمل الاسكندرون حتى جبال طوروس .
وقال البروفسور هوغارت : (( إذا أخذنا سوريا كبلد يحده البحر وصحراء الحماد وجبال طوروس وصحراء سيناء ، تَكَون لدينا مسطح جغرافي منسق الحدود …. ويتابع ( إن أهمية الاسكندرون ناشئة عن صلتها بممر بيلان – الباب الثاني لسوريا منذ القديم ، ولأن الاسكندرون هي المنطقة الأهم لسوريا الشمالية ) ويتابع ( وإن الخصائص الجغرافية التي تتمتع بها أنطاكية جعلت منها عاصمة لسوريا إ فإليها يتجه الطريقان المباشران من البحر المتوسط إلى الداخل ، وهما يمران من مصب العاصي وممر بيلان فيلتقيان بالطرق المنحدرة من جبال الأمانوس أو ضفاف الفرات ) .
ولا تقل أهمية خليج الاسكندرون عن أهمية منطقة اللواء ، فالخليج عدا عن كونه يحتوي أفضل مرفأ طبيعي في شرق المتوسط ، وأكثر أمناً للسفن وأشد لياقة لأن يستخدم ملجأ لأساطيل ، فإنه يشرف عسكرياً على جزيرة قبرص وقناة السويس ، ويعتبر المنفذ الطبيعي الذي يمكن أن تسلكه الجيوش العدوة لغزو المنطقة الداخلية أيام الحروب ( 16 ) .
أهمية اللواء العسكرية :
يقول سعادة في شرحه المبدأ الأساسي الخامس ( فالسوريون المقيمون في الجنوب تهمهم الحدود الشمالية كما تهم السوريين المقيمين في الشمال الحدود الجنوبية . وهناك مراكز في الحدود ، لذا خرجت من قبضة الجيش السوري عرضت البلاد كلها لأشد أخطار الفتوحات والاستعمار والذل . فالمكان المعروف ( بالبوابات الكيليكية ، أي بالمداخل التي لابد لأي جيش قادم من جهة آسيا الصغرى من محاولة العبور منها ، هو مكان ضروري جدا وجوده تحت السيادة السورية دائماً ، حفظاً للامة البلاد السورية كلها وليس فقط لسلامة منطقة أطنة – مرعش ومنطقة الاسكندرنة – حلب ، بل لسلامة البلاد كلها ) ( 17 ) .
وفي شرحه يتابع ( فيمكننا القول أن الجيش التركي الذي يرابط في كيليكية والاسكندرون يمثل احتلالاً استراتيجياً لسوريا ).(18)
ونستطيع القول أن موقع الاسكندرون بالنسبة لسوريا ، العراق ، الأناضول ذو أهمية عسكرية وسياسية واقتصادية ، فالمنطقة الممر الطبيعي الأسهل والأهم والأقصر بين هذه البلاد التي تكوّن بدورها نقطة التقاء طبيعية بين القارات الثلاث ( آسيا ، أوروبا ، أفريقيا ، وجبال طوروس التي تكوّن حدّاً طبيعياً فاصلاً جغرافياً وجنسياً بين البلاد العربية والأناضول يجتاز هذه المنطقة ، فطوروس وأنتي طوروس (اللكام) يطوقان الاسكندرون وكيليكيا بذراعيها الجبليين المنيعين ويحوّلان المنطقة إلى قلعة صعبة المنال لا تسمح لفاتح ما ، أياً كانت وجهته ومصدره العبور إلى المنطقة الأخرى أو فتحها إلاّ بعد احتلال هذه القلعة الطبيعية الحصينة .
إن ممر بيلان الذي يشطر جبال ا|لأمانوس إلى شطرين ويوصل منطقة حلب وأنطاكية والعمق بساحل الخليج ويمهد السبيل للوصول إلى سهول كيليكيا الفسيحة .
وإن باب (كلك) أو باب سوريا (كما يسميه الرومان) والذي يشطر الجناح الغربي لجبال طوروس إلى شطرين ، ويسهل المرور إلى سهل أضنة – كيليكيا – إلى قلب الأناضول ، هما الممران الوحيدان الصالحان لسوق الجيوش مع حماية خطوط تنقلها .
إن وجود المنطقة على سواحل بحرية طويلة ومتعرجة ذات رؤوس وخلجان طبيعية خطرة ، ويتمتع خليج الاسكندرون بمميزات بحرية نادرة يجعله في مأمن من أخطار الأنواء البحرية المعاكسة والعواصف المفاجئة ، وقيام الجبال الرفيعة الذرى كالجدران حول الخليج مباشرة . وارتباط سواحل الخليج بسهول كيليكيا عن طريق ممر (صاري سكي – الساحل الحصين) والذي يسهل اجتيازه معاً ، ثم وجود مضيق بيلان الذي يربط السواحل بوادي العاصي وأنطاكيا وسهول العمق وحلب ، هذه المواقع التي ترتبط بدورها – بالموصل – بغداد – وخليج البصرة ، وأخيراً وجود قمة جبل الأقرع في زاوية من زواياه وكأنها البرج المنيع يطل من كل الجهات على بلاد غنية مكشوفة ، ويشرف على الممرات والقلاع والسواحل والجزر . إذ يطل المرء من قمة الجبل التي ترتفع 1760م على جزيرة قبرص والطرق البحرية التي تربط سواحل الاسكندرون بسواحل كيليكيا – وسواحل الجزيرة – كما يطل على مدينة أضنة وجيحان ومرسين وسهول كيليكيا في الشمال الغربي وعلى أنطاكيا وسهول العمق ورأس الخنزير في الشمال وعلى اللاذقية في الجنوب وهذه ميزة عسكرية خطيرة ، لاسيما بعد الاختراعات الحديثة التي أوجدت الأسلحة البعيدة المدى ، إذ يسهل على الجيوش التي تستولي على هذا الموقع وتحتفظ به أن تحمي ممر بيلان ومضائق (حجيلر) و(أقتيبة) بسهولة وبأقل مايمكن من الخسائر والتكاليف . يضاف إلى ذلك أن رأس الخنزير المنيع براً وبحراً ، والذي لا يمكن اجتيازه براً إلا مشياً على الأقدام . وهو يتغلغل داخل البحر على شكل ألسنة صخرية تغطيها المياه الضحلة على مسافة بعيدة . ورأس (آباس وقرة ضلض) الذي يقابله من الجانب الآخر ، يشكلان كماشة محكمة تجعل من خليج اسكندرون بحيرة مغلقة على العو ويستطيع المدافع عنها أن يستخم هذين الرأسين البحريين لحماية الخليج بأقل عدد من الرجال والمعدات .
لقد أدرك الأقدمون خطورة هذا الموقع بالنسبة للأحداث العسكرية الكبرى ، فقد كان اللواء الممر الطبيعي الوحيد لجميع الجيوش الفاتحة إذا كانت قادمة من الشمال أم من الشرق أم من الجنوب كما كان الحصن المنيع الذي لجأ إليه كل قائد طموح في وقت الضيق أو التحفز للوثوب ، فإذا ما أتاحت الظروف المناسبة الاحتفاظ به أمن شرّ أعدائه من جهة واتخذ مركزاً للتجمع والاستعداد من جهة أخرى ، أما إذا خسره فيفقد كل آماله في الأمن والحماية أو في الغزو وتتفتح سبله أمام العدو وليلج إلى حلب معسكره ، وقد أشارت جميع الحوادث التاريخية إلى هذه الحقيقة بكل وضوح .
ومثلما كان الأعداء يستفيدون من هذه المواقع العسكرية المنيعة كان سكان المنطقة يستخدمونها للذود عن كيانهم – وقد أشارت صفحات التاريخ إلى بطولات نادرة قام بها هؤلاء السكان في كل مرة كانوا يتعرضون فيها للغزو الخارجي ، ففي ظروف السلم كان السكان يعمدون إلى تحصين مضائق (حجيلر وأقتيبة) ذات الصخور البركانية الوعرة في شمالي العمق ومن وادي اللجاه المحصور بين جبل الكورد من الشرق وجبل النفاخ والمداع من الغرب .كما يحصنون مضائق (بيلان) و(دون درة) و(كومور جوفور). وممرات العاصي الشديد الانحدار بين أنطاكية والبحر فيأمنون خطر الهجمات المعادية ، ويردونها أغلب الأحيان . ولم يكن ليجرؤ العدو على التغلغل في بلاد العرب ، إذا كان قادماً من الشمال إلا إذا احتل اللواء وحصن مواقعه. وإلا قطع عليه العرب خطوط الرجعة ، فانفصل عن بلاده ومنابع تموينه العسكرية والاقتصادية وتعرض للفشل المحتم ، ولذلك لا نستغرب إذا قرأنا في صفحات التاريخ أن معظم المعارك الحربية الخطيرة والحاسمة إنما دارت في غير هذه المنطقة . فعلى مقربة من موقع مدينة الاسكندرون الحالية انتصر الاسكندر المكدوني الكبير على ملك فارس (داريوس) في معركة أبسوس الشهيرة عام 333 ق.م ولقد ظلت أنطاكية التي بنيت عام 300 ق.م على وادي العاصي قروناً طويلة مركزاً رئيسياً لسوق الجيوش ولتوجيه القوى وتموينها ، ومركزاً سياسياً خطيراً لزمن طويل . فإن موقعها بين خليج السويدية في الغرب وبحيرة العمق في الشمال ، وهضبة القصير التي تنتهي إلى شرق أنطاكية بموقع باب الحديد المنيع ومضيق بيلان والجبل الأحمر من الشمال الغربي ، مكنها من أن تصبح عاصمة للدولة السلوقية ، ولم يهمل غيرهم من الأمم هذا الموقع ، فالفرس جعلوها نقطة انطلاق هجماتهم نحو الشمال والغرب . وأما أنطاكية والاسكندرون ، ومصيصة وطرسوس ومرسين وأضنة في أيام العرب الخالدة سوى عواصم الدفاع وثغور الدولة ونقاط انطلاق الجيوش لرد غارات البيزنطيين أو الهجوم على بلادهم ، وقد اتخذها السلطان (باودزسليم) العثماني في عام 1516 ممراً لجيوشه نحو الجنوب والشرق ، ودارت في العمق أخطر المعارك مثل معركة (مرج دابق) التي انكسرت فيها جيوش (قانصو الغوري) وسقطت بعدها أنطاكية وحلب ثم دمشق والقاهرة وبغداد ودانت للحكم العثماني . ولم تكن معركة (بيدال) التي انتصر فيها ابراهيم باشا المصري بأقل أهمية في نتائجها العسكرية من تلك فلم يتوقف حتى قونية حيث تهاوت جيوش الدولة العثمانية .
يقول السياسي الفرنسي (بريان) : ” يا لعظمة هذا الموقع ، إن خليج الاسكندرون شيء عظيم في البحر المتوسط واحتلاله جوهري لمستقبل فرنسا “.
أما السياسي الانكليزي (ديزرائيلي) فقال : ” إن مصير العالم سيقرره يوماً ما مرفأ الاسكندرون الذي تشير إليه قبرص بأصبعها “.
وكتب القائد الألماني (الهر كراب) مقالاً في عام 1915 جاء فيه ” إن الطريق العالمية الكبرى القديمة هي الطريق من أوروبا إلى الهند تلك الطريق التي سافر فيها الاسكندر المقدوني الكبير والتي تبدأ من الدانوب إلى وادي الفرات عن طريق القسطنطينية وحلب إلى حرّان فكابول فنهر الغانج عن طريق بلاد العجم ، وكل (ياردة) يتم مدها من سكة حديد (اسكندرون – بغداد) تجعلنا أقرب إلى الهند من ذي قبل. وما شرع فيه الاسكندر ورسمه نابليون ستتمه قوة ثالثة تتبع آثارهما. لقد أنشأ الانكليز في الاسكندرون مرفأً حربياً ، وقاعدتين جوية وبحرية عام 1939 وبعد الحرب حل الأمريكان محل الانكليز والفرنسيين. فأقاموا قاعدة حربية خطيرة على الخليج وربطوها بخطين عسكريين – أوتوستراد – يتجهان إلى أضنة، مركز التجمع العسكري والانطلاق ، ومقر الأسلحة الثقيلة والسريعة الحركة ثم يتفرعان إلى الشمال الغربي حيث مضيق البوسفور والبحر الأسود ، وإلى الشمال الشرقي – حدود الاتحاد السوفييتي. ولقد حولته الحكومة الفرنسية إلى منطقة عسكرية محرمة على الأجانب .
إضافة إلى ذلك يتمتع لواء الاسكندرون بخصب تربته وغناه بالمعادن الثمينة ( كروم ، نيكل ، أميانت ، ذهب ، نحاس ، بترول . كما يمتاز بجمال طبيعته وتنوع مناظره ولطافة مناخه ، ففيه المصايف والمشاتي معاً، وهو غني بالفاكهة والزيوت والسمك . (19)
نظرة تاريخية إلى مسألة اللواء منذ العهد العثماني
كان اللواء بجميع أراضيه حتى آخر العهد العثماني مجموعة أقضية ومديريات ملحقة بولاية حلب وذلك حتى عام 1918 .
بعد احتلال الفرنسيين والبريطانيين سوريا في تشرين الثاني 1918 جعلت سوريا ثلاث مناطق : شرقية – غربية – جنوبية . وكان اللواء ضمن المنطقة الغربية التي خضعت عام 1919 للجيش الفرنسي ، والذي أقام فيها حكومتين : الأولى في لبنان وعاصمتها بيروت . والثانية في اللاذقية واسكندرون مع بعض تعديل في أقضية طرابلس وضم أكثريتها العلوية إلى اللاذقية .
ثم قسمت الحكومة الثانية عام 1919 إلى حكومتين : حكومة بلاد العلويين ومقرها اللاذقية . وحكومة لواء اسكندرون ومقرها بلدة الاسكندرون .
والمرجع الأعلى للحكومات الثلاث المفوض السامي الفرنسي في بيروت .
وبعد معركة ميسلون عام 1920 ودخول الجيش الفرنسي إلى سوريا الداخلية عاد ارتباط اللواء بمرجعه الأصلي ، حكومة حلب ، وبعد قليل فك ارتباطه وأعيد إلى سابق ارتباطه بالمفوضية الفرنسية العليا مباشرة . ولقد كانت تركيا تطالب فرنسا في مفاوضات خاصة باستقلال اللواء محتجة بوجود أكثرية تركية ( زوراً) (18) .
وكانت تركيا وفرنسا قد وقعتا اتفاقية تفاهم في أنقرة عام 1921 تضمنت اعتراف الطرفين بحق أهل اللواء في اختيار الحكومة التي تدير شؤونه دون اعتراض على سوريّة اللواء (19) .
اتفاقية أنقرة عام 1921
إن الحكومة الفرنسية بتوقيعها شرعية عصبة الأمم قد اعترفت بمبدأ حق تقرير المصير لكافة الشعوب ومنها الشعب العربي في سوريا وغير سوريا ، كما تعهدت عند توقيعها على صك الانتداب – بموافقتها على حماية حدود المنطقة التي وضعت تحت انتدابها خارجياً والدفاع عنها ضد كل طامع ، وعدم التنازل عن أي جزء منها أو تأجيره ، وذلك هو نص المادة ( 4 ) من الصك المذكور. وهكذا ارتبطت الأجزاء الشمالية من سوريا الواقعة جنوب جبال طوروس وخاصة لواء الاسكندرون وكيليكيا حقوقياً ودولياً بالكيان السوري . ولم يعد هناك حق – أياً كان نوعه – لأية جهة أخرى غير سوريا في هذه البقاع ، إذا ما خالفت زعمها هذه الصكوك الدولية .
تراجعت الجيوش الفرنسية في كيليكيا خلال عام 1920 – 1921 أمام الغزاة الأتراك وتخلت للمالكين بعد أن أثارت في نفوسهم شهوة الفتح عن كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات ، ثم ما لبث وزير خارجيتها السابق والسياسي الاستعماري الفرنسي المعروف ( فرانكلان بولون ) وكان قد أرسل سرّاً إلى تركيا ، أن عقد مع الأتراك معاهدة مشؤومة هي ” اتفاقية أنقرة ” في 20 تشرين أول 1921 منتهكة بذلك أحكام صك الانتداب ومستهينة بعصبة الأمم . وبكل قانون دولي مرعي آخر . وداست في جملة ما داست على مبدأ حق تقرير المصير ، وحرمت الوطن العربي من تخومه الطبيعية الشمالية التاريخية ( جبال طوروس ) .
ولقد أعطوا بموجب المادة 7 من الاتفاقية المذكورة للأقلية التركية الضئيلة في اللواء حقوقاً غريبة في بابها رغم أهمية اللواء وموقعه الحربي بالنسبة لسوريا ، ورغم وجود ممر بيلان الحصين وسلسلة جبال الأمانوس المنيعة التي هي الخط الدفاعي الثاني للعالم العربي ، بعد جبال طوروس ، ومنحوا في المادة 6 من الإتفاقية ذاتها للأقليات الأخرى ، وخاصة العرب القاطنين في الدولة التركية نفس الحقوق لأنه من المعروف جيداً بأن منطقة أضنة وطرسوس ومرسين ومرعش وعنتاب وأورفة وديار بكر وماردين تحتوي على مئات الألوف من العرب الذين يشكلون أكثرية ساحقة في معظمها ، بل من المعروف جيداً أن القرى العربية تمتد شمالاً حتى أطراف (أولوقشلة) – أحد أبواب أنقرة الخارجية – ولقد ضربت الحكومة التركية بالمادة 7 عرض الحائط وحرمت العرب وغيرهم من الأقليات من كل حق مهما كان تافهاً وصغيراً . وفرضت على العرب والأقليات الأخرى سياسة التتريك والخسف بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ، وهكذا تقلصت حدود سوريا إلى الجنوب من طوروس وفقدت جزءاً كبيراً من أراضيها ، ولكنها احتفظت رغم ذلك بالسيادة على اسكندرون فظل اللواء من الوجهة الحقوقية والدولية تابعاً لسوريا وجزءاً لا يتجزأ من سوريا ، ليس بإشراف عصبة الأمم والدول المنضمة إليها فحسب بل باعتراف تركيا ذاتها وتوقيعها على اتفاقية أنقرة لعام 1921 . (20)
وفي عام 1924 عندما أعلن الاتحاد السوري ، أعلن فك ارتباط اللواء بكامل أقضيته الأربعة عن ولاية حلب وربطه مباشرة برئيس الدولة السورية على أن يحتفظ بالإدارة الخاصة له منذ شهر آب 1921 . (21)
في ذلك العام وأثناء تولي بركات رئاسة الدولة ، كلف وزير العدل – يوسف الحكيم – بزيارة اللواء تمهيداً لربطه بسوريا ، ثم اجتمعوا وقرروا ضمه إلى سوريا بالإضافة إلى رئيس البلدية والمحافظ ومندوب المفوض السامي . (22)
بعد الثورة السورية عام 1925 أعيد اللواء إلى أمه سوريا عام 1926 بعد استفتاء جميع ممثليه ( عرب ، أتراك ، أرمن ) بحضور مسيو دوريو مندوب المفوض السامي ، ودون اعتراض أي من الممثلين . (23)
السياسة التركية قبل بروز مسألة اللواء :
قبل بروز مسألة اللواء كانت تركيا تمد فريقاً من السوريين الثائرين على الانتداب الفرنسي بالسلاح والمال وبعض العتاد ، إلا أنها توقفت عن ذلك سنة 1921 عندما تفاهمت مع فرنسا من جلائها عن كيليكيا – وأصبحت تقوم بمظاهرات تطالب بضم اللواء أو استقلاله حتى تم الاتفاق بين الدولتين في 12-5-1937 على عرض قضية اللواء على عصبة الأمم التي أصدرت في – ت1 / 1937 – قراراً يتضمن وجوب العمل بنظام جمهوري خاص باللواء الذي أطلق عليه الأتراك اسم – هاتاي – . وكان موقف الحكومة الفرنسية ارضاء تركيا على حساب سوريا ، لشعورها بقرب اندلاع الحرب العالمية الثانية ، خاصة وأن السوريين قاوموا الانتداب ، فآثرت فرنسا التخلي عن اسكندرون لتركيا لتكسب تأييدها في الحرب . وفي 4-7-1937 تم عقد اتفاق بين فرنسا وتركيا تتضمن الاعتراف باستقلال الاسكندرون وتفوق العنصر التركي فيه . (24)
مساعي تركيا في سبيل ضم اللواء :
روت الأنسة سعادت خانم حفيدة كامل باشا الصدر الأعظم في عهد السلطان عبد الحميد وابنة شقيقة الدماد أحمد نامي رئيس دولة سوريا سابقاً ، ما شاهدته وسمعته في حفلة أقيمت في أنقرة حزيران 1937 بمناسبة عيد الجمهورية التركية مايلي : ” بينما كان أتاتورك يتحدث أثناء الاحتفال مع سفراء الدول سمعت هتافات الجماهير المتظاهرة خارجاً ، فتقدم وزير الخارجية – رشدي آراس – من أتاتورك ناقلاً رغبة الشعب الملحة في مشاهدته ليطمئنهم عن مصير أخوتهم سكان هاتاي ( الاسكندرون )وإعادة اللواء إلى تركيا . فقال أتاتورك إلى سفير فرنسا – مسيو بونيو – ( المفوض السامي في سوريا ولبنان سابقاً ) أن الشعب الهائج يطالب بإعادة اللواء إلى تركيا ويرجو إيضاحاً ليطمئن عن سكانه أبناء جنسه فأرجو منكم كلمة لألقيها على مسامعه .
تفاجأ السفير الفرنسي وتحدث عن الصلات الودية بين فرنسا وتركيا وأنه سيرفع إلى حكومته نبأ التظاهرات التي قام بها الشعب التركي العزيز في هذا الصدد آملاً أن يتحقق طلبه بفعل الصداقة بينهما ، وعلى أثر ذلك ظهر أتاتورك وخاطب جمهور المتظاهرين : ” أطمئنكم أن هاتاي ( الاسكندرون ) ستنضم قريباً إلى أمها تركيا وأستند في قولي إلى أن روابط الصداقة بيننا وبين فرنسا كفيلة بإعادة الحق إلى نصابه ، كما أكد لي سعادة سفيرها المبجل المسيو بونيو ” . فارتفعت هتافات الجماهير بحياة تركيا وفرنسا . (25)
اتفاقية جنيف لعام 1937
أعلنت فرنسا في هذه المعاهدة عن موافقتها على منح الاستقلال لسوريا ولبنان ، ولكنها كانت في الحقيقة تهيء الأسباب لنقض هذه النصوص ومنع تصديقها … وتحويلها إلى قصاصات تافهة من الورق .. فماحكت ، وماطلت ، وعدّلت في بنودها .. وحوّرت .. ثم أثارت – في الوقت ذاته – جملة من الحوادث والمؤامرات العميقة المغزى ، البعيدة الأثر .. كحوادث اللواء .. والجزيرة ، وتغذية النزعات والحركات الانفصالية هنا وهناك إلا أن مؤامراتها على سلخ اللواء عن جسم الوطن كانت بلا شك أخطر وأدهى هذه المؤامرات – وأشدها أذى ، فقد تواطأت فرنسا مع تركيا ودفعتها لإثارة قضية اللواء على أساس أنه يشكل كياناً مستقلاً عن الكيان السوري . فلابد اذن من عقد معاهدة مستقلة معه أسوة بالمعاهدتين السورية – الفرنسية ، واللبنانية – الفرنسية .
ولكي تبرر تركيا مطالبتها بفصل اللواء عن سوريا زعمت أن جميع سكانه من الأتراك ، فلما ثارت ثائرة العرب في اللواء وفي ( الوطن العربي ) وفضحوا هذه الأكذوبة الكبيرة ، عادت تركيا فزعمت أن الأكثرية فقط من العنصر التركي . وبعد تبادل عدة مذكرات صورية بين الدولتين المتآمرتين رفعتا القضية إلى عصبة الأمم على أساس أنها نزاع استعصى على الحل .
أُقرت الاتفاقية في 29 أيار 1937 وهي ما عرف بعدئذ – باتفاقية جنيف والتي وضعت موضع التنفيذ في 29 ت2 من العام ذاته ، ثم ما لبثت عصبة الأمم أن وضعت نظاماً خاصاً باللواء مع قانون أساسي ، ثم أتبعته بقانون الانتخابات وأرسلت اللجان الدولية لتتولى الاشراف على الاستفتاء ، وتعيين طائفة كل من سكانه وبالتالي تحديد ممثلي هذه الطوائف وإجراء الانتخابات النيابية على أساسها ، وهكذا اعتبر اللواء كياناً منفصلاً عن سوريا في معظم أموره عدا العملة والبريد والتمثيل الخارجي .
ولكي يستطيع المستعمرون المتواطئون مخادعة العالم وإعطاء هذه التسوية المجحفة بحق العرب صفة الوجاهة والمشروعية كان لابد لهم أن يظهروا الأقلية التركية في اللواء والتي لا تتجاوز الواحد بالمئة من السوريين و25 بالمئة من سكان اللواء ، بمظهر الأكثرية أو بمظهر أكبر أقلية فيه. وأن يظهروا العرب بالمقابل أقلية صغرى لا شأن لها . ولذا عمدوا إلى إدراج مواد عجيبة غريبة في قانون الانتخابات تفتأت على الواقع وتغمط حق العرب وتمنح الأقلية التركية صفات لا تنطبق عليها للوصول إلى أغراضهم السياسية – ولدعم — التي وردت في مذكرات الحكومة التركية حيث أثارت قضية اللواء في أواخر عام 1936 وأوائل 1937 فمن المعروف دولياً أن تركيا تخلت عن الحقوق التي كانت تزعمها لنفسها في البلاد التي تقع جنوب خط الحدود المعين في معاهدة سيفر في تموز من عام 1936 كافة وبالتالي لم يعد ثمة حجة حقيقية تدعم مطالبها الجديدة ، لذلك تراها تشير إلى ذلك في البند الخامس من المذكرة التي أرسلتها إلى وزارة الخارجية الفرنسية في 17 ت2 1936 إلى معاهدة سيفر بالذات فتزعم أنها في تنازلها بموجب المادة 16 من المعاهدة عن حقوقها في حكم هذه الأراضي إنما فعلت ذلك لمصلحة من لهم علاقة بها .
وبناء على هذا التنازل وعلى إنهاء الانتداب يكون حق الحكم الذي بقي موقوفاً في الشرق بموجب اتفاقية 1921 و 1923 قد انتقل إلى أهالي أنطاكيا واسكندرون من الأتراك . وهكذا أصبح لزاماً على تركيا لدعم هذه المزاعم أن تبرهن على أن أصحاب هذا الشأن أي سكان أنطاكيا واسكندرون هم من الأتراك لا من العرب وبالتالي فإن تنازلها كان لصالح الأتراك التي هي الممثل الشرعي لهم ، وإلا سقطت حجتها وانقلبت عليها ، وللوصول إلى هذه النتيجة فرض الفرنسيون والأتراك على مقرري نظام الانتداب أن يدرجوا فيه من المواد ما يشوه حقيقة الوضع في البلاد ، وفعلاً فقد أقحموا في قانون الانتخابات المذكور المواد التي تمزق طوائفه وتقسمها تقسيماً مصطنعاً يزور الحقيقة من لواقع . فقد قسم قانون الانتخابات السكان إلى طوائف وجماعات مستقلة بعضها عن بعض ، فجعل من الأتراك جماعة قومية واحدة بصرف النظر عن ديانة أو مذهب الذين يتكلمون التركية ، في حين قسم العرب الذين هم من قومية واحدة إلى طوائف بحسب أديانها ومذاهبها وذلك لتفتيت الجبهة العربية التي تؤلف الأكثرية الساحقة إلى مجموعة من الأقليات إذا ما قورنت بالجماعة التركية . وهكذا بدا العرب بموجب قانون الانتخابات ثلاث طوائف : السنة ، والعلوية ، والأرثوذوكس .
فكر العرب بمقاطعة اللجنة الدولية لإحصاء السكان والاستنكاف عن المساهمة في عمليتي الاستفتاء والانتخابات ، غير أنهم آثروا خوضها فيما بعد لإفساد الخطة الاستعمارية ( الفرنسية – التركية ) التي أقحمت في قانون الانتخابات اقحاماً ، وبينوا للعالم أن الأتراك الأقلية الضئيلة في اللواء وليحتلوا – عن هذا السبيل بعضهم أصحاب الحق .. ولكونهم يؤلفون الأكثرية الساحقة فعلاً لا قولاً – معظم مقاعد المجلس النيابي المقبل ، وهذا يتيح لهم أن يقرروا مصير اللواء ، فيعيدونه إلى أحضان الوطن الأم سوريا .
نال العرب الأكثرية ، وحصلت معارك عنيفة ، وهكذا عجزت فرنسا عن تأمين ما وعدوا به تركيا وهو تأمين (22) مقعداً في المجلس الجديد وتوزيع المقاعد الباقية (18) مقعداً على بقية الطوائف . فأعلنت الأحكام العرفية وحكم البلاد قواد عسكريون أرسلوا خصيصاً لتنفيذ المؤامرة واستبدل الجهاز الإداري بجهاز تركي 100 بالمئة مهمته القمع والتعسف والإكراه وحُلت الأحزاب العربية وعطلت جميع الفعاليات الطبيعية المشروعة وضيقوا الخناق على اللجنة الدولية وارتكبوا الفضائح على مرأى ومسمع منها ووجهوا رعاع الأتراك للاعتداء عليها وإطلاق الرصاص ، فانسحبت اللجنة وتعطلت أعمالها ، وأوقفت عمليات الاستفتاء ، وأذاعت اللجنة بيانات ندت بما فعله الفرنسيين والأتراك مع العرب وأعلنت عجزها عن أداء مهمتها الدولية في مثل هذا الجو من الإرهاب .
اثر انسحاب اللجنة غزت الجيوش التركية اللواء في (5-6) تموز عام 1938 وأعلنت مسؤوليتها عن إجراء الاستفتاء الذي زوروه ومنحوا للأقلية التركية (22) مقعداً ووزعوا ال (18) مقعداً الباقين على جرائهم . (26)
الاتفاق الثاني التركي – الفرنسي في العام 1939 :
لم يكتف الفرنسيون والأتراك بالإلغاء المادي لاتفاقية جنيف بل عقدوا بعد أقل من سنة اتفاقية ثنائية من وراء ظهر عصبة الأمم وهي اتفاقية أنقرة الثانية والتي تقضي بضم اللواء نهائياً إلى الدولة التركية وإلغاء جمهورية ( هاتاي ) – اسكندرون – والتي أنشأها الجيش التركي الذي احتل اسكندرون ، كما تقضي بسحب الجيوش الفرنسية من اللواء ، وقد ظلت هذه الاتفاقية سريةً حتى أذاعت المفوضية الفرنسية في بيروت نصوصها في 13 تموز 1939 وتم بذلك انسحاب الجيوش الفرنسية الباقية في اللواء فعلاً في 23 تموز ، وتسلمت السلطات التركية جميع فروع الإدارات والثكنات الباقية في 24 تموز 1939 وأصبح اللواء واقعياً منذ ذلك الحين ولاية تابعة للدولة التركية كباقي ولاياتها . ولم تبلغ وزارة الخارجية الفرنسية عصبة الأمم نصوص الاتفاق بصورة رسمية إلا بعد أشهر من توقيعها وذلك في 18 آب 1939 حيث اكتفى السكرتير العام بتوزيع النص على أعضاء العصبة . (27)
الاستفتاء في اللواء
لما أعلن أمر الاستفتاء نظم المتظاهرون في دمشق على الفرنسيين وعلى الحكومة الوطنية السورية – اهتمت الحكومة بالاستفتاء ومحاولة فوز الأكثرية العربية وأوكلت المحاولات إلى – نبيه العظمة- مع بعض المساعدين.
جرى الاستفتاء تحت إشراف محافظ اللواء والمندوب الفرنسي ومدير الاستخبارات ، أعرب فيه السكان من ( عرب وأرمن عن رغبتهم – وهم الأكثرية – في بقاء اللواء مع أمه سوريا ومع ذلك سلخ اللواء عن أمه سوريا باعتباره وحدة ممتازة مستقلة تتمتع بحكم جمهوري بأرجحية تركية ذات استقلال تام في شؤونه الداخلية ، وسمي اللواء ( هاتاي ) وجعل مرفأ أنطاكيا وفاقاً للاتفاقية المبرمة في 20 حزيران 1939 بين فرنسا وتركيا وتم تأييد الاتفاقية بقرار عصبة الأمم الصار في 20 أيلول 1939 .(28)
تأثير فك اللواء عن سوريا
كان فك اللواء أكبر ما منيت به سوريا أيام الانتداب ، مما أدى إلى انعدام الثقة في فرنسا وجمعية الأمم المتحدة ، واعتقد المفكرون أن الفرنسيين في سبيل مصالحهم مع تركيا وعلى حساب سوريا التي فقدت اللواء ، منحوه إلى تركيا على الرغم أنه ظل طوال العهد العثماني تابعاً لولاية حلب .(29)
الوضع الحقوقي للواء
إن اتفاقية أنقرة الثانية التي عقدت في 23 حزيران 1939 باطلة من أساسها لأن اللواء عربي سوري بمقتضى الاتفاقية الدولية ، وبمقتضى الاستفتاء التي أجرته عصبة الأمم عن طريق لجنتها الدولية ، وبمقتضى حقائق التاريخ والجغرافيا وعلم أصول البشر وكل حقائق العلم البديهية الأخرى .
ولا تمتلك فرنسا حق التنازل عنه لتركيا ، فالمادة 4 من صك الانتداب لا تجيز لها التنازل عن أي جزء من أجزاء سوريا أو تأجيره . وهذا الرأي أوردته فرنسا في مذكرتها السياسية الرسمية إلى وزارة الخارجية التركية عام 1936 حيث جاء في المادة الرابعة من المذكرة الفرنسية المرسلة أواخر كانون الأول 1936 أن فرنسا عقدت اتفاقية أنقرة عام 1921 على نظام الانتداب الذي عهد إليها به على سوريا في 25 / 4 / 1920 وفي المواد 5-7-8-9 :
- إن صك الانتداب يوجب على فرنسا الأخذ بلبنان وسوريا نحو مخارج الاستقلال ووقاية هذه البلاد من كل تجزئة أو اعتداء .
- إن فرنسا وهي تقوم اليوم بدور التسليم والتسلم من سوريا بصفتها الدولة المنتدبة لا يمكن أن تحيد عن صك الانتداب سواء كان ذلك أثناء تفاهمها مع سوريا في الأمور التي كانت قد أخذتها له على عاتقها أو كان ذلك أثناء المفاوضات التي ستجري بينها وبين أية دولة أخرى ، في هذا الاعتبار ومادام الموضوع في هذه الآونة يتناول مستقبل سوريا فلا يمكن لفرنسا أن تتعهد بتعهدات فوق التعهدات التي أخذتها على عاتقها سنة 1921 باسم سوريا .
- عقد معاهدة مع اسكندرون الذي هو جزء من سوريا معناه تشكيل دولة ثالثة ، وبما أن هذا يعد تجزيئاً لسوريا فهو مغاير لصك الانتداب .
- إن اتفاقية أنقرة لعام 1921 لم تنص على كيان مستقل للواء خارج عن كيان سوريا .
- لقد وجه المفوض السويسري المسيو ( رايار ) في عام 1939 سؤالاً إلى العضو الفرنسي في العصبة مستفسراً عن أحداث اللواء ، وعن سبب خرق فرنسا للحقوق والاتفاقيات الدولية المعتبرة ، وخاصة المادة – 4 – من صك الانتداب ، وامتهان مبدأ حق تقرير المصير ، فلم يخجل العضو الفرنسي من أن يجيبه بصراحة ” أن القضية قد خرجت عن نطاق عصبة الأمم وعن نصوص صك الانتداب وأصبحت مواضيع السياسة الدولية ” .(30)
ملحق رقم 29 تشرين الثاني
في هذا اليوم من السنة السابعة والثلاثين بعد الألف والتسعماية ، يقف أرباب المدفع والبارود ، وأصحاب القوة والسلطان من قبل جامعة الأمم ، على مدخل الاسكندرون في فخفخة وأبهة وخيلاء ، ليعلنوا على مسمع الأمم المهضومة والأمم الهاضمة ، النظام الذي وضعوه باسم العدل والوجدان الإنسانيين ، لاقتطاع جزء من الأرض عن الوطن الأم .
أجل في هذا اليوم ، تَسْوَدُّ صحيفة بيضاء من صحف الحق والعدالة والحرية ، ويهزج أعداء الحق والعدالة والحرية ، بأغاني الانتصار الأثيم وترقص أرجل المجرمين الملونة على حقوق وكرامة أمة مستباحة ، قَدَّرَ لها تفاعل الزمن ، أن تكبو كبوتها الأخيرة في ميدان التنازع الأنترنسيوني .
29 نوفمبر ، هذه الصفحة السوداء الأخيرة في تاريخ أمتكم القومي ، يا أبناء سوريا ، ليس يوم حِداد ، كما يريد بعضكم تسميته ، وإنما هو يوم ذكرى لكم فيه عِبرةٌ ستكون آخر العِبر . إنه ليس يوم حِداد ، أجل ، بل يوم جهاد لأنه من الواجب عليكم أن تُجاهدوا منذ اليوم في سبيل إرجاع الاسكندرون إلى حضن سوريا ، وفي سبيل إرجاع الأجزاء السورية المقتطعة الأخرى أيضاً .. إن حقاً من حقوقكم لن يُهضَمَ وفي السماء شمس تحتضن الكون بشعاع الحياة … إنها لن تُهضَمَ وفجر النهضة السورية القومية ينفجر في آفاق سوريا وأرجائها .
يا أبناء سوريا ، إن الأجيال تنظر إليكم من وراء أفق الحياة البعيد ، وإن قروناً من الأمجاد والعبقريات والانتصارات ترمقكم بعين الأمل الكبير .
29 نوفمبر ، هذا اليوم الذي أُعْلِنَ فيه اهتِضام حَقّكم في جزء من أجزاء وطنِكم ، هو يوم يجب أن تمحوه بأقرب ما يمكن من الوقت ، ويجب أن تُؤمنوا كل الإيمان بأنه لن يعود .
إن الجيل العتيق ، قد برهن عن عدم كفاءته لحمل مسؤولية عهد جديد تكلله إرادتكم بتاج من المجد القومي ، إنه جيل يعمل بأساليب الحكم العتيقة التي لم تعد تصلح في عصر القوميات ، إنه غير صالح لبعث أمجاد أمتكم بعثاً يملأ حاضركم ومستقبلكم مجداً وقوة وحرية ..
أيها السوريون
في هذا اليوم الذي أرادت فيه جامعة الأمم أن تُمزّق حقاً من حقوقكم في لواء الاسكندرون الشهيد ، قفوا أمام نفوسكم بخشوع ، وتطلعوا إلى الغد بتجرد ونزاهة ، هو ذا شمس القوة والنظام والواجب والحرية تشرق في الأفق ، فتبعثها نهضة قومية جبارة تدوس على بقايا الذل القديم ، في طريقها إلى إنقاذ سوريا .
فب الاسكندرون اليوم ، تقام حفلات وأفراح وأعراس على ضريح الحق ..
وأما أنتم فأقيموا في قلوبكم حفلات وأفراحاً وأعراساً للحق على ضريح الضعف والجمود .
كونوا قوميين أقوياء يا أبناء سوريا ، فالقوة هي كانت ولمّا تزل فوق الحق في كل زمان ومكان .
( جريدة النهضة – العدد 41 في 30 نوفمبر 1937 ) أنطون سعادة
المراجع:
- محاضرات عشر – أنطون سعادة : م5 – ص 87
- الآثار الكاملة – أنطون سعادة : ج2 – ص 235
- = = – = = : ج3 – ص 17
- = = – = = : ج3 – ص 20
- = = – = = : ج3 – ص 21
- = = – = = : ج3 – ص 21
- = = – = = : ج3 – ص 21
- = = – = = : ج3 – ص 20
- = = – = = : ج3 – ص 23
- = = – = = : ج3 – ص 80
- = = – = = : ج3 – ص 147
- = = – = = : ج3 – ص 160
- = = – = = : ج3 – ص 170
- = = – = = : ج3 – ص 186 – 187
- = = – = = : ج3 – ص 210 – 211 – 212
- لواء الاسكندرون – محمد علي الزرقا ، لجنة تحرير اللواء 1950 : ص 45 – 57
- محاضرات عشر – أنطون سعادة : م 5 – ص 88
- محاضرات عشر – أنطون سعادة : م5 – ص 89
- لواء الاسكندرون – محمد علي الزرقا ، لجنة تحرير اللواء : ص 30 – 43
- أ – ب سوريا والانتداب الفرنسي – يوسف الحكيم : ص 280 – 972
- لواء الاسكندرون – محمد علي الزرقا ، لجنة تحرير اللواء : ص 6 – 8
- سوريا والانتداب الفرنسي – يوسف الحكيم : ص 102
- = = = = = : ص 160
- = = = = = : ص 280
- = = = = = : ص 81 – 83
- = = = = = : ص 282
- لواء الاسكندرون – محمد علي الزرقا ، لجنة تحرير اللواء : ص 15 – 85
- = = = = = = = = : ص 15 – 16
- سوريا والانتداب الفرنسي – يوسف الحكيم : ص 283 – 284
- = = = = = : ص 284 – 285
- لواء الاسكندرون – محمد علي الزرقا ، لجنة تحرير اللواء : ص 17 – 18
- الآثار الكاملة – أنطون سعادة : ج 3 – ص 222
دراسة للأمين سهيل رستم