تقترب مئوية الحزب السوري القومي الاجتماعي، وما تزال المؤسسة المركزية الضامن الأوحد والأقوى والأفضل لاستمرارية قطار النهضة على النهج الصحيح، مهما عظمت الصراعات الداخلية وبلغت الأخطار الخارجية.
ثمانية أعوام من اليوم ونحتفي بقرن كامل على انطلاقة المؤسسة القومية الاجتماعية، وهي التي مرّت بأعاصير متتالية ومتشابكة ومعقّدة للغاية، ولكنها تغلّبت على المصاعب رغم حِدّتِها وقساوتها، وما زالت الزوبعة صارخة بالعزّ ومتجذرة بعقول ونفوس وقلوب نساء الكرامة ورجال العزّ الثابتين على المعتقد القومي الإنساني الشمولي، والمخلصين دوماً للأمة، ولتراثها، وشعبها، وترابها.
أرسى الزعيم، أربعة أقانيم متمايزة تضمن نشوء واستمرارية حزبه القوميّ، ليكون حزب الأمة والشعب والأرض سويّة، حزب الإنسان الجديد، حزب النهضة الرافض للعَبَث والخمول، حزب الوحدة والتحرير، حزب الحقائق والآمال والجهود والأعمال نحو مستقبل أفضل ومُشرقٍ ومتجدّدٍ عبر الأزمان.
هذه الأقانيم الأربعة، القوّة والنظام والواجب والحرّية، هي مستقلّة عن بعضها البعض بالمعنى ومنصهرة كلياً بالمبنى. ولكن العلاقة المميّزة تنحصر بين المؤسسة “كشكلٍ” من جهة، والنظام “كروحيّةٍ” من الجانب الآخر. لا يُخفى على أحد بأن وضوح وتسلسل وصلابة النظام الحزبي القومي هي التي جعلت الحزب قادراً على تحمّل أعباء النضال في بقعة جغرافية لا يُحصى فيها عدد الخصوم والأعداء، ليمتلك من جرائه مناعةً قويةً قلّ نظيرها في حلَبات الصراع القومي، في حين فشلت أحزاب أخرى وتنظيمات مختلفة ومتعدّدة، واندحرت عقائدها في فترات زمنية قصيرة.
لا شك بأن أنطون سعادة ارتأى بأن النظام المؤسساتي القوي يكفل المساواة بين المواطنين والرفقاء والرفيقات في الحقوق والواجبات، ويضمن حرية التعبير والتفكير العلمي والإنتاج العمَلي، على أن تبقى مصلحة الأمة فوق كل مصلحة، والهاجس الأكبر للحزب والأبلغ لأعضائه.
فمن يدرس حيثيّات نشوء الفكرة القومية الاجتماعية وعقيدتها السامية، ومن ثم تأسيس الحزب كنواة متفاعلة من الداخل مع الأحداث الخارجية المتقلّبة والقاسية، سيرى بوضوح تامٍ تمايزاً صريحاً بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وكافة الأحزاب الباقية التي انطلقت من خلفيّات ضيّقة وقواعد مضلّلة ومفاهيم هشّة وغريبة وبعيدة كل البعد عن هويّة الأمة السورية وتطلّعاتها المستقبلية. فالحزب القومي انبعثَ من صلب تاريخ وحضارة وثقافة أمّته، ولذا من المستحيل اقتلاعه أو انتهائه (أو إنهائه) طالما الأرض القومية ما زالت في هذا الوجود وهي لن تفنى مهما طالت الأزمان وضَحَت.
فكما تضمَنُ الأنظمة والقوانين كل المجتمعات الحيّة القابلة للتطوّر والتفوّق، سيبقى النظام القومي الدافع الأساسي لتماسك المؤسسة وتفاعلها مع الأحداث ونجاحها في تحقيق غاية الحزب والوصول إلى أهدافه العقائدية. لقد حصل التأسيس في العام 1932 وغضون حقبة مصيرية في تاريخ أمتنا، وطُوِيَت مراحل زمنيّة صعبة جداً للغاية، ليتبيّن من بعدها صحة وخطورة ما حذّرنا عنه أنطون سعادة وخاصة فيما يتعلّق بالاستعمار والاحتلال الصهيوني الإجرامي الفاشي، إضافة إلى آفات أخرى كالطائفية والمذهبية والعشائرية ونكران الهوية القومية.
التأسيس، في 16 تشرين الثاني، 1932، دعا إلى فهم واستيعاب رسالة بنّاءة خلوقة، والتأسيس له هدف واحد لا غير:
العمل النهضوي ضمن خطة نظامية واضحة وضوح الشمس ومتماسكة وفعّالة ومنتجة للحدّ الإيجابي الأقصى، لمواجهة كل خطر حادق مهما كان مصدره.
هكذا تُبنى الأوطان ويُمَجّد تاريخها وتُخَلّد حضارتها ويُضمَن مستقبلها، وهكذا يَخلق الإنسان الجديد.