السياق العام لحركة الاحتجاجات الشعبية الأردنية

ما الذي يفسر موجات الاحتجاجات الشعبية الأردنية المتواصلة منذ عام 1989 وحتى الآن، إذ نعرف أن الأردن في ذلك العام شهد ما عرف بهبة نيسان الشعبية انطلاقا من معان وقطاع الشاحنات، كما يحدث بالضبط منذ أيام.

تبدأ الاحتجاجات في المدينة الجنوبية، معان، تم تمتد إلى الكرك والسلط وشمال الأردن وهكذا.

ولعل ما ميز الحراك الشعبي الأردني خارج العاصمة مع بعض الاستثناءات، خلال عشرية الفوضى والثورات الملونة، استنادها إلى تاريخ من الشعارات المطلبية لا إلى أجندة السفارات وشعارات الثورات الملونة، كما تتميز الحراكات الشعبية خارج العاصمة بسمات خاصة، منها أنها تعكس مصالح قواعد واسعة من الطبقة الوسطى التي شكلت سابقا القاعدة الاجتماعية للدولة قبل تفكيكها ونهب مواردها باسم الخصخصة.

وبخلاف ما هو شائع لم تتشكل الطبقة الوسطى بدلالة الطابع الإداري الريعي فقط، بل بدلالة صناعات التعدين الكبرى مثل البوسات والفوسفات قبل بيعها بأبخس الأثمان لسماسرة الاوليجاركية الفاسدة المتنفذة.

ومن السمات الأخرى ما يتصل بالجغرافيا السياسية التي قامت عليها الدولة الأردنية ودور الترانزيت التجاري وقطاع الشاحنات التي أخذت دور سكة الحديد القديمة، وقبلها دور الجمال زمن طريق الحج الشامي.

وليس بلا معنى أن تتركز الحراكات والاحتجاجات الشعبية حول قطاع الشاحنات تحديدا، وذلك لارتباطه بالجغرافيا السياسية الأردنية وما يقال عن مشروع كبير يستبدل هذا القطاع بشبكة سكك حديدية واسعة تربط الخليج بميناء حيفا عبر الأردن، وهو ما يذكر بمحطات سابقة من التاريخ الاجتماعي السياسي الاقتصادي الأردني حين أخذت سكة حديد الحجاز في مطلع القرن العشرين دور الجمال والشبكة الاجتماعية المرتبطة بها على طريق الحج القديم.

هكذا تظهر العلاقة القوية بين الجغرافيا السياسية الأردنية مع الصراع العربي الصهيوني وكيف تحول الأردن من دولة “بافر ستيت” عمودية عازلة بين الكيان الصهيوني والشرق العربي، إلى دولة واصلة بعد معاهدة الإذعان مع العدو الصهيوني المعروفة بمعاهدة وادي عربة، وهو ما يجعل موجات الاحتجاجات الشعبية ذات الطابع المطلبي شديدة الصلة بهذا الصراع، فمع كل موجة تتسع أيضا دوائر الإعاقة المحلية للاستهدافات الصهيونية، كما أن قمع هذه الاحتجاجات يلبي المصالح الطبقية للاوليجاركية الفاسدة وفي الوقت نفسه يخدم الاستهدافات المذكورة من حيث المعطيات التالية:

  1. جنبا إلى جنب مع إزاحة القوى الاجتماعية المعيقة بما فيها الحراكات الاحتجاجية، صناعة مجال حيوي من قوسين، الأول بين البحر والصحراء يشمل فلسطين المحتلة كاملة والأردن والتعامل معه كأرض إسرائيلية يعيش عليها عرب يحتاجون لإدارة شؤونهم بوصفهم سكانا لا مواطنين في إطار جغرافيا لا وطن، أما القوس الثاني فهو عامودي يمتد من الساحل الشرقي للبحر الأحمر إلى حوض اليرموك ويعبر عنه مشروع نيوم وقناة البحرين ووادي السلام.
  2. تصفية قضية فلسطين واللاجئين خارج فلسطين وخاصة في الأردن، لا في إطار من التوطين السياسي بل عبر التوطين السكاني.
  3. الانحطاط بالدولة الأردنية إلى مستوى السلطة الفلسطينية (إدارة حكم ذاتي) وإقامة كونفدرالية بينهما بعد مسرحية قيد الإعداد باسم الدولة الفلسطينية.
  4. تحضير المجال الحيوي المذكور عبر مشروع مثل البينلوكس (مركز صهيوني ومحيط أردني فلسطيني تابع)
  5. إلى جانب سيناريو المدينة – الدولة، كبديل للدول المركزية فإن أشكالا من الشركات المتصهينة بين حيفا والخليج على غرار شركة الهند الشرقية في طريقها إلى احتلال مكان الدول والمناطق العربية المستهدفة.

هكذا وعلى إيقاع الاستحقاقات الصهيونية وما يراد للأردن في هذه الاستحقاقات من استبدال الشكل الوظيفي السابق بشكل جديد من القوى السياسية والاجتماعية النافذة، ومن تبديات ومآلات تفكيك الدولة وتفتيت المجتمع، فإن المطلوب:

  • على أهمية وضرورة القضايا المطلبية المحقة والمشروعة فالمطلوب عدم الانزلاق إلى هذه القضايا كعنوان منعزل عن مقتضيات واستحقاقات الصراع العربي الصهيوني وتداعياته الأردنية.
  • تطوير المواجهة الشجاعة التي أطلقها الشعب الأردني ضد نهج التطبيع والتبعية ونهب الموارد وتبديدها وإملاءات البنك الدولي وربط هذه المواجهة بخطاب التحرر الوطني والربط بين المهام الاجتماعية والديموقراطية وبين التكامل مع القوى الوطنية والقومية والمقاومة على مستوى الإقليم والأمة.

د. موفق محادين