العقل عند سعادة – الحلقة الثانية

العقل عند سعادة – الحلقة الثانية

1 ـ اتجاه الرابع: فلاسفة ما بعد الحداثة: مقولة: لا وجود لعقل واحد. من أعلامه ليوتار ديريدا رورتي فوكو.

 ــ ليوتار مفكر فرنسي ينتمي إلى ما يمكن تسميته ظاهرة تدمير ما عرف بمشروع عصر التنوير الذي قام على ركنين العقل والذات الفاعلة. فالعقل يجب تدميره والذات يجب إزاحتها من مركز الدائرة في التفكير عموما والفلسفة خصوصا. تعلق كتابات ليوتارد بشكل كبير بالدور الذي تلعبه السردية في الثقافة البشرية، وعلى وجه التحديد كيف تغير هذا الدور بسبب تركنا لعصر الحداثة ودخولنا لوضع ما بعد التصنيع أو ما بعد الحداثة. ليوتار لم يقل إرادة القوي نيتشه ولا العقل الأداتي بل بمبدأ المشروعية legitimacy . لنفسه مشروعية وهو بجوهره يرفض كل مشروعية؟ للخروج من هذا المأزق كان الاتجاه الذي ميز صر الحداثة موما نحو خلق الفلسفة. والفلسفة عبارة عن قصص ورائية metanarratives كما يحب ليوتار ان يقول.

 ــ أما عن ديريدا Jacques Derrida فيقول د حيدر انه استطاع بكتبه الثلاثة، عام 67، تفكيك الميتافيزيكيا الغربية. أو ما عرف باسم المركزية المنطقية التي خاصتها إقامة التقابلات الهرمية علم عقل أسطورة، منطق وخطاب، المعقول والمحسوس، الكلام والكتابة الطبية والثقافة، الحدس والدلالة. فمهمة التدمير هي الكشف عن التناقضات والمفارقات الباطنة التي تخفيها الأنظمة الفلسفية لهدف حلها وليس لهدف قلب نظامها.

 ــ أما رورتي Richard Rortyفخصوصية تعريفه للإنسان يحدد المعنى الجوهري لمذهبه في السخرية النقدية ironism، معنى ذلك أن كل المفردات اللغوية. حتى تلك التي تؤلف الإنسان يمكن استبدالها. طريق إعادة الوصف. ولما لم يكن هناك ماهية حقيقة ثابتة، فان كل شيء يمكن فهمه من منظور أو آخر perspectivised يمكن القول، إن ما يقدمه رورتي لنا هو نظرة رومنطيقية للفنان. ويقول رورتي واصفاً بكلامه الساخر النقدي الليبرالي ironist بأنه ذلك الذي يريد الكمال كمالاً خاصاً.

وبين رورتي Rorty وفوكو Foucaultيبقى الاختلاف على ال «نحن». إن الفرق بين تصوّر رورتي Richard Rorty للمثال الاجتماعي – السياسي وتصوّر فوكو Michel Foucault، يمكن التعبير عنه بذكر الفرق بين نحنيّة كل منهما، أي الجهة الاجتماعية التي ينافح كل منهما، في كتاباته عنها. فإذا قال رورتي «نحن»، فهو يقصد البرجوازيين الليبراليين وقيمهم البرجوازية الليبرالية، وليس إلا. في مقابل ذلك، تعني كتابات فوكو جميع المهمشين في المجتمع الليبرالي بواسطة قيم ذلك المجتمع الطبقية ذاتها. حقاً، كان يهم فوكو أن يستخدم تحليله لعلاقة القوة – المعرفة كأداة للتعبير عن المقاومة. ومن هنا يمكن اعتبار فوكو، تمييزاً له عن رورتي المريد الإبقاء على الأوضاع الراهنة، بأنه أحد أبطال الخارجين عن المعايير القائم. ويُحاجج فوكو على خُطى نيتشه بأنّ المعرفة تأتي من خلال عمليات القوة وتتغير بشكل جوهري باختلاف الحقب التاريخية.

2 ـ الاتجاه الخامس الإرادة: العقل والإرادة. العقل الإرادي. أعلامه شوبنهور ونيتشه.

 ــ شوبنهور: العقل خادم الإرادة وهو الذي يوفر لها الدوافع والتبريرات بعديا. ويلخص نظرته بالكلام التالي« يقول الدكتور حيدر فمع شوبنهور ونيتشه العقل صار موضع شك باعتباره تحريفاً للواقع. اقتضى وضع العقل في ذلك للتقليل من أهميته وإبراز أولوية الإرادة.

فبالنسبة لهذين المفكرين، لم يعد ثمة أي مغزى كبير للتعارض بين العلم والأيديولوجيا، والعقل ذاته صار موضع شك، باعتباره مصدر تحريف للواقع واقتضى وضع العقل في ذلك الموضع التقليل من أهميته وإبراز أولوية الإرادة.

يقول شوبنهور: «الإرادة هي دائماً الحقيقة الأولى في وعينا، وهي دائماً لها السيادة على العقل الذي هو ثانوي وتابع ومشروط… هذا الأمر لا بدّ من إثباته أكثر فأكثر، ذلك لأن كل الفلاسفة الذين تقدموني، من أولهم إلى آخرهم جعلوا جوهر الإنسان، ونوعاً ما مركزه، في الوعي المعرفي. فلسفتي هي الأولى التي وضعت مركز الإنسان، ليس في الوعي، وإنما في الإرادة التي لا رابطة ضرورية لها بالعقل نسبة الإرادة للوعي، أي للمعرفة كنسبة الجوهر للعرض، أو النور للجسم المنار.

إذاً شوبنهور يربط تمييزه بين الفكرة والإرادة فالأفكار ظواهر أما الإرادة فهي الشيء في ذاته.

ان العقل لا يقدر ان يقوم بوظائفه بوضوح ودقة ما لم تبق الإرادة خرساء وساكنة. فكل الإرادات الحسية للإرادة تزعج عمل العقل. ومثال هذا النيل للإرادة يؤدي إلى نتائج كاذبة. العقل هو خادم الإرادة. هو الذي يوفر الدوافع والتبريرات لها بعديا وليس قبليا. ويعطي أمثلة من حياتنا اليومية: »الحب والكره يزوران بالكلية أحكامنا. فنحن نظن العيوب فقط في ادائنا. والفضائل فيمن نحب. ولما كانت الحياة ألماً مستمرا كان على الإرادة أن تتخذ قرارات صعبة بان تجبر العقل على إخفاء الشقاء. أو على الأقل تلبسه رداء الأمل. الأيديولوجية من إنتاج العقل كتعزية مواساتية أو نقول كمخدر أو وسيلة لتخفيف وطأة الألم في الوجود. هناك حالة واحدة يتحرر فيها الوعي من الإرادة هي حالة في الإحساس بالجمال.

 ــ نيتشه: في الاستيتيكا علم الجمال. عندما يقدر العقل على التفلّت من الإرادة فان أعمالاً رائعة تنتج. إذاً فقط الفنانون والعباقرة العظام متحررون من الإرادة وقادرون على بلوغ الحق. أما بقية البشر فهم العاديون واقعون تحت رحمة الإرادة. الإرادة عند نيتشه هي إرادة قوة. وكل أشكال المعرفة والصدق ليست قضية قوة. لذلك يرفض نيتشه مقولات العقل المحض. والمعرفة في ذاتها. ويعلن عن تصور نسبي منظوري ويقول ليس ثمة إلا رؤية منظورية ومعرفة منظورية. أما الأساس الذي تقوم عليه نظرية نتشه المنظورية النسبية فله ركنان هما: المنظورية النسبية: نقده اللاذع لقيمة الصدق والمعرفة. ثم قوله ان الوقائع هي بالضبط ما ليس موجودا فثمة تأويلات فقط. ويرفض نتشه مفهوم الصدق ومفهوم البرهان. فالحياة ليست برهاناً وشروط الحياة يمكن أن تشمل الخطأ. يرى نيتشه أن حواسنا وعقلنا لهما نزعة فطرية قيمية. كلهما يسبغان على الحقائق لونا مثاليا. ويختم نيتشه رأيه في العقل بالقول أن العقل المحض هو وليد الحاجة الحيوانية. هو عبارة متناقضة لأن العقل هو في الخطأ. أيضا يبحث في واقعية الصدق وتحديدا يتساءل عن قيمة هذه الإرادة. يقول إذا سلمنا بأننا نريد الصدق الحقيقة، لم الصدق وليس نقيض الصدق؟ لا وجود لصدق(حقيقة) مطلق أو مباشر. ينكر نيتشه وجود يقين مطلق، ومباشر. معترضا على الفلسفة الوضعية، بأن لا وجود الا للحقائق. لا الحقائق هي بالضبط ما ليس له وجود. كل ما هنالك تأويلات.

 3 ـ الاتجاه الأخير: عقل سعاده. العقل القومي الاجتماعي.

 وأخيرا يصل إلى سعادة. يبدأ مستشهداً بسعاده في قوله: « نحن كما قلت قوة فاعلة في هذا الكون. وإذا كان الله قد خلقنا وأعطانا مواهب فكرية، أعطانا عقلاً نعي به ونفكر ونقصد ونعمل، فهو لم يعطنا هذا عبثاً. لو يوجد العقل الإنساني عبثاً. لم يوجد ليتقيد وينشلّ. بل وجد ليعرف، ليدرك، ليتبصر، ليميّز، ليعيّن الأهداف وليفعل في الوجود. وفي نظرتنا أنه لا شيء مطلقاً يمكن أن يعطل هذه القوة الأساسية وهذه الموهبة للإنسان. العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي. هو موهبة الإنسان العليا. هو التمييز في الحياة فإذا وضعت قواعد تبطل التمييز والإدراك، تبطل العقل، فقد تلاشت ميزة الإنسان الأساسية وبطل أن يكون الإنسان إنساناً وانحط إلى درجة العجماوات المسيّرة بلا عقل ولا وعي. سنّة الله أو سنّة الطبيعة هي التي لا يفعل فيها عقل مميز مدرك، وهذه للجمادات والعجماوات». وقوله: «العقل في الإنسان هو نفسه الشرع الأعلى والشرع الأساسي.»

 ــ ويقول د إسماعيل اذاً يعيد هذا الفهم إلى الرواقية السورية القديمة وقبله إلى اليونانية القديمة التي شملت سقراط وافلاطون وارسطو ويسمي هذا العقل «القانون الطبيعي ».

 ــ إذاً العقل عند سعاده يشمل التمييز وتعيين المقاصد في الحياة. والعقل الذي وظيفته في التمييز فيما يخص الامة وتعيين مصالحها.

 ــ إلى ان يقول «العقلية الأخلاقية الجديدة التي تؤسس لحياتنا بمبادئنا وهي من أثمن ما يقدمه الحزب السوري القومي الاجتماعي للأمة، لمقاصدها، ولأعمالها، ولاتجاهه».

 ــ أيضا هو العقل الجديد كما تكلم عنه.

 ــ ويضيف البعد المناقبي العميق للمبادئ والذي يؤكده سعاده بمبدأ مصلحة سوريا فوق كل مصلحة. فيضيف سعاده هذا المبدأ وهو مقياس أو ميزان العقل المناقبي الجديد ويضيف. د إسماعيل: «انه مقياس أو ميزان العقل المناقبي الجديد».

 ــ ثم ينتقل إلى مستوى أخر فيقول انه قل إرادي، إذا أن الارتباط بين العقل والإرادة هو ارتباط جوهري، وربط العقل بالإرادة ناتج عن ربطه بالإيمان بشكل من الأشكال.

 ــ يتابع د حيدر، أن مما سبق يفيد بان العقل عند سعادة هو قوة معرفة وقوة إرادة وقوة إيمان. ويختم الكاتب كتابه بضرورة التمييز بينع قل الفرد وعقل الجماعة مع الإشارة الهامة إلى أن سعاده لم يرم قط إلى إلغاء عقل الفرد.

 إذاً هو نوع جديد في العقل هو العقل القومي الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *