وحدة المصالح المشتركة تصنع النصر

لن يكتب لنا النصر إذا لم نعالج مفاعل سايكس بيكو ونغّلب الهوية القومية على ما عداها من هويات. والهوية القومية ليست مسألة شوفينية كما يعتقد البعض، بل مسألة اشتراك في الحياة بين مجموعات بشرية تواجدت في جغرافية بعينها اكسبها التفاعل الأفقي العامودي ميزات معينة طالت معظم مناحي الحياة.

أمام صراع الأمم للبقاء لا يمكن لدول أو مجموعات بشرية مهما استحوذت من موارد أو قدمت من تضحيات، أن تصارع وتقاتل وتنازل للبقاء إذا كانت محدودة الجغرافية والسكان والإمكانيات كما كان الحال مع الإنسان الحجري أو القبلي أو الطوطمي.

هذا العالم الذي نعيشه هو أسوأ ما أنتجته البشرية، إذ انه يفتقد لجملة مرتكزات طالما كانت موجودة أو اعتقدنا أنها موجودة بعد الحروب الدينية والإمبراطوريات وتلك التوسعية منها التي أدت إلى حربين عالميتين. يبدو ان العالم لا يعيش دون حروب مهما وضعت البشرية من قواعد لتجنب ذلك، الأمر منوط باقتصاديات الدول الكبرى فدولة كالولايات المتحدة الأميركية مثلاً مرتكزات اقتصادها هو الصناعات الحربية من المسدس إلى السلاح النووي، هل لعاقل أن يقول إن هذه الدولة محبة للسلام أو تتطلع لحفظ الأمن والسلام على سطح البسيطة وهي لا تستطيع ان تشرع بداخلها للحد من اقتناء الأسلحة الحربية لمواطنيها، لئلا تغضب كارتل الصناعات الحربية، فكيف لها أن تفعل ذلك أممياً؟

ما تقوم به فعلياً هو إذكاء نار الحروب والفتن عندما تجد أن لها مصلحة في ذلك وحرب دارفور لأكبر دليل أنها لا تتوانى عن التدخل بصراع قبلي موسمي على المياه، لأنها وجدت أن تلك المنطقة تحوي مقدرات وكنوز (ذهب). وهي عندما ورثت الاستعمار القديم رأت أهمية النفط المتواجد في العربة وشمال إفريقيا فمدت الكيان الغاصب بكل أنواع الحياة لجعل المنطقة بحالة حروب دائمة مستغلة الحق الفلسطيني وعندما احتوت الصراع بغزة / أريحا أولا وأوسلو، فتحت كتب التاريخ وذكت الحروب المذهبية والإثنية.

السرد الآنف عليه أن يقودنا إلى خلاصات، هل مقاومتنا كما هي عليه كافية لإجهاض الخطط المرسومة في دوائر القرار؟ هل الدول التي أقيمت بعد سايكس بيكو في المنطقة باستطاعتها استرداد الحق المغتصب في فلسطين مع تجربتها السابقة أو الحالية؟ هل شعبنا يعي مدى خطورة الخطط المرسومة مع التوجهات التي نشهدها داخل مجتمعاتنا (لبنان نموذج)؟

ان تقديم الدماء والتضحيات قد لا يكون كافياً لإجهاض ما هو مرسوم مع حالة التشتت الحالية لمجتمعاتنا فدائما يتواجد من يقدم الخدمات للمشاريع الخارجية بهدف الكسب والنفوذ والسلطة وتاريخنا يزخر بمثال هؤلاء من الشريف حسين لأخر حفيد له.

أخيراً، إمكانية هزيمة المشروع المعد لنا بعد تجربة المقاومة الفذة ازداد منسوبها يبقى أن نحسن إدارة الصراع مع المتغير الدولي الذي نشهده من بكين لموسكو بشرط أن تقوم دولة مركزية بعيداً عن الطروحات الدينية والمذهبية وحتى تلك العقائدية التي تلغي ثقافة المكونات على خلافها ولتحقيق ذلك على كل من قيادة الشام والعراق الذين ابتلى شعبهم بنيران المشروع التخلي عن الأنا الكيانية والنفوذ الذي تحقق لأهل النظام في كلا الكيانين وذلك لا يعني إقامة الوحدة كما كانت تطرح دائما خلال القرن المنصرم بل توفير الغطاء لإقامة دولة سيدة تستجمع قواها وتحدد أولوياتها في الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهذا لن يكون إلا بمد الجسور والتلاقي والحوار البناء، لجعل المصالح المشتركة دولة وشعباً من يقود المرحلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *