اِلتَقيتُ برفيقي وصديقي المفكِّر والكاتب والمناضل الوطنيّ والتَّقدّميّ ناهض حتَّر، لأوَّل مرَّة، في الجامعة الأردنيّة، حوالي العام 1977. كان، في ذلك الوقت، في مطالع عمره؛ لكنَّه كان يبدو أكبر مِنْ سِنِّهِ بكثير؛ فذهنه كان متوقّداً، وأفكاره كانت عميقة، ومظهره كان يوحي بالرَّصانة والوقار.
كان ناهض – آنذاك – مسؤولاً بارزاً ونشيطاً في «اتِّحاد الشَّباب الدِّيمقراطيّ الأردنيّ» الَّذي كان قريباً من «الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ»، وكنتُ مسؤولاً مباشراً عن الطّلّاب الشُّيوعيين في الجامعة الأردنيّة وعضواً في اللجنة القياديّة العليا لقطاع الطّلّاب في الحزب. وسرعان ما توطَّدت العلاقة بيننا وأصبحنا بالكاد نفترق؛ حيث كنّا نُمضي معظم أوقات فراغنا في الجامعة معاً ومع أصدقاء وصديقات آخرين؛ وعندما نغادر الجامعة، كنّا نذهب إلى «رابطة الكُتّاب الأردنيين»، فنمضي هناك أوقاتاً ممتعةً، مليئةً بالأحاديث الشَّيِّقة والحوارات المفيدة العميقة، مع العديد من الأصدقاء الكُتّاب والأدباء. وأحياناً، كُنّا نذهب إلى بيت أُسرة ناهض الَّذي كان – آنذاك – في منطقة وادي سرور، فنجلس ونتابع أحاديثنا بصحبة أصدقاء ورفاق آخرين.
في ذلك الوقت، كانت الأحزاب كلُّها ممنوعةً بموجب قانون الأحكام العرفيّة، باستثناء حزب «الإخوان المسلمين» الَّذي كان الحزبَ الوحيدَ المصرَّحَ له بالعمل والَّذي كانت له مكاتب علنيّة ومؤسَّسات ومصالح اقتصاديّة منتشرة في مختلف أنحاء البلاد؛ بل إنَّه كان يُعَدُّ جزءاً من النِّظام الحاكم، وله حصّةٌ ملموسةٌ في السُّلطة.. خصوصاً في وزارة التَّربية والتَّعليم. وهذا في حين كان يجري إبعادُ كلّ ألوان الطَّيف السِّياسيّ المُعارِض، وفي مقدّمته اليسار، عن جميع الوظائف والمناصب الحكوميَّة.
غير أنَّ المعارضة اليساريّة اِلتَفَّتْ على هذا المنع والاستبعاد بتكثيف نشاطها في المجتمع والمنظَّمات الجماهيريَّة؛ فأصبح لها حضورٌ كبيرٌ في النَّقابات المهنيّة والعُمّاليّة وبين أوساط الطَّلبة.. في المدارس والجامعات وبين المثقّفين والكُتّاب والأدباء. وكان الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ هو العمود الفقريّ لتلك المعارضة.
أذكر، هنا، أنَّه كان يوجد في الجامعة الأردنيّة في ذلك الوقت واحدٌ وعشرون جمعيّة طلّابيّة، وكان مرشَّحونا يفوزون بمقاعدِ سبعةِ عشرٍ منها، أمّا الأربع الأخريات، وهي جمعيّات كليّة الشَّريعة، فكان يتنافس فيها حزبا «الإخوان المسلمين» و«التَّحرير الإسلاميّ»، وكنّا، رغم ذلك، نرشّح فيها رفاقاً ورفيقات.. مع معرفتنا الكاملة بأنَّهم لن يفوزوا.
وبسبب هذا الحضور الكاسح لليسار، والشُّيوعيين خصوصاً، شكَّل الدّكتور عبد الله عزَّام (معلّم أسامة بن لادن والقاعدة في ما بعد) مجموعةً تأتمر بأمره مكوّنةً مِنْ بضع عشراتٍ من الطلّاب، وكانت تلك المجموعة تتعمَّد الاصطدام بنا كلّما نظّمنا مظاهرةً للمطالبة بحقٍّ طلّابيٍّ أو للتَّعبير عن موقفٍ وطنيٍّ أو قوميٍّ.. الخ. كانوا قوّةً ضئيلةً ومحدودةً بالقياس مع أعدادنا الكبيرة آنذاك؛ لكنَّهم كانوا يغامرون للقيام بدور كاسري المظاهرات أو مخرِّبيها، مِنْ أجل إعطاء الأمن ذريعةً للتَّدخُّل بحجّةِ وجودِ مشكلةٍ أمنيّة.
كان الدّكتور عبد الله عزَّام – آنذاك – أُستاذاً في كليّة الشَّريعة في الجامعة الأردنيّة، وأحدَ أبرز قياديي «الإخوان المسلمين» في الأردن وأنشطهم. وكان شديدَ العداء لليسار، بمختلف ألوانه، سواء أكان محليّاً أم عربيّاً أم عالميّاً. وما لبث أنْ أدار ظهره لفلسطين (الَّتي تضمّ مسقط رأسه)، وللقدس الَّتي تُمْكِنُ مشاهدتها مِنْ بعض أحياء عمّان، وذهب إلى أفغانستان ليواصل هناك حربه «المقدَّسة» على اليسار، إلى جانب الأميركيين.. أو بالأحرى، بقيادتهم. وفي تلك الفترة، صدر له كُتيّبٌ صغير، عنوانه «السَّرطان الأحمر»، وقد ملأه بمشاعر الحقد على اليسار وقَلْبِ الحقائق المتعلِّقة بتاريخ اليسار وكفاحه.. مِنْ دون أدنى مراعاة للصِّدقيّة والنَّزاهة والموضوعيّة.
ويحضرني، هنا، مشهدٌ مِنْ مظاهرةٍ حاشدةٍ لنا جرتْ في الجامعة الأردنيّة في العام 1978، احتجاجاً على العدوان الصّهيونيّ الواسع الَّذي شُنَّ آنذاك على المقاومة الفلسطينيّة في جنوب لبنان؛ إذ، كالعادة، اشتبكتْ معنا مجموعة الدّكتور عبد الله عزّام الَّتي سبق أن أشرتُ إليها. وفي خضمّ التَّشابك بالأيدي والأرجل والفوضى التي رافقت ذلك، انتبهتُ فجأة فإذا بعضهم يحيطون بـ «ناهض» وهو يهتف: «تسقط الرجعيّة.. تسقط الرجعيّة..»، وقد راح أحدهم يشدّ ياقة قميص ناهض صارخاً به: «شو قصدك بالرَّجعيَّة؟ شو قصدك بالرَّجعيَّة؟».
مِنْ هذا النَّمط نفسه من الأشخاص، كان الشَّخص الَّذي أُستُخدِمَ بعد عقود لارتكاب جريمة اغتيال ناهض حتَّر، الَّتي هي في الحقيقة جريمة اغتيال سياسيّ أُعطِيَتْ لبوساً دينيّاً.
على أيَّة حال، تذكِّرني قصّة استشهاد صديقي ورفيقي ناهض حتَّر – كما سبق أن ذكَّرَتْ رفيقي أحمد جرادات – بـ «قصّة موت معلن» لـ “غابرييل غارسيا ماركيز“، مع فارق أنَّ قَتَلَة سانتياغو نصَّار، بطل قصّة ماركيز، نشروا، مسبقاً وعلى أوسع نطاقٍ ممكن، خبرَ استعداداتِهم الجارية لقتلِه بتفاصيلِها الدَّقيقة، في كلّ مكان من البلدة الَّتي يشتركون معه في سكناها؛ فقد كانوا في الحقيقة يأملون أنْ يتطوَّع أحدٌ ما ويخبره بذلك، لكي يتدبَّر أمرَه وينجو بنفسِه ويعفيهم من ارتكاب جريمة قَتْلِه. ولكن، لأسبابٍ عديدة، ولسوء حظّ القَتَلَة والقتيل معاً، لم يخبره أحدٌ بما يُدبَّر له، ما أدَّى إلى وقوع المأساة الَّتي كان بالإمكان تجنُّبها. أمَّا قَتَلَة ناهض حتَّر، فقد سعوا إلى ذلك بكلّ خِسّةٍ ودناءةٍ ومكرٍ وغدر. لقد كانوا يكمنون له في كلّ مكانٍ يعتقدون أنَّه قد يكون مناسباً لاقتناصه منه، وهكذا ما إنْ قام بتشيير الكاريكاتير المسمَّى «ربّ الدَّواعش» والَّذي شيَّره آخرون كُثُر غيرُه، حتَّى برزوا مِنْ مكامنِهم ليقنصوه، ويُصفّوا حساباتهم السِّياسيّة (والشَّخصيّة) معه.
ذلك الكاريكاتير – كما هو معروف – يسخر من الكيفيّة الَّتي يتصوّر بها الدَّواعش الذَّات الإلهيّة؛ لكنّ خصومَ ناهض سيِّئي النِّيّة تصرَّفوا بلا أدنى قدرٍ من النَّزاهة والصِّدقيَّة، فأزالوا الإشارةَ إلى الدَّواعش، ليبدو كما لو أنَّه يَسْخَرُ مِنْ تصوّرات النَّاس عموماً لربِّهم. وهكذا، سرعان ما تحوّلت خصومتُهم السِّياسيّة المعروفة معه إلى خصومةٍ دينيّة، وتحوَّل هو مِنْ معارضٍ وطنيٍّ وتقدّميٍّ ثابت إلى كافرٍ ومستهترٍ بمعتقدات النَّاس.
ولقد رتَّبوا، بكلّ خبثٍ، وبلا أدنى حدٍّ من النُّبلِ والفروسيّة، الظُّروفَ الملائمةَ لتجريده مِنْ كلّ أسلحته المشروعة، ليجد نفسَه في النِّهايةِ أعزلاً ووحيداً في مواجهة المسدَّس الَّذي هيَّأوه لقتله. وبعد ذلك، وضعوه أمام خيارين أحلاهما مرٌّ:
الأوَّل هو أنَّهم تركوا له منفذاً مفتوحاً لمغادرة البلاد والنَّجاةِ بنفسه مع بقائه مطلوباً للقضاء؛ وغايتهم مِنْ ذلك هي أنْ يقتلوه سياسيّاً وشخصيّاً بالقول إنَّه هرب مِنْ مواجهة القانون والقضاء لأنَّه يعرف أنَّه مدانٌ وليس صاحبَ حقّ؛ وبهذا، يَحولون نهائيّاً بينه وبين النَّاس الَّذين كرّس حياتَه لهم؛
والثَّاني هو مواجهة قرار القتل الجسديّ، الَّذي صدر عليه فعليّاً بلا محاكمة، مِنْ جريدة «الإخوان المسلمين» («السَّبيل») وجيشِهم الإلكترونيّ، بمؤازرةٍ صريحةٍ، وتناغمٍ مفضوحٍ، مِنْ أرباب السُّلطة بمستوياتهم المختلفة.
وقد فضَّل ناهض، كما هو متوقّعٌ منه، أنْ يضع نفسَه أمام احتمال القتلِ الجسديّ على أنْ يضع نفسَه أمام خيار القتل المعنويّ، وقرّر أنْ يبقى في بلده الَّذي أحبّه إلى حدّ العشق، ومع النَّاس الَّذين كرَّس حياتَه كلَّها للدِّفاع عنهم وعن حقوقهم وقضاياهم، وأنْ يذهب إلى المحكمة ليردَّ عن نفسه التُّهمَ الموجّهةَ إليه ويبرّئَ ساحتَه نهائيّاً؛ لكنّ المسدَّسَ الغادرَ، الَّذي أُعدَّ لاغتيالِه، كان يتربَّص به على أدراج قصر العدل، فحال دون وصوله إلى قاعة المحكمة.
بعد ذلك، عولج الأمر، كما هو معروف، وفق السِّيناريو الشَّائع في أفلام الجريمة الهوليووديَّة، إذ تمَّ التَّخلّص مِنْ أداة الجريمة (المسدَّس البشريّ الَّذي انطلقت منه الرَّصاصات القاتلة) في أوّل فرصةٍ سانحة. وبذلك، أُسدِلَ ستارٌ كثيفٌ على القصّة الحقيقيّة المرتبطة به وبالجريمة التي نفَّذها.. في محاولةٍ مكشوفةٍ للتَّستّر على طبيعة الجريمة وهويّة المجرمين الحقيقيين.
والمسدس – كما هو معلوم – ليس سوى أداةٍ للقتل.. لا أكثر ولا أقلّ. أمّا المجرمون الحقيقيّون فهم الَّذين عبّأوا مخزن المسدَّس بالرَّصاص، وفكّوا صمَّام أمانه، وضغطوا على الزِّناد. أولئك ما زالوا طلقاء، ويتمتَّعون بالسَّطوة والنُّفوذ، ويفكِّرون بالعقليّة الإجراميّة نفسِها تجاه كلّ صاحب رأيٍ وطنيٍّ مستنير، وكلِّ إنسانٍ حُرٍّ وشجاعٍ يحاول التَّصدّي لفسادهم وتَجَبُّرهم. ولذلك، فإنَّ دمَ ناهض حتَّر لا يزال يصرخ على امتداد المكان والزَّمان، وسيظلّ كذلك إلى أن تُكشفَ الحقيقة ويُعاقَبَ المدبِّرون الحقيقيّون لتلك الجريمة البشعة.
واستهداف ناهض بالقتل – لمَنْ لا يعرف – لم يكن أمراً طارئاً؛ بل كان مكرَّراً؛ فحين فَتَحَ ملفَّ الفساد والاستبداد في العام 1998، بعثوا بلطجيَّتهم ليكمنوا له ليلاً أمام بيته ويحاولوا اغتياله أمام زوجته وأطفاله. وكادتْ تلك المحاولة أنْ تنجح؛ حيث إنَّه خضع بسببها لعلاجاتٍ مكثّفة وجراحاتٍ دقيقة، وتمّ اقتطاع حوالي مترين مِنْ أمعائه، وظلّ – منذ ذاك وحتَّى استشهاده – مضطرّاً لتناول أدويةٍ باهظة الثَّمن لكي يواصل الحياة ويواصل الكفاح مِنْ أجل وطنه وشعبه وأمّته.
وقبل هذا وبعده، تعرَّض ناهض للعديد مِنْ عمليّات الاعتقال، كما أنَّه تعرّض طوال الوقت للشّيطنة على أيدي الفاسدين والمستبدّين وحلفائهم من المتاجرين بالدِّين الَّذين يستغلّون عواطفَ النَّاس الدِّينيّة لخدمة أغراضهم السِّياسيّة الخاصّة.
وممّا يثير الإعجاب بشخصيّة ناهض والطَّريقة الَّتي أمضى بها حياتَه، أنَّه كان طوال الوقت يعمل باتّجاهاتٍ مختلفةٍ ومستوياتٍ متباينةٍ ويتواصل مع أشخاصٍ كثيرين يختلفون في توجّهاتهم وشخصيّاتهم وأنماط تفكيرهم، لتحريك الواقع السِّياسيّ الرَّاكد الَّذي عملت السُّلطة الحاكمة، بالتَّعاون مع «الإخوان المسلمين»، سنين طويلة، مِنْ أجل تجريفه وتجفيف منابعه وروافده. فكانت اللقاءات، الَّتي يرتِّبها، تتواصل في بيته وفي أماكن أخرى مختلفة.. وحتَّى خارج البلاد، كما كان يُنشئُ الصُّحفَ والمواقعَ الإلكترونيّةَ المختلفةَ، ويدرِّب فيها (ويهيّئ) كوادرَ جديدةً باستمرار، فما إنْ تصبح تلك الكوادرُ قادرةً على الاعتماد على نفسِها، حتَّى يترك لها تلك الصُّحفَ والمواقعَ والمنابرَ لتواصل عملَها فيها بصورةٍ مستقلَّة. وكان أيضاً يبذل جهوداً كبيرةً لتأسيس الأطر الحزبيّة والمجموعات السِّياسيّة والجمعيّات والهيئات المدنيّة الَّتي يشترك معها في الخطوط العريضة مِنْ مبادئها وأهدافها، وعندما تتأسّس لا يتبوّأ فيها أيّ مواقع قياديّة، بل يترك قيادتَها لآخرين. وفي هذه الأثناء، لم يكن يكفّ عن كتابة المقالات والتَّحليلات والكتب والدّراسات.. في التَّاريخ والسِّياسة والأدب والنَّقد الأدبيّ والفلسفة.
وتجدر الإشارةُ، هنا، إلى جهدِه المميّزِ في تجميع مقالات غالب هلسا ودراساتِه الَّتي كانت متناثرةً في عددٍ كبيرٍ من الصُّحف المصريَّة والعراقيَّة والسُّوريَّة واللبنانيَّة وسواها، ليُصدرَ منها عدّةَ كتبٍ قيِّمة لهلسا، منتشرة الآن في مختلف أنحاء العالم العربيّ.
و«ناهض»، هو أيضاً، مَنْ نبش عن «الكتاب الأسود في القضيّة الأردنيّة العربيّة»، الَّذي صدرت طبعته الأولى في العام 1929 عن اللجنة التَّنفيذيّة للمؤتمر الوطنيّ الأردنيّ. وهو كتابٌ تشرح فيه اللجنة، بالوثائق والوقائع، مظلمةَ الشَّعب الأردنيّ على يد الانتداب البريطانيّ واتباعه. وقد أصدر ناهض طبعةً ثانية، من «الكتاب الأسود» ذاك، في أواسط ثمانينيّات القرن الماضي، ووضع لها مقدّمةً عميقة تشرحُ أبعادَ المرحلة الَّتي وُضِعَ فيها الكتاب.
ولذلك كلّه، لا عجب أنَّهم تخلَّصوا مِنْ ناهض في النِّهاية بتلك الطَّريقة الإجراميَّة الخبيثة اللئيمة. لكنّنا نقول لهم (وسنظلّ نقول): أيّها القتلة البشعون، نحن نعرفكم جيّداً، وشعبنا يعرفكم أيضاً، ولن تستطيعوا إخفاء أصابعكم الملوَّثة بالدِّماء إلى ما لا نهاية. وإذا عجز القانون عن محاسبتكم اليوم، فسيأتي حتّماً اليوم الَّذي يحاسبكم فيه التَّاريخ ويحاسبكم شعبُنا.
وإذا كنتم تظنّون أنَّكم، بهذه الجريمة الخسيسة، قد تمكّنتم مِنْ إزاحة ناهض حتَّر مِنْ طريقكم بصورة نهائيّة وإسكات صوته إلى الأبد؛ فإنَّكم لا بدَّ قد اكتشفتم الآن أنَّ ناهض لم يكن مجرّد كتلةٍ من اللحم والدَّم يسهل التَّخلّص منها برصاصة أو بأيّ وسيلة قتل أخرى رخيصة؛ بل هو فكرة، والفكرة إذا كانت أصيلة وعميقة لا تموت بموت صاحبها، بل تكتسب حياةً جديدةً وتزداد سحراً وألقاً. ومعها، يزداد ذِكْرُ صاحبها امتداداً وسطوةً. ولهذا السَّبب، فإنَّنا نراكم الآن تلاحقون شبحَ ناهض في كلِّ مناسبةٍ وفي كلّ مكان، متخيّلين أنَّكم، وكلّ المتواطئين معكم، تستطيعون دفنَ ذِكْرِهِ مع جسدِه، وإطفاءَ سحرِهِ وألقِه. لكنّكم ستكتشفون، يوماً عن يوم، وسنةً عن سنة، أنَّ هذا السِّحرَ لا ينفكّ يكبر وأنَّ هذا الألق سيظلّ يعظم.. رغم كلّ مكائدِكم وتدابيرِكم البائسة الَّتي سترتدّ عليكم.
سعود قبيلات