أصبح السيناريو المعتمد عند المخرج الأميركي واضح المعالم، يبدأ بالحصار الاجتماعي الاقتصادي، وينتهي باستغلال الحاجة ولقمة العيش لدى الأبرياء وتحويلها إلى نقمة مطعّمة بما يسميه حقوق الإنسان والحريات، معيداً تدويرها إلى ثورة ملونة تقضي على الانتظام العام عبر تخريب مؤسسات الدولة ليتسنى استثمارها في مشروعه السياسي. هذا الأنموذج اعتُمد في الكيان اللبناني، فيما عرف ب”ثورة 17 تشرين”. واعتُمد في بداية الحرب على الشام، ويُعتمد كذلك في العراق، وفي كافة الدول التي تشكل هدفاً حيوياً أو امتداداً لهدف في مشروعه. طبعاً لا نتكلم عن الأفراد والمجموعات البريئة سياسياً التي تبحث عن مطالب مشروعة ضمن حدود الإمكانيات المتاحة. ففي مثال السويداء، ليست الدولة في الشام من أحكمت الحصار بل الولايات المتحدة من وضع قانون “قيصر”، وليست الدولة في الشام من زرع المجموعات المسلحة على تخوم المحافظة لتهاجم القرى والمدن والبلدات الآمنة تحرق زرعها وتدمّر منازلها وتعتدي على أملاكها ورزقها، بل من صنعتهم الولايات المتحدة وتركتهم يعيثون فساداً في الأرض والضرع؛ وإن كان هناك بعض من يتظلّلون الدولة لتنفيذ مآرب خاصة ويمارسون الموبقات ويستغلون الظروف لأطماع فردية، فالدولة كفيلة بوضع حدٍّ لهم.
في الواقع لا يمكن الاكتفاء بهذا المشهد فقط في الجنوب الشامي اذا لم نعرج على مجمل اللوحة، بما فيها شبكة المصالح المتقاطعة في الشمال السوري التي ترتبط دون أدنى شك بما يحدث في الجنوب. إن تضارب المصالح في غرفة عمليات عينتاب الشمالية بين الولايات المتحدة الاميركية وتركيا، وخصوصاً مأزق أردوغان فيما يتعلق بعملية “المخلب السيف”، والمعارضة التي يواجهها في إقامة “المنطقة الآمنة”، عطلت وإلى حد بعيد فعالية هذه الغرفة السوداء. على أنقاض هذا المعطى، أوعزت الولايات المتحدة للكيان الزائل وأتباعها من أعضاء غرفة موك بإعادة الفعالية لها وتحريك الجبهة الجنوبية لديمومة إشغال القيادة الشامية بعد الأنباء التي رشحت عن إمكانية لقاء الرئيس الأسد مع أردوغان بموسكو نتيجةً لوساطة روسية/ايرانية، مستفيدة من انشغال موسكو بالعملية الخاصة في أوكرانيا.
كادت أحداث السويداء تُقرأ بوصفها مسألة عابرة لو لم يتنطح أذناب الماسون القدماء والماسونيون الجدد إلى النفخ في رماد الفتنة، فنضحت مخالبهم سمّاً، وبانت وجوههم الحقيقية، وانكشفت عوراتهم المستورة، مستعيدين أحلامهم القديمة الجديدة ببناء دولة رفضها سلطان باشا الأطرش، ويرفضها أبناء العزة والكرامة والشرف من مواطني الجبل الأشم.
كادت أحداث السويداء تبدو عادية لو لم تترافق مع خطوات يرسمها الماسون للتطبيع مع الكيان الزائل عبر وفود تشارك في مؤتمرات مشبوهة، وأموال تتدفق من هذا الكيان تحت عناوين مساعدات انسانية.
كانت أحداث السويداء طبيعية، لو لم تكرّم حفنة الماسون هذه من قتل مع جبهة النصرة، ورفضت تكريم الأبطال كاللواء زهر الدين.
كان من الممكن تجاوز هذه الأحداث واعتبارها تفلتاً فردياً، لو لم تذكرنا بمذبحة “كرم لوزة” والقرى المعروفية أخواتها بجبل السماق في إدلب، والسكوت عن عشرات الشهداء، واعتبارها عملاً فردياً، فباع دماءهم وسكت عن انتهاك أرضهم، ليس مراضاة لحلفائه فقط، إنما لمقايضتهم على السويداء وأبنائها الأبطال طمعاً في توسيع دائرة إمارته الشلو. فكان رد هؤلاء الأبطال وقفات عز في مطار “الثعلة” وغيره من المواقع، سطروا فيه تاريخ الجبل المجيد إلى جانب موقعة “القريّة” في الثورة السورية الكبرى .
رئيس المؤتمر القومي العام وليد زيتوني