“لم يكن المسيح يهوديا، ولم يكن له “آباء يهود”…. فلا يصحّ أن يُقال أنّ المسيح كان يهوديا، فهو ابن الـــبـــيــئـــة الـــســـوريـــة “.
ســـعـــاده
نشرت مجلة “الشراع” بتاريخ 17 آيار 1997مقالة جاء فيها: “الكنيسة المسيحية لا تبحث في القوميات، وبالتالي لا تنسب المسيح إلى قومية ما، السؤال المسيح يهودي أم غير يهودي؟ طــبــعــا يهودي، هذه لا تحتاج إلى بحث. القرآن يقول ذلك. المسيح بجنسه، بلحمه، بدمه، متحدّر من امرأة يهودية ينسبها العهد الجديد إلى داوود، والناس كانوا يخاطبون المسيح ويتوجهون إليه على أنّه ابن داوود“.
بداية، نقول إنّ الإدعاء، بأنّ “المسيح طبعا يهوديّ”، بحاجة إلى بحث ودرس، وذلك خلافا إلى ما ذهب إليه القول المشار إليه، بأنّ ذلك “لا يحتاج إلى بحث”.
يستهدف هذا الردّ فكرة تاريخية تهدف إلى تهويد رسالة سماوية إنسانية، وحصرها في مفهوم قبلي، يختصّ بجماعة مختارة، رأت بـ “الله” مجرّد عامل في مصلحة عقارية، يهبها أرضا، ليست ملكا لها، لتنشئ “أمّة” على حساب إفناء شعب وإلغائه من الوجود.
وتسهيلا للردّ نقسم ماورد في المقالة إلى أربعة عناوين رئيسية:
العنوان الأول: “الكنيسة المسيحية لا تبحث في القوميات، وبالتالي لا تنسب المسيح إلى قومية ما. السؤال: المسيح يهودي أم غير يهودي؟ طبعا يهودي”!
السؤال: أليست اليهودية “قومية دينية” عنصرية، لا تعترف بالغير، وتعمل على إلغائه إنطلاقا من وهم توراتي – تلمودي يتحدث عن “شعب مختار”، و “أرض ميعاده”(أليست القومية أرض وشعب؟ وإذا جرّدت القومية من عنصري الشعب والأرض، ماذا يبقى منها؟). وقد صيغ هذا الوهم- الوعد في قالب ديني – سياسي، يتمحور حول خديعة إنتظار “مسيح” لم يأت بعد، وسيأتي، وفق أوهامهم وخرافاتهم، بعد تمام “دينهم” الذي لن يتم حسب أكاذيبهم، إلا بعد اكتمال أرضهم، بين نهري دجلة والفرات، والى ذلك يشير الخطان الزرقوان في علم “إسرائيل” المسروقة نجمته السداسية من تراثنا الحضاري. وقد تأسست الصهيونية لتنظّم عملية إنشاء ” الأمة اليهودية”، وبعث روحيتها أي “القومية اليهودية”، العنصرية المعادية لمبدأ الخير الإنساني العام الذي هو جوهر الأديان والشرائع الدينية والمدنية.
في مقالة للسيد المطران جورج خضر نشرت في جريدة “النهار” البيروتية بتاريخ 15/8/1972، ورد فيها حرفيا: “أما آن للمسيحيين أن يفهموا أنّ الصراع ليس حول أرض فحسب، فالذي يزعج إسرائيل في الدرجة الأولى هو شخص تاريخي كسر القوقعة اليهودية، فتّت قوميتها بدعوته إلى ديانة عالمية، لا وزن فيها للعرق والدم والسياسة واللغة”.
بناء على ما تقدم، وبما أنّ الكنيسة المسيحية، لا تبحث في القوميات، وبما أنّ اليهودية “قومية” من نوع خاص، وبما أنّ المسيح لا ينسب إلى قومية، كما ذكرتم، وخصوصا إلى قومية عنصرية، فإنّه كنتيجة، لا يجوز نسبة المسيح إلى القومية اليهودية، وتصبح هذه الــ “طبعا يهودي”، فيما ذهبتم إليه لاغية، بل كافرة.
العنوان الثاني: فقرة أخرى، تؤكد يهودية المسيح، استنادا إلى ما ورد في القرآن الكريم “هذه لا تحتاج إلى بحث (أي يهودية المسيح)، القرآن يقول ذلك..”.
لنقرأ ماذا يقول القرآن في ذلك: “واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا. فاتخذت من دونهم حجابا، فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشرا سويا”، من سورة مريم وهي مكيّة.
ومن سورة آل عمران وهي مدنية:” قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يبشرّك بكلمة منه اسمه المسيح”.
يؤيد القرآن الكريم في هاتين الآيتين، وفي غيرهما، ما ذهب إليه كتبة الأناجيل، من أنّ المسيح هو روح الله وكلمته:
يقول متى (18:1): “أمّا ولادة يسوع المسيح، فكانت هكذا: لما كانت مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من الروح القدس”.
يقول مرقس (1:1):”بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله”.
يقول لوقا (35:1):”فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحلّ عليك، وقوّة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى إبن الله”.
يقول يوحنا (14:1):”والكلمة صار جسدا بيننا، ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الأب مملوءا نعمة وحقا “.
العنوان الثالث: “المسيح بجنسه، بلحمه، بدمه، متحدر من امرأة يهودية ينسبها العهد الجديد إلى داوود، وبولس الرسول ينسبها إلى داوود”.
ممّا لا خلاف عليه، أنّ مريم وفق أناجيل الكنيسة، والقرآن الكريم، لم تعرف رجلا في حملها للسيد المسيح، ولم يشذ عن هذه القاعدة إلا “التلمود”(كتاب تعليم اليهود وآدابهم)، الذي اعتبر أنّ ولادة المسيح كانت “عن طريق الزنا”، وفي هذا الإطار، يؤكد المطران خضر” أنّ من جوانب هذا الصراع بين المسيحية واليهودية تشنيعها لصورة العذراء، التلمود أذته طهارتها، فأهانها بأقبح قول..”، راجع جريدة “النهار”، تاريخ 15/8/1972
وهل هناك أقبح من هذا القول في “التلمود”: “إنّ يسوع الناصري موجود في لجان الجحيم بين الزفت والقطران والنار، وإنّ أمّه مريم أتت به من العسكري باندرا بمباشرة الزنا”؟ لعنة الله على اليهود وتلمودهم وأتباعهم!
إذن، بناء على ما تقدم، لا ينسب المسيح من حيث الأب إلى اليهود، وتاليا أيّ نسب للمسيح، من ناحية”اللحم والدم والجنس”، يرتبط بأمه مريم الطاهرة والبتول، وأيّ بحث في محاولة تثبيت هذا النسب أو نفيه، يتعلّق بوالدته مريم، وبنسبها لــ داوود، الذي لم يكن يهوديا كما ورد في كلّ من الإنجيل والقرآن الكريم الذي ينبه إلى فرية (كذبة) إدعاء التوراة المحرفة، القائلة إنّ ابراهيم الخليل وحفيد يعقوب من أنّ أجداد اليهود من نسلهما ، ففي الآية الكريمة :”ما كان ابراهيم يهوديا، ولا نصرانيا، ولكن حنيفا مسلما، وما كان من المشركين”. ما يوضح بأجلى بيان نفي هذا الإدعاء من أساسه. خصوصا أنّ السيد المسيح نفسه تبرأ من أبوة داوود له، قاطعا بذلك كلّ تأويل خلاف ذلك. يقول الإنجيلي متى:” وفيما كان الفريسيون (فرقة يهودية) مجتمعين سألهم يسوع، قائلا ماذا تظنّون في المسيح، ابن مَن هو؟
قالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربّا قائلا: قال الربّ لربّي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فإن كان داود يدعوه ربّا فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتا”. متى: الإصحاح 22، الأيات من 41 إلى 46.
ويؤكد الإنجيلي لوقا ما ذهب إليه الإنجيلي متى، قول السيد المسيح: “كيف يقولون إنّ المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول في كتاب المزامير ” قال الربّ لربّي إجلس عن يميني، حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك، فإذا كان داود يدعوه ربا، فكيف يكون ابنه”، لوقا 4:20.
لم يرفض السيد المسيح، فقط، أبوة اليهود له، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ اعتبر أنّ اليهود، ليسوا من الله، بل من أب هو الشيطان القاتل- المجرم والشرير:” أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك(أبيكم) كان قتّالا للناس من البدء، ولم يثبت في الحقّ لأنّه ليس في حقّ”
كما نعتهم، في مكان آخر بــ “بالقتلة والحيات وأولاد الأفاعي” عندما استدرجوه في “المرأة التي أمسكت في زنى”. وعندما حاولوا قتله “لكنكم تطلبون أن تقتلوني..”. وعندما ذكّروه بأنّه ولد “من زنى”. وعندما قالوا له “ألسنا نقول حسنا أنّك سامريّ وبك شيطان؟”. وجوابه “أنا ليس بي شيطان، لكني أكرم أبي وأنتم تهينوني”. ينهي يوحنا الإصحاح الثامن من إنجيله بنفي السيد المسيح لبنوته حتى لــ ابراهيم، “قال يسوع لهم (لليهود) الحقّ الحقّ أقول لكم قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن، فرفعوا حجارة ليرجموه، أمّا يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم، ومضى هكذا”.
السؤال، في هذه الحالة، إذا كان السيد المسيح يعتبر اليهود أنّهم من أب قاتل شرير، هو إبليس ـ الشيطان، وأنهم أولاد الأفاعي والحيات، فكيف يكون ابنا لهم؟ إنّها الخديعة اليهودية، فاحذروها!
بناء، على ما ذُكر، فإنّ كلام السيد المسيح، يتقدم على كلّ ما ورد، في “الكتاب المقدس” بعهديه القديم (المشكوك في معظمه) والجديد، وما ورد أيضا بأقلام رجال دين ومدنيين، مهما علت مراكزهم ومراتبهم، وخصوصا فيما خصّ نسبه. أضف إليه، أنّ كلّ ما يتعارض مع شمولية رسالة المسيح، هو محرّف أو مدسوس، وقد حان الوقت لتطهير الكتاب المقدس، من كلّ الشوائب التي تسيء إلى التعاليم المسيحية السامية، خصوصا فيما يتعلّق باليهود الذين أنزلهم السيد المسيح منزلة الأبالسة والقتلة والأشرار.
العنوان الرابع: “والناس كانوا يخاطبون المسيح ويتوجهون إليه على أنّه إبن داود “!
ما كانت هذه الفقرة بحاجة إلى الردّ لأنها لزوم ما لا يلزم، لأنّ داود لم يكن يهوديا، ولأنّ السيد المسيح رفض أبوته. ولكن تستوجب هذه الفقرة الردّ، لأنّ البعض بنى مقولته بيهودية المسيح على أبوة داود له، مستشهدا فيها، على “مخاطبة الناس للمسيح بأنّه ابن داود”؟ّ!
هل نأخذ بأقوال العامة من الناس وغوغائيتهم؟ فإذا كان الجواب نعم، فإنّ اليهود والرومان كانوا على حقّ في كلّ ما تعرّض له السيد المسيح على أيديهم القذرة، أليست العامة من الناس هي التي اختارت الصلب للمسيح والعفو عن بارباس؟ أليست العامة التي كانت تزحف وراء المسيح وتهلّل له، هي هي كانت بين الجموع التي ناشدت بيلاطس البنطي لصلب المسيح، بناء لحكم المجمع اليهودي، وإطلاق سراح المجرم بارباس؟
ألم نسمع أصوات الناس تطالب بإطلاق الأسير المجرم باراباس وصلب السيد المسيح، ففي العودة إلى إنجيل متى الإصحاح السابع والعشرين، نقرأ:”…ولكنّ رؤساء الكهنة والشيوخ(اليهود)حرّضوا الجموع (الناس) على أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع” وتعالت صرخات الناس: ليصلب، ليصلب. وهكذا كان، وهكذا تأيدت “عدالة” الناس! بــ “الحرية” للمجرم، و”الموت” للسيد المسيح.
لقد حسم المجمع النيقاوي المسيحي الأول، عام325م وخلافا لــ “أقوال الناس”، الجدل الذي قام حول نسب السيد المسيح، واعتبره “ابن الله”، وقطع كلّ علاقة له بأبوة داوود.
المسيح ليس يهوديا.. المسيح هو ابن البيئة السورية. إبن سورية الطبيعية، ابن مريم بنت عمران، وقد أكّدت المؤرخة الإنكليزية Weigall سورية المسيح من جهة الأم . في سورية ولد السيد المسيح، وفي سورية نشأ وتنقل وعلّم واستشهد، وفيها المغارة التي ولد فيها، والبيوت التي عاش فيها والطرقات التي مشى عليها، والجلجلة التي صلب عليها، والقبر الذي قام منه وصعد إلى السماء. ومنها انتشرت المسيحية إلى أرجاء العالم، وقد خصّ الإنجيل المقدس سورية بالذكر، في وصف انتقال يسوع الناصري إلى الجليل ونواحي صور وصيدا (راجع إنجيل مرقس الإصحاح السابع).
أما “المسيح اليهودي”، فلم يأتِ، لأنّ لا وجود له، ولن يأتي، لأنّ “الدّين اليهودي” باطل وشرّ ولن يكتمل، ولن ينجح اليهود باغتصاب أرضنا لإقامة “إسرائيل” من النيل إلى الفرات. إنّ “أرض الميعاد” الموعودة بالوعود الباطلة من يهوه إلى بلفور إلى كامب دايفيد إلى “تطبيعات” عرب الخيانة، ليست ولن تكون أرضا لليهود. إنّها أرض وطننا، في رسالتيه المسيحية والمحمدية ومنابعهما الفكرية السورية.
إنّ الحروب الإجرامية التي تشنّها الدول المارقة على أمتنا منذ ما يقارب الــ 500 عاما، من أجل إبادتنا واغتصاب ارضنا و”إهدائها” لــ “شعب الشيطان”، لن تزيدنا إلا تعلقا بأرضنا، وإصرارنا على مواجهة المعتدين، مهما كبر حجمهم، وتطوّرت أسلحتهم التدميرية الإجرامية..