حسن نصر الله… على طريق فلسطين

مضى قائداً شجاعاً لا يهادن ولا ينحني، صاحب الهامة العالية، الذي ما عرف المساومات، فكان له ما أراد شهيداً على طريق القدس، التي لطالما منى نفسه ان يصلي فيها، إماماً لكل أحرار الأرض عندما يحين أوان العودة.

غادرنا وفلسطين في أمسّ الحاجة إليه، وغزة التي أبى أن يتركها وحيدة تواجه طغيان المحتل وجبروته.

لقد آمن بالمواجهة الجامعة الواحدة لمقدرات الامة في معركتنا القومية التحريرية التي تجمع الساحات والقدرات في كياناتها، ولو مقسمة. وقد تجلى ذلك في سعيه الدائم لتخطي حدود سايكس بيكو يوم تصديه للإرهاب التكفيري وصنّاعه في الشام ولبنان بالأمس، وفي غزة اليوم.

ثابت في مواقفه، لا تزعزعه أو تهزه نائبة أو أزمة وفي حضور متميز قلّ نظيره.

هل أحد مثله قدم ابنه على مذبح الوطن مساويا نفسه بأهل الشهداء الصابرين ودون السؤال عن مكسب أو شكر؟

هل أحد مثله استطاع إنجاز الانتصارات والتحرير لجنوب لبنان منذ العام 2000 إلى حرب 2006، مقدما كل ذلك إلى كل الوطن دون اختزاله لنفسه؟

هل أحد مثله استطاع أن يهز هذا الكيان الغاصب ويجعله أوهن من بيت العنكبوت، مكرسا ولسنوات طويلة حالة توازن القوة بين لبنان ودولة العدو ومتخطيا بذلك استبدادا طال لهذا العدو الرافض لكل اشكال التقيد بالمقررات الأممية منذ إعلان دولته الاستيطانية عام 1948؟

انه حضوره الواثق والحاضن للجميع من قبل المقاومة المتفاعلة في المجتمع، والتي صانها بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.

يصعب مقارنة هذه الشخصية المتميزة بأحد ممن جاء قبله اوحتى بعده.

رغم كل ظروفه الأمنية التي رافقت انتصاراته وجعلت عين العدو عليه، كانت تحميه الدعوات والحرائز والبسملة من احبته، فناسه تعرفه بتفاصيله ويومياته وصدقه وإيمانه هو قديسها وعشقها وله يهتف لقلب. . . “احفظ لنا نصر الله “.

لم يمر قائد عشقه جمهوره كما حصل مع السيد نصر الله، وليس جمهوره وحسب، بل حتى جمهور حلفائه، كان هو القاسم المشترك حباً وتقديراً، اما للخصوم فكان شوكة في الحلق.

المفجوعون اليوم بغيابه يتركون للتاريخ القادم مسؤولية اظهار حجم تميز هذه الشخصية الفذة ومدى عمق ودينامية عقل هذا القائد السيد.

حزننا كبير، ولكن اعتزازنا الأكبر أننا عشنا في زمنه هللنا وفرحنا به وتنفسنا معه الصعداء عند انحسار الأزمات، وأيضا عند اشتدادها. فخرنا اننا تشاركنا واياه هموم بلادنا الكثيرة وكان الحل من عنده بصبره وآناته واقدامه … وأيضاً لطفه ودماثته وتواضعه.

سيبقى السيد حسن نصر الله علماً ورمزاً ميز السنوات الأخيرة من هذا العصر، فكان عصر المقاومة، التي نراهن عليها لتحرير فلسطين وقد اشتعلت جذوة تحريرها ولن تنطفئ ابدا، بعدما تأكدت لغة القوة كخيار وحيد لتحريرها باعتبارها القول الفصل.

هنيئاً له شهادة سعى لها ونالها على طريق فلسطين كما أحب واشتهى. ونقول له غداً عندما ننال النصر “نعدك بأنك ستكون معنا أماما للصلاة ليس في المسجد الأقصى وحسب، بل بكنائس القدس وبيت لحم والناصرة، لأنك ما ميزّت مرة وهذا ما ميزك يا أشرف الناس”.

رئيسة التحرير