المواجهة الساخنة والتحديات المستقبلية للمنطقة

المجزرة السيبرانية التي ارتكبها العدو الإسرائيلي بحق اللبنانيين الأسبوع الماضي، ووقف أمامها البعض متعجبا ومستهجنا، كما وصفت بأنها جريمة حرب، أظهرت وكأن هذا البعض لا زال لتاريخه يعتقد ان هناك شرعية دولية ترعى حقوق الدول والأفراد وتسعى جاهدة إلى فض النزاعات بالطرق السلمية وتستخدم القوانين الدولية بحق المعتدي، وتلجأ للأدوات اللازمة من فصول مجلس الامن الدولي لعقاب من ينتهك تلك الارادة.

منذ بداية الصراع مع هذا العدو، في أعقاب نهاية الحرب العالمية الاولى وحال البعض في بلادنا لا زال كما هو: مغفلون، بسطاء، سذج، وكما يقال بالعامية (نغرق بشبر مي). كل الاحداث والحروب التي جرت لم تعلمنا شيئاً ولم نستوعب ما يدبر ويحاك لنا من قبل الدول الكبرى وحتى من تلك التي تتجه للانضمام لنادي الكبار إقليمياً ودولياً.

فيما مضى، اعتقد البعض ان المسألة هي فقط حل ازمة يعيشها الغرب مع أقلية يهودية لم تستطع مجتمعاته هضمها لقرون، وان لدينا الإمكانية لاستيعاب تلك الأقلية كونهم عاشوا في ظل الخلافة، وتنعموا بحرية توجت بالأندلس، بعصر ذهبي لهم لم يعيشوا مثيله حتى عندما كانوا حاكمين، ان بمملكة إسرائيل او يهوذا، كما يزعمون. وساهم عاهلا مصر والأردن في مساعدة دول الانتداب بتمرير مشروع الدولة الجديدة. بالطبع، اضافة إلى شخصيات متنفذة تتطلع للعب دور سياسي او اقتصادي جذبها المشروع وساهمت في احيائه.

الذي حدث عليه ان يحث الجميع، ممن يراهنون على امكانية تحقيق سلام مع هؤلاء، على اعادة النظر باستراتيجياتهم، فبالأمس اغتصبوا فلسطين ولن يردعهم شيء عن توسيع رقعة اغتصابهم لتشمل المنطقة برمتها. وإن كانوا لا يستطيعون ملأها بالديموغرافية اللازمة منهم، يكفي ان يضعوا بيادق على رأس الممالك والجمهوريات ممن يبحثون عن الجاه والنفوذ كما يفعل الصهاينة اليوم في دول الغرب.

الوقت يداهم الجميع، المنبطحون منهم والممانعون، وان حملوا شرف التصدي. فما كان في الازمنة الغابرة لا يمكن اعادة تطبيقه اليوم، فالنماذج التي قدمت بعيد انشاء الكيانات الحديثة، الملكي منها والجمهوري، لم تستطع تثبيت شرعيتها لا بالأموال ولا بالإرهاب الأمني ولا حتى بالعقائد على خلافها، الدينية منها والوضعية. والاصلاح الديني غير متوفرة شروطه اليوم نظراً للانقسامات الجذرية لشتى المعتقدات. تبقى مسألة هامة ظهرت بعيد المجزرة وهو التضامن الشعبي وحتى السياسي وان كان خجولاً لدى البعض، ان الاستثمار في ذلك وتوسيع رقعة التضامن الاقليمي لإنجاز وحدة مجتمعية حقيقية داخل الكيانات بات امرا ملحا ومستعجلا، بحيث يذهب الجميع الى بناء الدولة العصرية الحامية التي تكفل كرامة الجميع في مواجهة التحديات الخارجية.