الإسكندرونة… اللواء السليب

   خلال الإحتلال العثماني لبلادنا، كان لواء الإسكندرونة تابعاً لولاية حلب، حيث كان منفذها على البحر السوري، وفي مراسلات الحسين بن علي مع هنري مكماهون التي جرت في العام 1915، اعترفت بريطانيا بأن مدن مرسين، أضنة، ماردين، وأورفا، والمناطق الواقعة بينها هي أراضٍ سورية، وهي تشمل كامل مناطق لواء الإسكندرونة، ووفقاً لإتفاقية سايكس – بيكو، فإن الساحل السوري الشمالي والذي يضم اللواء، يقع ضمن مناطق الإدارة الفرنسية، وعند قيام المملكة العربية السورية في العام 1918، كانت مناطق اللواء جزءاً منها، وقد حضر ممثلون عنها إلى المؤتمر السوري العام في حزيران 1919.

    خلال فترة الانتداب الفرنسي، أصدر الجنرال غورو ما سُمي بمراسيم التقسيم والتي قضت بتقسيم سورية إلى دويلات منفصلة، خاضعة للانتداب الفرنسي، وكان لواء الإسكندرونة أحد هذه الدويلات، إضافة إلى الدويلات الأخرى: دمشق، حلب، جبل العلويين، جبل الدروز ولبنان الكبير، بعدها قامت فرنسا بتسليم مناطق سورية الشمالية (من خلال إتفاقية لوزان عام 1923) إلى تركيا، والتي شملت مدناً سورية عديدة مثل: الرُها، عين تاب وماردين، فيما أبقت على لواء الإسكندرونة ضمن المناطق السورية.

    كان الفرنسيون خلال فترة انتدابهم على اللواء، قد بدأوا التخطيط لفصل اللواء من جديد، إرضاءً للجمهورية التركية، وبعد انضمام الدولة السورية إلى عصبة الأمم عام 1936، وكان لواء الإسكندرونة ضمن أراضيها، رفضت تركيا إبقاء اللواء ضمن أراضي الدولة السورية، وطالبت بتحويله إلى دولة مستقلة، تمهيداً لضمه لاحقاً، ورفعت تركيا القضية إلى عصبة الأمم بدعم فرنسي، فقامت عصبة الأمم بإرسال مراقبين دوليين إلى اللواء، وخلال وجود بعثة المراقبين في اللواء، كانت تجري محادثات سريّة بين فرنسا وتركيا، حيث إتفقتا على فصل اللواء وجعله منطقة مستقلة ذاتياً، وفي 29 أيار 1937 أصدرت عصبة الأمم قراراً قضى بفصل اللواء عن سورية، وقد إستقبلت تركيا هذا القرار بإرتياح وترحيب كبيرين.

    في 23 حزيران 1938 إتفقت فرنسا وتركيا على إدخال 2500 جندي تركي إلى اللواء للمشاركة في حفظ الأمن، فغادرت اللجنة الأممية، وفي 2 أيلول 1938 عقد مجلس اللواء الجديد جلسته الأولى، وانتخب رئيساً له، وشُكل مجلس وزاري من الأتراك، ثم أعلن عن قيام دولة هاتاي التُركيّة في اللواء، وبدأت مرحلة تتريك كاملة، طالت كل شيء، بدءاً من إلغاء التعليم باللغة العربية، وتبنّي الليرة التُركيّة كعملة رسمية، كما تم تغيير كافّة أسماء المناطق من العربية إلى التركية، وتعرّض السوريون في اللواء لحملات تضييق استمرت عقوداً، وتسببت بهجرة الكثير منهم، بالتوازي كان يتم نقل آلاف الأتراك وتوطينهم في اللواء بهدف تغيير هويته السورية بالكامل، وظلّت قضية اللواء سبباً للتوتر الشديد في العلاقات بين تركيا وسورية.

وأرسل الـحزب السوري القومي للحكومة الشامية في 30 كانون الثاني 1937 الـمذكرة الآتية: [1] 

    إنّ إزالة السيادة السورية عن لواء الإسكندرونة ووضعه تـحت تقلبات السياسة والـحزبية الأجنبية يكون خسارة كبيرة للأمة السورية وإجحافاً بحقوقها وخطراً على كيانها وحياتها.

    والـحزب السوري القومي يعلن أسفه للموقف الذي وقفته الـحكومة السورية من الـمناورة التركية التي انتهت بتكليل جهودها بالاتفاق الفرنسي ــــ التركي على نزع السيادة السورية بالفعل والاحتفاظ بستار إسمي يُبقي لواء الإسكندرونة ضمن الـحدود السورية.

    وأما زوال السيادة السورية عن اللواء فواضح في تقرير ساندلر مقرر القضية أمام مجلس الـجمعية الأمـمية، وأهم موجبات زوال السيادة السورية الواردة في التقرير الـمذكور ما يأتي:

    1 – إستقلال اللواء التام في شؤونه الداخلية.

   2- إمتناع سريان مفعول أي اتفاق إنترناسيوني تعقده الدولة السورية على اللواء إلا إذا تمَّ له أحد شرطين: إما أن لا يؤثر في استقلال اللواء، وإما أن يعرض على مجلس الـجمعية الأمـمية للموافقة.

   3- جعل اللغة التركية اللغة الرسمية الأولى.

   4 – وضع اللواء تـحت رقابة الـجمعية الأمـمية.

  5- إعطـاء مندوب الـجمعية الأمـمية للرقابة حق منع تنفيذ القوانين التي تسنّها السلطة التشريعية السورية في اللواء.

  6 – منع تشكيل جيش سوري في اللواء وإعفاء أهله من الـخدمة العسكرية ومنع إقامة تـحصينات حربية.

  7 – جعل حماية اللواء من حق الدولتين التركية والفرنسية.

  8 – جعل تقرير نظام اللواء وقانونه الأساسي من حق مجلس الـجمعية الأمـمية.

    تـجاه هذه الـحال الـخطرة على كيان سورية يطلب الـحزب السوري القومي من الـحكومة السورية:

 1 – أن تُصدر الـحكومة السورية مذكرة تعلن فيها أنّ قبول الدولة السورية التعهدات التي عقدها الانتداب باسم سورية لا تشمل أي تعهد يأتي بعد جواز الـمعاهدة السورية – الفرنسية في الـمجلس السوري.

 2 – أن تدعو الـمجلس السوري بصورة مستعجلة إلى دورة إستثنائية لدرس الـحالة واتخاذ موقف حاسم يعبّر عن إرادة الأمة.

 3 – أن يقرر الـمجلس عدم الاعتراف بأي اتفاق عقد أو سيعقد باسم سورية على يد الدولة الـمنتدبة بعد جواز الـمعاهدة السورية الفرنسية في الـمجلس السوري إلا إذا وافق هذا الـمجلس عليها.

 4 – أن تقدّم الـحكومة السورية بناءً على قرار الـمجلس الـمذكور التحفظات اللازمة عند تبادل نصوص الـمعاهدة السورية الفرنسية الـمصدقة.

    وإنّ الـحزب السوري القومي يعلن للحكومة السورية استعداده لتأييدها في أي موقف جريء لـحفظ حقوق الأمة وسلامة الوطن ويطلب منها أن تقف في جانب قضية الأمة ويحمّلها مسؤولية خسارة قوية تقع بالوطن وسلامة حدوده.

 [1]         الزوبعة، بوينس ايرس، العدد 48، 15 تموز 1942