الامبراطورية التركية: بين الارفضاض والانقضاض

يبدو ان العصر ينزع نحو احياء الدولة / الامبراطورية. ولعل الشخصيات التي تقود هذه الدول شخصيات ذات كاريزما مغايرة للشخصيات التقليدية العادية مدعومة بنهج جيواستراتيجي وافكار تضرب في التاريخ الماضي، مستفيدة من اخطاء الولايات المتحدة الاميركية في المرحلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، ومحاولة هذه الاخيرة الهيمنة والسيطرة على الجزيرة العالمية ونهب ثرواتها والحاق اقتصادياتها بالمركز، وفرض نوع من القيم  الحضارية وسلوكيات اجتماعية غريبة عن طبيعة هذه الدول وثقافتها. كما تسعى هذه الدول للاستفادة من تناقضات المشاريع الجيوسياسية  التي تحاول ان تمليء الفراغات في منطقتي  الهامش والطوق لقلب العالم الجغرافي.

لعل ابرز هذه الدول هي تركيا التي لم تترك سانحة الا وعبرت عن نواياها، ولم تترك فرصة الا واقتنصتها لصالح مشروعها الامبراطوري . الم يقل انطون سعادة في ثلاثينات القرن الماضي ” ان الاستراتيجية التركية تقوم على الانتهاز”؟

يمكن الاستدلال بسهولة على اثبات هذا القول في المراحل التاريخية الماضية، كما يمكن سوق العديد من الدلائل التاريخية في القرن الماضي وخاصة ما يتعلق منها بالحدود الشمالية لسوريا الطبيعية من كليكيا الى الاسكندرون وديار بكر ولا يغرب عن بالنا المسألة القبرصية. وحديثا تدخلها بليبيا كما في العراق والشام.

ربما برز مشروع تركيا الامبراطوري مع رجب طيب اردوغان انطلاقا من الرؤية التي وضعها داوود اوغلو وزير خارجيته السابق في كتابه ” الهدف الاستراتيجي “. بالطبع كان داوود اوغلو يسعى الى تحقيق حلمه الامبراطوري من خلال التكامل والتعاون  والاستيعاب مع الدول المحيطة خصوصا  الدول ” الاسلامية” ، على قاعدة صفر مشاكل. غير ان حسابات اوغلو لم تتطابق مع حسابات بيدر اردوغان وتحديدا بعد بدء الحرب على الشام، معتبرا  هذا الاخير ان باستطاعته التنفيذ بالقوة والسيطرة على الحلم التاريخي فيها. وعلى ضوء نظرية صفر مشاكل اصبحت اللوحة على الشكل التالي:

تركيا في الحلف الاطلسي لكنها متناقضة مع اليونان في قبرص، ومتناقضة مع فرنسا وايطاليا في ليبيا، ومع فرنسا في البحر الابيض المتوسط .

متناغمة مع الولايات المتحدة الا انها غير متوافقة معها في ما خص الاكراد.

متعاونة ومتفهمة لروسيا فيما يتعلق باتفاق الحبوب وانشاء اكبر مجمع للغازعلى اراضيها وفي تزويدها بمنظومة الدفاع الجوي اس400 غير انها ترسل لاوكرانيا الطائرات المسيرة “بيرقدار”.

تتبنى مع قطر بعض التنظيمات الفلسطينة وبنفس الوقت تقيم علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع الكيان الزائل.

هي دولة علمانية قانونا وتسعى لقيادة العالم الاسلامي. سنية المذهب بل قاعدة للجماعة الاسلامية والاخوان المسلمين واهم حلفائها اذربيجان الشيعية. متفقة مع ايران بالاقتصاد مختلفة معها بالشأن السوري.

على ضوء ما تقدم يبدو ان اردوغان قد استغنى عن نظرية داوود اوغلو وعن خدماته  وحتى عن ما يسمى بالديبلوماسية المباشرة واستعاض عنها بما يسمى بنظرية الابواب الخلفية للدبلوماسية وعمادها جهاز المخابرات الوطني، حيث يلعب هذا الجهاز دورا محوريا في استراتيجية اردوغان. لعل اهم انجازاته تحضيره وتنفيذه للقاء مندوب جهاز المخابرات الروسي مع نظيره الاميركي بخصوص العملية الروسية في اوكرانيا لكنه اخفق فيما يتعلق بقمة منظمة الدول التركية  في سمرقند ولم يخرج منها الا بوسام فخري. اما فيما يتعلق بعملية ” المخلب النسر ” ورغم الضربات الجوية في كل من الشام والعراق، ورغم تاكيده على الاجتياح البري بعمق 30 كلم على طول الحدود لاقامة منطقة امنة، يظهر ان المعارضات  الدولية كبيرة وواسعة لهذه العملية ، ويسود الاعتقاد ان هذه بروباغندا تتعلق بانتخابات 2023 يتوقف مصير اردوغان في الحكم عليها، فهل تجد الدول الكبرى مخرجا لمأزق اردوغان؟

ربما الايام القادمة تجيب.

رئيس المؤتمر القومي العام وليد زيتوني