اميركا بين قتل امرؤ وقتل شعب والجثث الست

 ليس خافياً على المتابعين لحرب الإبادة الجارية في فلسطين، منذ أحد عشر شهراً، حجم الدعم الأميركي لهذه الحرب، رغم محاولات هذه الإدارة حفظ ماء وجهها امام مبادئها “الويلسنوية”، كناظمة للقيم وللقانون (الذي تشاء) في العالم وأمام حلفائها من أنظمة عربية وإسلامية في المنطقة، تسعى لإبقائهم طور امر قرارها، بل في موقع الحامي والمدافع عن كيان الاغتصاب.

 الى ان جاء خبر العثور على الجثث الست للأسرى الإسرائيليين، في أحد أنفاق غزة (رفح) وبينهم الإسرائيلي الأميركي “هيرش بولين غولدبرغ” فكانت ردة الفعل الأميركية، مطابقة للقول “قتل امرؤ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر” فقد هزّ خبر مقتل هيرش، الوجدان الأميركي من بايدن المتأسف الحزين والغاضب الى ترامب الذي اعتبر الأمر، ما كان ليمر لو كان هو في السلطة.

 اما هاريس، المرشحة عن الديمقراطيين لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فكان موقفها التأكيد على أهمية القضاء على حماس !!التي تشكل تهديداً خطيراً على المواطنين الاميركيين الإسرائيليين.

 سساشارة هنا ان حرص هاريس على مواطنيها الاميركيين الإسرائيليين لم نجد اثرا له عند انعقاد مؤتمر الديمقراطيين في شيكاغو، بينما كان العرب الفلسطينيين الاميركيين ينتظرون ادخالهم قاعات المؤتمر في شيكاغو، لعرض رأيهم وصوتهم وأنين جراح أهلهم، والابادة القائمة، اذ ابقوهم تحت شمس الخارج ينتظرون دون جدوى، بينما كان اهل هاريش الأسير، يستعطفون الديمقراطيين بمعاناتهم، لإطلاق سراح ابنهم.

في حين ثبت يقيناً، ان من عطل ويعطل إطلاق سراحه كان نتنياهو نفسه، برفضه ايه صفقة لتبادل الأسرى وبعدما أحبط منذ أحد عشر شهراً، كل الجهود الواقية الى انهاء الحرب. وبعد استمرار مسلسل الاستثمار في الحرب بالمزيد من المجازر والجرائم ورفع سقوفها، دون أي رادع، نظراً للدعم اللامحدود الذي يقدم له ولحكومته، من راعيته اميركا.

فقد عمد بعد المشهد الذي اظهر انتصار المقاومة معنوياً واخلاقياً، عند تحرير 110 أسرى ومبادلتهم مع أسرى حرروا من سجون العدو، وبعدما ساءه ذلك المشهد، فقرر اعتماد وسيلة التحرير بالمجازر، أي بالقوة، ففي عملية “النصيرات” التي نجح فيها نتنياهو وبدعم استخباراتي أميركي واضح يومها، في تحرير أربعة أسرى والتي سببت استشهاد 274 فلسطيني، يومها لم يسمع احداً صدى أي اعتراض أميركي على تلك المجزرة كصيغة متوحشة في تحرير الاسرى الأربعة، دون اعتماد وسيلة التبادل التفاوضي.

اشارة ان المشاهد الاحتفالية “الإسرائيلية” التي أعقبت تلك العملية الوحشية، هي التي حرضت المقاومة الفلسطينية على قتل الاسرى الست، واعتماد الصيغة المسماة، “الاستثمار في الخسارة”، بقصد عدم منح نتنياهو السفاح أي نجاح، يتيح له الزعم انه قادر على استرداد الاسرى دون التفاوض بالسياسة وبالتبادل ووقف الحرب وإعادة الاعمار، وكما تريد المقاومة.

هذا علماً ان رئيس حكومة العدو استطاع حتى الان منع أي مسؤول في حكومته المصغرة “الكابينيت” من التصريح حتى بمطلب وقف الحرب، والتباين بالرأي واضح فيها، اذ يعتبر عدد من أعضائها ان استمرار الحرب طيلة هذا الوقت، بات يشكل خطراً على الدولة ومصالحها واقتصادها ووجودها، بسبب عدم اعتياد الجيش “الإسرائيلي”، منذ تأسيس دولته على الحروب الطويلة وكان اعتماده دوماً على حروب سريعة، وابلغ مثال على ذلك حرب العام 2006، ضد لبنان التي استمرت ثلاثة وثلاثين يوماً، وكان مطلب انهاؤها امراً ملحاً للعدو. يومها سجلت المقاومة اللبنانية ابلغ البطولات التي استدعت تشكيل (لجنة فينوغراد) للبحث في أسباب انهيار جيشهم، والتي أدت ايضاً الى اعتقال رئيس حكومة العدو آنذاك، ربما هذه الصورة هي التي تؤرق نتنياهو اليوم.

أصوات قادة تلك المرحلة، يتصاعد اليوم، بعد العثور على الجثث الستة، وها هم يدعون دولة الاحتلال بكل مؤسساتها ونقاباتها، الى العصيان المدني والاضراب العام، متهمين نتنياهو انه لا يريد انهاء الحرب.

اليوم وصل، قادة العدو السابقين واللاحقين وأهالي الأسرى وحتى من هلل منهم سابقاً لتحرير الأسرى بمجزرة مهولة، الى قناعة راسخة ان رئيس حكومتهم لا يريد انهاء الحرب، ولا يريد التفاوض على حلول، بل يريد الاستفادة من عملياته العسكرية الى أقصى حد، في عمليات تحرير الاسرى بالحرب، ناسياً ان المقاومة التي قررت قيادتها بعد اغتيال هنية، وتحولها من قيادة سياسية الى عسكرية/سنوارية، انها لن تتعامل معه بتفاوض الخاسرين.

يفهم جيداً القائد الجديد لحماس (السنوار)، ان لا شيء يخيف هذا العدو إلا الموت، وان هذه المقاومة التي لم تعد لوحدها، لا داخل فلسطين، ولا خارجها، بل باتت تخطى بإحاطة واسناد كبيرين، من محور يصوغ اليوم حرب تحرير قومية بامتياز.

لقد انقلب السحر على الساحر، وقتل الاسرى الستة الذي حصل بعد محاولة من قوة للعدو، اقتحام أحد الانفاق بقصد تحريرهم، فكان قرار المقاومة اخراجهم جثثاً.

وكانت النتيجة الأولية للعملية غضب “إسرائيلي “عارم من القيادة وفي الشارع، حيث تمت الدعوة الى عصيان مدني واضراب عام شامل، تشارك فيه قوى وفعاليات اقتصادية وقطاعات غير مسبوقة تطالب بوقف الحرب واسقاط حكومة وصفها شعب العدو نفسه انها فاقدة للأخلاق، بعدما فضلت مصالحها السياسية المتطرفة على عملية اخلاء اسراها.

بعد أحد عشر شهراً من القتال والتدمير والتجويع والموت، لن تقبل المقاومة الصامدة والمتجددة من جانب غزة الى الضفة ومخيماتها ومدنها، حيث تخاض أروع وأشجع المواجهات، لن ترضى بأن تكون في موقع تقديم الهدايا لنتنياهو وحكومته ولا لداعميه، وهم يتفرجون بصمت على ابلغ الجرائم في التاريخ.

وفيما تعتبر مصادر مطلعة ان صفقة التبادل للأسرى باتت المفتاح السري المرادف لصفقة انهاء الحرب، وربما تكون هذه العملية، مؤشر الى بداية نهاية حكومة نتنياهو الرعناء، في مقابل تحرك أميركي يبدو عاجلاً لإيجاد صيغة أميركية للتفاوض، علهاً تتمكن من انهاء الحرب قبل ان يحين أوان استحقاق الانتخابات بين الديمقراطيين والجمهوريين

رئيسة التحرير