دعوة الى بناء لبنان الجديد

سؤال يتبادر إلى الذّهن في ظلّ كلّ هذا الزّحام الدّولي والإقليمي الحاصل حول رئاسة الجمهوريّة في لبنان:

هل يستحقّ هذا البلد الّذي يكاد لا يُرى على خارطة العالم، كلّ هذه التّدخّلات الإقليميّة والدّوليّة في موضوع رئيسه المقبل؟

لا شكّ في أنّ اللبنانيين قد تعوّدوا على مثل هذا الأمر، فكلّما انتهت ولاية رئيس انكشفت لهم عورات نظامهم السّياسي العاجز دائمًا عن إنتاج رئيس للبنان دون توافقات يصنعها التّدخّل الخارجي.           

 لبنان في حالة شغور رئاسي، وهي ليست المرّة الأولى وربّما لن تكون الأخيرة، ولكن هذه المرّة تبدو غير كلّ المرّات لأسباب بعضها داخلي وبعضها خارجيّ.

 على المستوى الدّاخلي فقد أوصلت الانتخابات النيابيّة الأخيرة إلى المجلس النّيابي تكتّلات يصعب من خلالها لا بل يستحيل أن يتمّ انتخاب رئيس دون توافقات وتسويات، وفي ظلّ انعدام قدرة القوى السياسيّة والكتل النيابية على التّفاهم فيما بينها على مرشّح وسطي أو توافقي فإنّه لا قدرة لأيّ طرف سياسي أن ينجح في تأمين الفوز لمرشّح محسوب عليه، وفيما يطرح البعض مواصفات لرئيس يرضي جميع الأطراف نرى تكتّلات كتكتّل القوّات اللبنانيّة على سبيل المثال تطرح مواصفات لرئيس تريده رئيس تحدٍّ، وفي ظلّ خطاب مماثل فإنّ التّوافق الدّاخلي يبدو بعيد المنال.

       على المستوى الخارجي فمن المعروف أنّه في ظلّ غياب التّوافق الدّاخلي يرتفع منسوب التّدخّلات الخارجيّة، لكنّ هذه التّدخّلات تبدو هي الأخرى عاجزة عن إنتاج رئيس في وضع إقليمي ودولي يسوده الاضطراب، فلا قوّة خارجيّة وحيدة مؤثّرة اليوم كما كانت الأمور في فترة الوجود السّوري، كذلك فإنّ التّناقضات العالميّة والإقليميّة تبدو الآن أعمق بكثير ممّا كانت عليه سابقًا إلى حدّ أنّ أيّ توافق فيما بين الدّول الفاعلة على السّاحة اللبنانيّة يبدو كذلك بعيدًا، إلاّ ما رحم ربّي، فمن التوتّر الإيراني السّعودي، والإيراني الأميركي، إلى التّطبيع العربي الإسرائيلي وتداعياته على كلّ السّاحات العربيّة، إلى سوريا الغارقة في مشكلاتها والمغرقة للبنان بالنّازحين منها إليه، إلى روسيا الغارقة في المستنقع الأوكراني… شدّ الحبال يبدو بقوّة متوازنة، وبانتظار مستجدّات قد تحصل على السّاحة الدّوليّة، فإنّه لا قوّة قادرة على جذب الحبل ناحيتها.

       وبين الدّاخل والخارج أسماء تُطرح لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة في إطار حراك يبدأ في البرلمان اللبناني الّذي يفشل مرّة بعد مرّة في انتخاب رئيس، ولا ينتهي في عواصم العالم من الرّياض إلى باريس إلى الفاتيكان ومن يدري لعلّ منتهاه يكون في واشنطن.

       جبران باسيل في باريس، يطرح نفسه مرشّحًا للرّئاسة، فيما تغيب حظوظه داخليًّا وخارجيًّا.

       سليمان فرنجيّة يطرح نفسه مرشّحًا توافقيًّا، وبرفض باسيل له، فإنّ حزب الله لن يستطيع إيصاله إلى سدّة الرّئاسة.

       ميشال معوّض يطرحه حزب القوات وآخرون مرشّحًا، فيما مرشّحهم الحقيقي هو سمير جعجع، وما همّ لو احترق اسم ميشال معوّض، جلسة بعد أخرى.

       وقائد الجيش جوزيف عون، يبدو أنّه يحظى بموافقة فرنسا والسّعوديّة وباقي الخليج، ولا فيتو لحزب الله عليه، فهل يمكن أن يكون هو الأوفر حظًّا؟ أم أن أميركا تضع فيتو مخفي عليه كما بعض التسريبات؟

هل يمكن أن يصل رئيس من خارج هذه الأسماء كزياد بارود مثلا؟

 الحقيقة أنّ الأسماء كثيرة  فيما الفراغ هو سيّد السّاحة، والمزرعة “خربانة”.

ولكن ألا يمكن للبنانيين أن يستغلوا غياب التوافق الخارجي، وأن يصنعوا توافقهم الدّاخلي لينتجوا رئيسّا بنسخة لبنانيّة؟

هم قادرون على ذلك اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، شرط أن تخلع كلّ فئة منهم ثوبها الخارجي، وتتلفّح بالعلم اللبناني فوحده قادر على تدفئة بردها القادم، فهل يفعلون؟

الأرجح أنّ القوى السياسيّة عاجزة عن فعلها، فلتفعلها القوى الدّينيّة إذا ولتنتج رئيسًا بعيدًا عن التناقضات السّياسيّة فلبنان وشعبه يستحقّان مثل هذه المبادرة مهما كانت عواقبها وتداعياتها، ولتكن قمّة روحيّة وليفرضوا رؤية ما، حلاًّ ما، وليحدثوا خرقًا ما في هذا الجدار الصّلب، فالوضع الأقتصادي و الأجتماعي لم يعد يحتمل.

قد تبدو هذه الورقة هي الأخرى واهية، لكنّ الأمر يستحقّ المحاولة. لذلك، أوجه رسالة نيابة عن نفسي الدكتور أحمد لقمان الزين و نيابة عن كل لبناني يريد لبنان معافياً، الى  البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، و امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ومفتي الجمهورية اللبنانية ​الشيخ عبد اللطيف دريان​ و شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ ​سامي أبي المنى و صاحب الغبطة يوسف العبسى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم الى لقاء موسع تحت عنوان “بناء لبنان الجديد” علماً أنه توجد بعض التسريبات عن رغبة هذه الشخصيات الدينية في اللقاء لما فيه مصلحة لبنان.

ختاماً، يبدو أنّ أزمة الرّئاسة اللبنانيّة هي صورة مصغّرة عن عالم غارق في مشكلات مستعصية تنخر جسده المترهّل، وذاك الّذي وصف لبنان بأنّه مرآة العالم العاكسة لكلّ تناقضاته كان على حقّ، لكنّنا لا نقدر كلبنانيين أن نبقى بانتظار عالم لا يقدر على حلّ مشاكله كي نحلّ مشكلاتنا، دعونا ننتخب رئيسًا للبنان ولندع العالم يتدبّر أمره من دوننا.   

ولتكن مقولة البابا يوحنا بولس الثاني الشهيرة عن لبنان ابان زيارته التاريخية الى لبنان في أيار من العام 1997 بأنّه “وطن الرسالة” الدافع لبناء لبنان الجديد وليكن الصرح البطريكية المارونية في بكركي مكان اللقاء.

باحث في الشؤون الاقتصادية والادارية الدكتور أحمد لقمان الزين

One thought on “دعوة الى بناء لبنان الجديد

  1. دعوة غير موفقة من قِبل أحمد لقمان الزين لرجال الدين في التدخل بإنتخابات رئيس الجمهورية اللبنانية، فيما سماه الدعوة إلى بناء لبنان الجديد، وخاصة على صفحة صباح الخير.
    عندما وصلت إلى هذه الفقرة، إعتقدت أن الطرح جاء من منطلق إبراز المنطق غير السليم من أجل نقضه، ولكن كانت المفاجئة بأنه تبناه بجدية وإنتهى ألى الدعوة لإجتماع في بكركي ….
    كم من مرة علينا أن نحرق أصابعنا لنتعلم الدرس، كنت أنتظر من مقال عنوانه “دعوة إلى بناء لبنان الجديد” أن يخلص إلى الدعوة إلى ثورة شعبية يسودها الوعي وتقودها نخبة نيرة لنسف هذا النظام، نظام الفساد والمحاصصة، وبالتأكيد منع رجال الدين من التدخل في السياسة ….
    خيبة أمل ….
    جورج عقل جريج

Comments are closed.