في ذروة التهديدات الاسرائيلية للبنان بحرب مدمرة انشغل اللبنانيون بحروبهم الداخلية الصغيرة التافهة. ولا حرب في لبنان الا الحرب الطائفية البغيضة. حدثان اشعلا مواقع التواصل الاجتماعي التي التهبت تنضح كراهية وتحديات وعنتريات متعددة الأشكال والألوان.
نائبة تنتمي الى كتلة نواب “القوات اللبنانية” اسمها غادة أيوب تتحدث في حفل، وتفرغ ما في عقلها وبطنها من حقيقة تفكير سائدة في بيئتها السياسية معتبرة انها تخوض معركة “ضدهم” منذ 1400 سنة وأكثر، “والـهم “بحسب خطابها “العفوي” هم المسلمون. ليست غادة أيوب من الحزبيين الرعاع، بل هي امرأة متعلمة ذات مركز اجتماعي ومؤثرة في بيئتها وكلامها ليس كلاما عابرا ولا زلة لسان بعد كأسين في مناسية خاصة يفترض ان الكلام فيها ليس للنشر. لقد عبرت بصراحة عن نمط من التفكير موجود في بيئتها وفي كل البيئات الطائفية في البلد، وعندما جاءت لتكحلها أعمتها ولم تفلح في اقناع الناس بأنها لم تقصد ذلك. ما قالته قد قالته وانتهى الامر.
ليست غادة أيوب وحدها التي تفكر على هذا النحو، لبنان مليء بغادات أيوب، ومن كل الطوائف، وهم موجودون بكثرة في البلد، ومن المفارقات الغريبة ان كل الطائفيين من زعماء وأفراد يهاجمون الطائفية ويعتبرونها سبب خراب البلد، لكنهم يمارسونها في كل تفاصيل حياتهم.
بعد غادة ايوب تداول ناشطو المواقع تغريدة لبهاء الحريري يقول فيها اننا كنا قادرين على قتلهم (الطوائف الاخرى) لكننا لم نفعل، الرجل معروف بزلاته وتهوره الكلامي وجهله السياسي، لكن كلامه هذا أثار الكثير من ردود الفعل التي اتخذ بعضها طابعا هزليا.
الحدث الثاني الذي شغل اللبنانيين وما زال، هو الحرب الاسرائيلية على لبنان إذا توسعت وتداعياتها لجهة ازمة النزوح المحتملة من مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية. هنا الموضوع أخطر بكثير. فقد كشف هذا الاحتمال عن كثير من الأحقاد والضغائن بين الطائفيين اللبنانيين. هنا تجلت الطائفية بأوضح صورها.
لبنان منقسم سياسيا وشعبيا انقساما حادا حول الموقف من الحرب في فلسطين ومن مشاركة المقاومة فيها ومن احتمال توسعها، و”الطريف” ان من يصرخون ضد المشاركة في الحرب يتمنون ضمنا لو تبدأ اليوم قبل الغد يمنون النفس بأن تحقق لهم اسرائيل ما عجزوا هم عن تنفيذه في الداخل وفصل لبنان عن بيئته القومية وعن قضاياها، لا سيما قضية فلسطين الى الأبد.
فجة ومؤلمة جدا وكريهة الحملة التي ظهرت في بعض المدن والقرى اللبنانية ضد تأجير المنازل الفارغة للنازحين المحتملين من الضاحية والجنوب في حال توسع الحرب الاسرائيلية، والجميع يعرف الاجرام الاسرائيلي من الحروب السابقة، وفي أحسن الاحوال الاستغلال البشع لحاجة الناس الخائفين الى مأوى موقت ريثما ينجلي الوضع. بلديات تصدر تعاميم بمنع التأجير وناشطون يحذرون ومتطرفون يهددون. فجأة انبعثت عقلية “الثأر” والانتقام وتصفية الحسابات على حساب الحس الانساني ومبادئ التكافل والتضامن في أوقات الشدة. وانكشف زيف الادعاءات المموهة بأن اسرائيل عدوتنا جميعا وتريد بنا شرا، ليتحول العداء الى طرف داخلي، بوهم انه هو الذي يجر البلد الى الحرب.
ليس الموضوع خلافا سياسيا في العمق، انها الطائفية المعششة في النفوس والتي لا تميز بين عدو وصديق.
لكن من المريح ان هذه الحملة المقيتة استدرجت لاحقا حملة مضادة عبر اصحابها، من الجبل الى الشمال والبقاع، عن وعي وطني عابر للطوائف، انضمت اليها بلديات ليعلن كثيرون عن فتح ابواب منازلهم ومشاركتها مع النازحين او الخائفين على أرواحهم، ومجانا في حالات كثيرة.
خلاصة القول، سيبقى لبنان “مكرسحا “طالما نظامه طائفي تحاصصي يتحكم فيه زعماء الطوائف وينتخب شعبه نوابا على شاكلة غادة ايوب التي فازت بأصوات مسلمين تعتبران بينها (كمسيحية) وبينهم حربا عمرها 1400 سنة. وواقع الطائفية على ارض الوطن ينبئ ان في المجلس النيابي عشرات “غادة أيوب”.