صمود أسطوري له ما بعده

راهنت أميركا على أن جيش النازية الصهيونية سيحقق أهداف عدوانه ضد قطاع غزة، خلال أشهر قليلة. لكن رهانها انتهى إلى حبوط، فتقاسمت خيبة الأمل مع قادة الكيان الشاذ اللقيط.

للتغطية على إخفاق اسرائيلها في غزة، لجأت أميركا إلى العزف على أسطوانة “ما بعد اليوم التالي في غزة”. وأعقبت ذلك، بالإكثار من “التأكيدات” على وقف إطلاق النار. وأخيرًا، “الإعراب” عن عدم رغبتها بتوسيع دائرة الصراع. وهي تعلم، أي أميركا، بل وأكثر من يعلم، أن العلاقة بين منطقتنا والحروب علاقة تلازم ما دام الكيان الصهيوني الشاذ اللقيط مزروعًا في خاصرتها.

أما قصد أميركا الحقيقي من غرغرة الأسطوانات الثلاث المومأ اليها قبل قليل، فهو منح الكيان المزيد من الوقت مدعومًا بأحدث ما في ترسانتها من أدوات القتل والدمار، عله يفلح في تحقيق بعض أهدافه ولو بحدودها الدنيا. لكن الخيبة، ظلت وما تزال إلى مسعاها أقرب.

باعتراف بعض كبار القادة العسكريين في الكيان، فإن تحقيق النصر في غزة أقرب ما يكون إلى هذيانات تجري على لسان مجرم الحرب نتنياهو ووزير حربه المجنون غالانت. فالحرب بالمحصلة أهداف، بتحقيقها يكون النصر وإلا فالهزيمة والإخفاق.

الهدف الرئيس الأول المعلن من العدوان الهمجي ضد غزة، هو القضاء على المقاومة سياسيًّا وعسكريًّا، وفرض واقع جديد في القطاع. لكن العقل الصهيوني المصدوم بطوفان السابع من أكتوبر 2023 استفاق أخيرًا على حقيقة لا تسره، وما أكثر ما لا يسره هذه الأيام. فالمقاومة، حتى باعتراف بعض عسكرييه ومنهم المتحدث باسم جيشه دانيال هاغاري، فكرة، والفكرة لا تفنى ما دامت شروط الواقع المادي القائم تمدها بضرورات الديمومة، وخاصة بوجود عدو مدجج بأحقاد التاريخ وعُقد نقصه، كالذي يحتل فلسطين.

إخفاق العدو هنا، واضح كالشمس في رابعة النهار. فقد دخلت الحرب الهمجية ضد غزة شهرها الحادي عشر، وما تزال غزة صامدة يتعزز صمودها بإسناد أطراف محور المقاومة. في غزة وجنوب لبنان بالذات، المقاومة ليست صامدة فحسب، بل تكبد العدو خسائر في الأرواح والمعدات كل يوم، رغم الكلفة العالية في غزة بشكل خاص.

على أرضية هذا الصمود الأسطوري، أخفق العدو في تحقيق هدف الاستراتيجي آخر، ونعني تهجير سكان غزة إلى سيناء، ثم المباشرة بتهجير أهل فلسطين المحتلة 1967(الضفة الغربية) إلى الأردن. وأخفق جيش النازية الصهيونية المستنزف في غزة بتحرير أسراه بالقوة، كما وعد مجرم الحرب نتنياهو وأعلن أكثر من مرة.

لا ريب في أن صمود غزة الأسطوري في ظروف صعبة أولها تكالب دولة عظمى هي أميركا ضد شعب مظلوم، فرض احترام المقاومة على خصومها قبل أصدقائها. والأهم، قلب مسار الصراع مع العدو في اتجاهين يصبان في صالح حاضرنا ومستقبل أجيالنا. الأول، تأكيد حقيقة أن الإرادة تقاتل قبل السلاح، بعدما ثبت أن الكيان الصهيوني هش وتافه، لا يقوى على الاستمرار من دون دعم أميركا وغربها الأطلسي. الثاني، ما بعد غزة مختلف عما قبلها، والكيان لا بد سيرضخ للحقائق الجديدة والمستجدة في الصراع، ولا خيار أمامه سوى الرضوخ. هزيمة المقاومة أقرب إلى المستحيل، باعتراف قادة عسكريين ومدنيين صهاينة ومراقبين أميركيين. الكيان مأزوم، فإذا أوقف عدوانه فإنه يقر بهزيمته. أما استمراره، فيعني المزيد من الاستنزاف ومراكمة الإخفاق بما له من تداعيات خطيرة على جبهته الداخلية ووجوده ذاته. أميركا تبحث عن مخرج، حيث تواجه تحديات عدة ضاغطة ومتضافرة الأثر: غرق الكيان في رمال غزة، وهزيمة باتت شبه مؤكدة في أوكرانيا، وانتخابات رئاسية في ظل انقسامات داخلية غير مسبوقة. وليس في صالح البيت الأبيض أن تضاف إليها حرب اقليمية، مفتوحة الاحتمالات في منطقتنا. وقد بدأت تتعالى أصوات في الكيان وفي أميركا، خلال الآونة الأخيرة، تتهم مجرم الحرب نتنياهو بأنه الوحيد المستفيد من استمرار العدوان على غزة لأسباب سياسية.

على الصعيد العربي، ضاعف الكيان بحماقاته وجرائمه منسوب كراهيته. ونرجح أن من لديهم بقايا عقل من مفكريه وسياسييه لا بد يتساءلون: كيف سنستمر بالوجود في منطقة تمر بهذا الكم المرعب من الكراهية المصوبة نحونا؟!

الكيان خسر ويخسر، قادته مجرمو حرب بنظر العالم، وجيشه عصابات من قتلة الأطفال والنساء والمدنيين العزل الأبرياء. وكلما اشتط في نزوات جنونه أكثر، يضيف أسبابًا جديدة لحتمية زواله وعدم قابليته للاستمرار. وكلنا أمل أن يأتي رد محور المقاومة على اغتيال الشهيدين اسماعيل هنية وفؤاد شكر، في هذا السياق. مقول القول، الصمود الأسطوري لغزة ومقاومتها، وهَبَّة محور المقاومة لتعزيزه، أحدثا تحولًا تاريخيًّا في الصراع مع الكيان الشاذ اللقيط ورعاته. ولهذا الصمود ما بعده، في الاتجاه الإيجابي لصالح شعوبنا.