ما زالت العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا دون مستوى الحرب الشاملة من حيث الاداء والقدرات التي تتمتع بها روسيا، رغم التعبئة الجزئية المعلن عنها، ورغم المحاولات العديدة من الحلف الأطلسي والولايات المتحدة لدفع القيادة الروسية إلى زج “العظيم” من جيشها في المعركة، أو بتعبير آخر الثقل الأساسي من هذا الجيش في الميادين، إن كان لناحية العديد أو العتاد، تمهيداً لتقدير الموقف، وبالتالي لاتخاذ القرارات اللازمة والمناسبة مع هذه الحالة، ما زالت الولايات المتحدة حتى اللحظة غير قادرة على الإحاطة بالقدرات غير المكشوفة، والإمكانيات المستورة، والمعدات القادرة على تحقيق المفاجأة التكتية وربما الإستراتيجية، في حال توسعت الحرب وأخذت آفاقاً أخرى، وبالطبع ليس للجيش الأوكراني القدرة على القيام بهذه المهمة، بالرغم من تطعيم قيادته بخبراء وضباط قادة من الحلف الأطلسي، ورغم تزويده بأسلحة تحت إشراف هؤلاء الضباط، لاستثارته وإرغامه على استخدام ما لم يستخدم بعد من آليات وتقنيات غير منظورة أو معروفة بشكل كامل .
لم تكن المعركة على خيرسون، إلا واحدة من هذه المحاولات التي لم تؤتِ ثمارها بعد، وربما لن تؤتي ثمارها، كون القيادة الروسية آثرت الانسحاب التكتي إلى ما خلف نهر الدنيبر، تمهيداً للقادم من الأيام، والتي تحمل في جعبتها كمائن متعددة، فالولايات المتحدة تسعى إلى إبقاء الوضع عما هو عليه حتى الربيع القادم، بتكليف التركي وربما الصيني القيام بهذا المسعى، وهذا في الواقع كمين سياسي يوقف العملية العسكرية، ويمنع روسيا من الاستمرار من تحرير الدونباس والتقدم نحو نيكولاييف واوديسا لتجريد أوكرانيا من قدراتها البحرية، بالمقابل تحاول روسيا الاستفادة من فصل الثلوج لتحقيق الإنجازات السابقة، معتمدة على قدرات آلياتها المتفوقة من هذه الناحية على الآليات الغربية، وهذا ما أثبتته التجارب، وما أكده الخبراء الأوروبيين أنفسهم، وهو ما يمكن اعتباره بالكمين العسكري الروسي الشامل، ويمكن أن يؤدي إلى تدمير معظم القوى التي تقدمت باتجاه خيرسون وتلك التي تتجمع قي الوسط الجنوبي، والتي ستحاول في الربيع القادم التقدم باتجاه جزيرة القرم .
إن استخدام تعبير الكمين السياسي الذي تنصبه الولايات المتحدة لم يأتِ من فراغ، إنما من واقع استمرار أميركا في تنفيذ مشروعها الجيوبولتيكي، القاضي بالسيطرة على الهامش الاوراسي”الريم لاند” تمهيداً لإخضاع مركز “هيرت لاند” ومنه لإعادة السيطرة على العالم، بالمقابل يجهد الروسي لمنع تنفيذ هذا المشروع القاضي بتدميره وتدمير مشروعه الجيوسياسي، القاضي بالتكامل والتعاون مع دول منطقة الهامش التي تشمل أوروبا والشرق الاوسط في مواجهة الجزيرة المنعزلة “الولايات المتحدة”.
في الختام، يبدو أن الحرب طويلة ومستمرة حتى إشعار آخر، ليس في أوكرانيا، إنما على امتداد الجزيرة العالمية، وفي محيطاتها والبحار، وفي فضاء هذه الارض المسكونة، فهي في الواقع حرب عالمية بجبهات ووسائل متعددة، لكن وفي ملاحظة أخيرة برزت أثناء الحرب الأوكرانية، نزعة العودة إلى ما يُسمى الدولة الامبراطورية، فهذه هنغاريا وكذلك بولندا، وعلى مستوى الشرق الأوسط هناك من يعيد طرح الأمجاد التاريخية للامبراطوريات الغابرة، فهي ليست وقفاً على روسيا التي قال فيها “دوغين” لا معنى لروسيا خارج الامبراطورية .
لا شك أن الامبراطوريات وخاصة الشمالية منها والغربية، ستلفحنا برياحها القطبية إذا ما طاولت بلادنا ستعيدنا إلى العصر الجليدي .
هل من مخرج؟ للبحث صلة .
رئيس المؤتمر القومي العام وليد زيتوني