قادت التطورات الجيوسياسية في مشرقنا الاوسطي الى انقسام المنطقة الى فسطاطين ،يرفع الفسطاط الأول شعارات مقاومة المشاريع الغربية وأدواتها والتي تمثل دولة الاحتلال رأس حربتها ،فيما يرفع الفسطاط الثاني شعار التحالف مع المشاريع الغربية والعمل على خدمتها والتعايش مع دولة الاحتلال وقبولها باعتبارها جزءًا من المنطقة أو حتى قائدة لها وذلك من خلال التطبيع المتدرج معها والتوقيع على معاهدات اقتصادية وأمنية وعسكرية، وقد كشفت حرب السابع من تشرين مقدار التزام كل فسطاط بفسطاطه وبشكل أكثر وضوحا بعد تطورات الايام الماضية منذ ضربت الطائرة اليمنية المسيرة قلب دولة الاحتلال في تل أبيب ثم في قصف الطيران الاسرائيلي ميناء الحديدة.
أعلنت المقاومة منذ بداية الحرب عن شعار وحدة الساحات ودخلت المعركة انطلاقا من جنوب لبنان والعراق ثم جاءت المشاركة اليمنية بثقلها الاستراتيجي الكبير لتضيف أبعادًا اقليمية وأخرى لها علاقة بأسعار النفط والتجارة العالمية، باختصار أعلن فسطاط المقاومة أنّه لن يسمح بهزيمة المقاومة الفلسطينية في هذه الحرب مهما بلغ الثمن ولو أدى ذلك الى تداعيات تعرّض الاقليم بأسره للخطر فهزيمة المقاومة الفلسطينية هي هزيمة لكامل الفسطاط الملتزم بالدفاع عن كامل من ينضوي تحت سقفه.
في الجانب المقابل في الفسطاط الابراهيمي الغربي فقد كان قد أعلن الحرب المباشرة على اليمن لما يزيد عن سبع سنوات والحرب غير المباشرة على إيران بالحصار و التحريض وعلى لبنان في عمليه شراء الذمم وتأزيم الوضع الداخلي الذي حال دون انتخاب رئيس الجمهورية وطبعا على المقاومة الفلسطينية في غزه حصارا وتجويعا و تدميرا، أمّا بعد حرب السابع من تشرين فقد أصبحت اسرائيل هي من يخوض الحرب علنا دفاعا عن حلفائها وشركائها وهو ما قاله السيد الحوثي مساء الأحد بأنّ اليمن يبدي ابتهاجا بخوض الحرب مباشرة مع اسرائيل والولايات المتحدة لا عبر وكلائهم.
كان السيد الحوثي قد تحوط قبل إرسال الطائرة المسيرة اليمنية الى تل ابيب بيوم واحد بإلقاء خطاب متلفز و كان على ما ظهر لاحقا من باب التحوط عما يخطط اليمن لتنفيذه في اليوم التالي خاطب به من يهمه الامر بأنّ من يقف الى جانب اسرائيل او يمنح تسهيلات لأعداء اليمن فإنّه بذلك يضع نفسه في دائرة العداء اليمني ولن يعود قادرا على تنفيذ مشاريعه ببناء مدن ومطارات، والدخول في تحديث ما يطلق عليه عام 2030. وإنه قد وضع من يخاطبهم بذلك أمام خيارين إمّا اعتزال هذه المشاريع الطموحة وإمّا الاعتدال والخروج من دائرة عداء اليمن إن كانوا ما زالوا يطمحون بتنفيذ مشاريعهم.
جاء الرد الاسرائيلي يوم السبت واستطاع نتنياهو الحصول على صورة حريق كبير يظن أنه سيظهره بمظهر القوي صاحب اليد الطويلة والطائرات التي تصل الى أيّ مكان وأنه بذلك قد استردّ القوة الردعية لدولة الاحتلال ولكن عليه أن ينتظر الرد الذي قد لا يأتي سريعا وبطريقة رد الفعل غير المحسوب التي ستثبت تهافت ادعائه الردعي .
وللتذكير فان نظرية الردع الإسرائيلية كان قد وضعها أول رئيس وزراء اسرائيلي ديفيد بن غوريون وكانت ترى أن الردع هو بأن تضرب اسرائيل بشكل استباقي وقبل وقوع الحدث كما حصل في عام 56 و67 وفي قصف المفاعل النووي العراقي أو حرب 1982 أمّا الردود التي تأتي بعد ذلك فهي ردود المردوع لا الرادع.
نحن الان أمام طريق جديد وواسع؛ فاليمن قد أصبح دولة حدودية لفلسطين المحتلة ودولة مشاطئة للبحر المتوسط بما تملك من أدوات وأذرع طويلة، وهي دولة لها مجالها الحيوي الممتد من الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي وشرق افريقيا والبحر الاحمر وردودها ستكون شاملة لهذا المجال الحيوي من الضرب في العمق الاسرائيلي، الى رفع أسعار البترول، الى ضرب مجمعات أرامكو وجبل علي والايام قادمة.
جنين- فلسطين المحتلة