أمريكا والسقوط الفاضح من عالم الإنسانية الادبي

لم تجد دولة العدو أفضل من رئيس الولايات المتحدة الأميركية الهرم جورج بايدن مندوباً تحمله مبادرة جديدة لوقف الحرب الدائرة في غزة علّه يتمكن من التقاط أنفاسه للانتخابات المقبلة، في خضم التصارع الساخن للأجواء الانتخابية الرئاسية الأميركية، علماً انه الشهر الثامن ينقضي على أطول حرب إبادة في التاريخ، تشنها الدولة العنصرية الإسرائيلية على الفلسطينيين أهل الأرض. وقد قتلتهم وهجرتهم طيلة عقود سبعة ونيف، لتحل مكانهم مجموعات سكانية يهودية مدعومة من دول الاستعمار، محاولة إلغاء وجودهم وحقوقهم وسرقة ممتلكاتهم وأرضهم وثرواتهم، مرة من خلال سردية تاريخية دينية مزيفة وأخرى من خلال القوانين التي سنتها ضدهم. واستمر الأمر من خلال عصيان هذه الدولة العنصرية لكل المواثيق والقوانين الدولية.
اليوم يبدو العالم منقسماً إلى قسمين، قسم يزعم بوقاحة انتهاج سياسة الدفاع عن النفس، انما من خلال حرب الإبادة الجارية التي لا تبقي ولا تذر حجراً او بشراً طفلاً، امرأة ام رجلاً.
وقسم آخر، تقوم استراتيجيته الأساسية منذ عملية طوفان الأقصى، على الدفاع عن وجوده، واسماع العالم صوته، بعدما أسهمت الأحادية القطبية الأميركية في العالم بتقييده، في اتفاقيات سلام مزعوم، واتفاقيات تطبيع باتت تطمس حضور قضيته على الساحة الدولية، كقضية حياة شعب يرفض أن ينتهي، مثل الهنود الحمر.
السؤال من يحق له أن يسمي حربه الدائرة اليوم أنها دفاع عن وجوده؟ بين قوتين متصارعتين، قوة اهل الأرض، ام قوة المحتل؟ وما فيها من معايير وخلاصات بين الخير والشر.
لقد طال طويلاً صمت العالم، لكن التعاطف مع أهل فلسطين سرعان ما أدى إلى ميل الكفة. وها هو العالم ليس يتحرك وحسب، بل يغلي الآن، وتفعل فعلها التظاهرات التي ملأت شوارع العالم ولا زالت تهتف بالحرية لفلسطين وتغطي رايتها شرفات العالم كلّه كما تغطي أكتاف كل الشرفاء.
لقد فعلت فعلها وسائل التواصل، مما أتاح للعالم كله أن يرى ويشاهد ويسمع سردية مختلفة عما سبق من تزوير تواطأ بها الاعلام المهيمن عليه ، وكان اندفاع دول عانت الاستعمار والعنصرية وتألمت ثم تحررت، مثل جنوب افريقيا، ودورها الأبرز في تحريك محكمة العدل الدولية، التي أدانت “دولة إسرائيل” وطالبت بوقف الحرب، وطبعا كان المعرقل ولا يزال الفيتو وحق النقض الأميركي المعطل دوماً .ايضا جاءت مؤخرا ادانة المحكمة الجنائية الدولية، لقادة دولة العدو وطالبت بمحاكمة نتنياهو ووزير حربه غالانت وثم في سياسة الكيل بمكيالين، فتمت تسمية السنوار وقادة “كتائب القسام” بالتوازي .
علماً أن المحكمة الجنائية تعرضت لتهديدات واضحة من الموساد الإسرائيلي، حاول من خلالها ثني أغا خان رئيس محكمة العدل عن متابعه دوره.
قد يكون الحراك الجامعي الذي بدأ في أهم الجامعات الأميركية وما لبث أن هزّ العالم بكليته ولا يزال، في تظاهرات الجامعات في معظم دول الغرب، يطرح علامات تعجب كثيرة، إن من حيث التبدل في رأي الشباب العالمي حول كيان الاغتصاب الصهيوني ولا يزال يرتفع بالهتاف مدوياً Free Free Palestine

يجري ذلك والموقف الأميركي منحاز بالكامل إلى دولة العدو لا بل هي داعم أساسي بالمال والعتاد والحماية بأساطيلها، وبنشاط رئيسها ومندوبيها، إلى منطقتنا يرفعون البطاقات الصفراء بوجه أهل الأرض المدافعين عن أنفسهم وأرضهم في غزة غاضين نظرهم عن الجوع والعطش والقتل. أما في جنوب لبنان لا حاجة للإشارة الى دور السلاح الأميركي في قدراته التدميرية والاستطلاعية، الذي واجهته المقاومة بفعالية مذهلة ودفعت ثمنه دماً غالياً وتدميراً، دون أن تمكن العدو من تحقيق أهدافه.
ما دفع الرئيس الأميركي بايدن ليكون ناطقاً باسم دولة إسرائيل، وداعيا إياها لإعلان النصر وإنهاء الحرب بآلية تفاوض غير مكتوبة، من ثلاثة مراحل، هي مهزلة بحد ذاتها، فمن يصدق أن واشنطن لا تستطيع وقف الحرب فوراً إذا قصدت ذلك؟!
وكيف يمكن احترام دولة ترتهن لإشارة اللوبي الصهيوني وإدارة دولة إسرائيل، وتستمر بإرسال المال والسلاح للإبادة الجارية في محرقة لا مثيل لها مطلقا.
بايدن الذي يطالب دولة الاحتلال بقبول مشروعه بوقف القتال، ويطالبها “بانتهاز الفرصة وإعلان النصر”.
هو شريك هذه الدولة المجرمة في حربها، والشريكان ليسا مطمئنين إلى إمكانية ربح المعركة ومن هنا رعونة قادة العدو، وإصرارهم على “عدم انهاء الحرب إلا بعد تحقيق أهدافها”، بالمقابل تبدو المقاومة أن في تجاوبها او حالة الانتظار والترقب لآليات أكثر وضوحاً، هي منتصرة.
كما يظهر جلياً التخبط الداخلي للعدو، إن في موضوع استرداد الرهائن والرضوخ لمطالب أهلهم، أو في قدرة جيش العدو على الاستمرار في الحرب وقد بات منهكاً يستنزف في الجبهتين غزة والشمال (الجنوب).
اذاً، حامية دولة الاحتلال، الولايات المتحدة الأميركية والتي تزعم رغبة وقف الحرب تصر بالمقابل على الاستمرار في استعمال “حق النقض” في مجلس الامن، بمواجهة مقترحات ومبادرات عديدة لوقف الحرب آخرها من الجزائر.
ثمانية أشهر ويبدو ان الدور الذي تتقنه واشنطن، هو ان تكون ناطقاً باسم العدو عن مقترح غير مكتوب لوقف الحرب …هو مجددا “السقوط المدوي من عالم الإنسانية”.
هكذا وصف سعادة الولايات المتحدة الأميركية عام 1924 عندما “صادقت على وصاية فرنسا على سوريا”. واعتبر يومذاك “الحادثة بأنها لطخة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، لا يزيلها شيء حتى يزول التاريخ نفسه”.
ترى ماذا يقال اليوم على دولة عظمى تسمح بإهراق دم أبرياء بلغ عددهم نحو خمسة وثلاثين ألفاً وعدد الجرحى نحو ثمانين ألفاً إلى الآن، ودمرت آلتها الحربية قرى وبلدات ومخيمات تدميراً كاملاً، وقضت على كل معالم الحياة فيها، بينما المفارقة إصرار الناس على الصمود في أرضهم يفترشون التراب أو يستظلون حائطا أو خيمة.
أيضاً في جنوب لبنان، تستمر حرب إسناد غزة مستنزفة للعدو وجاعلة من مستوطنات الجليل ناراً تحرق المقيمين فيهم ومكبدة إياه خسائر مهولة في قدراته العسكرية ومواقعه وتشتت سكانه وانهيار منظومة التجسس فيما مفاجآت المقاومة، لازالت تأني تدرجاً في تصعيد نوعي وحده يخيف العدو ويردعه عن أية خيارات عسكرية قد يفكر بها، نحو الجنوب وساحة لبنان، رغم كل التهديدات، هو توازن القوة الذي تتقنه المقاومة.
رئيسة التحرير