انا لاجئ من وطن محتل ومصادر، ومن احتل أرضي يحاول مصادرة وجهي وهويتي وإنسانيتي، لقد كان لزاماً عليّ أن أمشي وأنا أجرّ صليب النكبة، نكبة أمتي وشعبي الفلسطيني، على طريق مفروشة بالجمر والشوك، أمشي وأمشي يراودني شعور أن جيلاً فلسطينياً سيولد من رماد جسدي الذي احترق بجمر العذاب والقهر والوجع، سيولد من جراحي التي نزفت، وما زالت تنزف حتى كتابة هذه السطور. ورغم الجمر فأنا ما زلت مشتعلاً، ورغم الشوك فجراحي لم تندمل، وأنا ما زلت انزف، انني احترق ولكنني لم أتحول إلى رماد، وإنسانيتي لم تنطفئ، ورغم الشوك، ورغم النزف، فان قلبي ما زال ينبض بالحياة، وأنا أؤمن، ايماني بالله، ايماني بالحياة، ايماني بأمتي، بان العالم سيشهد أطفالاً من فلسطين، يولدون من دمهم ومن غبار الجنازات، ومن صقيع المنافي والشتات، وسيقولون للعدو الصهيوني المحتل: قد تحاصروننا بألف جدار وجدار، ورغم الحصار، ورغم الجدار، لن تبيدوننا، ولن نموت بصمت خلف الأسوار، وسنظل نقاتل ونستشهد، حتى نرفع على تخوم القدس راية الانتصار، وستندحرون وترحلون عن أرض فلسطين، خائبين أذلاء يا أحفاد قتلة الأنبياء والقديسين.
لقد اختلقت الحركة الصهيونية قصة المحرقة اليهودية التي تدّعي ان القائد النازي هتلر قام بها، وقد استغل الصهاينة هذه المحرقة المزعومة والتي تم توظيفها ليحصلوا من العالم على سمة دخول إلى أرض فلسطين لاغتصابها، ولكي يبتزوا العديد من الدول والشعوب، ويحصلوا على المال ليمارسوا جريمتهم النكراء، وليرتكبوا محرقة تفوق بفظاعتها محرقتهم المزعومة بحق شعب مسالم بريء.
المفكر الفرنسي روجيه جارودي فضح الأكاذيب والأباطيل الصهيونية حول قصة المحرقة، ومن أهم تلك الأكاذيب التي فضحها جارودي هي أن الحركة الصهيونية تدّعي أن هتلر قتل ستة ملايين من اليهود في المانيا، بينما لم يكن عدد اليهود في كل أوروبا يومها يتجاوز الثلاثة ملايين نسمة!
المحرقة اليهودية هي حقاً أكذوبة هذا العصر وكل العصور، استغلها الصهاينة ليرتكبوا أبشع جريمة في التاريخ الإنساني، وليقتلعوا الشعب الفلسطيني من أرضه، ويحولوه إلى طوابير من اللاجئين! رموه في خيام أرادوها ان تكون زوارق موت تبحر في المجهول، وظنوا، بل توهموا، أن فلسطين ستموت وتندثر مع موت الجيل الذي عايش النكبة الفلسطينية عام 1948، ولكن وهمهم تبدد، ورهانهم سقط، عندما تبين لهم أن الجيل الفلسطيني الذي ولد في المنفى لهو أشد تعلقاً بأرض فلسطين، أن الشبان الذين امتشقوا السلاح والأطفال الذين حملوا الحجارة لمقاومتهم هم من الجيل الذي ولد في مخيمات الشتات.
بعد مرور ما يزيد على ستين عاماً أدرك الفلسطينيون حكمة مهمة جداً، أدركوا أن صراخ الحمل واستغاثته لن يحمياه من أنياب الذئب، وأن المفاوضات لن تغيّر الطبيعة العدوانية لهذا الذئب الصهيوني الذي لا يفهم إلا لغة القوة. وأدرك الشعب الفلسطيني أنه عليك أن تقاوم وتقاوم مهما كنت ضعيفاً، وأن جميع الضعفاء في التاريخ انتصروا على الأقوياء الشريرين، وأن دماء الحق انتصرت على سيوف الباطل، وأدرك الفلسطينيون أن القيادة الفلسطينية ارتكبت خطأ تاريخياً عندما ذهبت عام 1993 لتصافح الذئب الصهيوني في أوسلو الذي لن يتنازل عن أرضنا الفلسطينية التي احتلها بالقوة، ستون عاماً والفلسطينيون لم يغيروا وجوههم ولم يغيروا جلودهم، وأن الحق الفلسطيني سينتصر على هذه الطغمة الحاقدة التي جاءت من كل أصقاع الدنيا لتقيم كياناً مصطنعاً على أرض شعب جذوره ضاربة في أعماق أرضه، ووجوده الإنساني والحضاري الذي يعود إلى بداية الحياة على هذه الكرة الأرضية.
امين