مرتكزات وقواعد السياسة الأمريكانية الخارجية لها هدف واحد لا غير هو الهيمنة الاستعمارية على مقدرات الامم، وان كل العقول التي تدير مراكز ابحاثها في الشأن الخارجي، يعملون على ابتداع الاساليب والفنون الدبلوماسية والحريية وغيرها ،وتم تسخير كل امكانيات الولايات المتحدة الأمريكانية العلمية والاقتصادية وحتى الادبية والفنية في خدمة السياسة الخارجية لإبقاء العالم تحت سيطرتها والحفاظ على مستعمراتها، كما ان مراكز ابحاثها تجهد لتدمير كل قوة صاعدة ، او من الممكن منافستها على قيادة العالم ولو مستقبلا ،و تبحث في كيفية سبل التسلل الى هذه البلدان اما لتدميرها من الداخل ، او للهيمنة عليها سياسيا و إلحاقها في مشروعها الاستعماري، بواسطة ضخامة اقتصادها المبني على الخيرات المنهوبة من كل بقاع العالم . فان قوتها العسكرية وعقليتها اللا أخلاقية في السياسة الخارجية، توافقت وتقاطعت مع حقارة العقلية اليهودية الاجرامية، التي تسنى لها احتلال ارضنا في جنوبنا السوري فلسطين، بهدف اقامة دولة لهؤلاء الشذاذ المتوحشين اليهود. والتقاطع والتوافق ينطلق من نقطتين جوهريتين تخدم الطرفين. النقطة الاولى ان الولايات المتحدة الأمريكانية تتعهد تثبيت سلطة العدو المحتل في الجنوب السوري فلسطين، وتضمن امن هذا الكيان الغاصب وتمده بكل اسباب القوة العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والعلمية.
وهذه النقطة قد باتت من مسلمات الولايات المتحدة الأمريكانية في السياسة الخارجية ومن المفردات السياسية في داخلها. وانسحب ضمان امن الكيان اليهودي الغاصب على مجمل السياسات الخارجية والداخلية للحلف الاطلسي وحلفائه الصغار في العالم. ومن ضمن التعهد لأمن العدو، الاقرار بوطن قومي لشتات يهود العالم في فلسطين، والسماح والعون لجيش العدو اليهودي المحتل بالتفوق العسكري على كل محيطه، وفي التوسع في مناطق فلسطين وفي اراضي الكيانات السورية الاخرى تحقيقا للوعد التوراتي الكاذب في سفر التكوين ” سأعطي نسلك هذه الارض من نهر مصر النيل الى النهر الكبير الفرات”.
وتأمين امن العدو اليهودي في عرف الولايات الأمريكانية والحلف الاطلسي ليس فقط توسيع حدود سيطرة جيش العدو، بل يتخطاها الى تأمين قبول عواصم العالم العربي في هذا الوجود اليهودي تطبيعا واندماجا اقتصاديا وقيادة. والنقطة الثانية من تقاطع وتوافق المصالح بين العدو اليهودي والولايات المتحدة الأمريكانية، ان يكون جيش العدو العصا الغليظة في وجه العالم العربي تستعملها الولايات المتحدة الأمريكانية ساعة تشاء، لتبقي هذه الانظمة وهذه الدول خاضعة لها، ولتبقي خيرات وموارد العالم العربي تتدفق الى الاقتصاد الأمريكاني والامساك في مالية العالم العربي. قد نجحت الولايات المتحدة الأمريكانية وحلفاؤها الغربيين، من زرع مؤيدين لهم في اغلب بلدان العالم العربي، ونجحت في تنصيب مؤيديها حكاما لعديد كبير من الانظمة في العالم العربي، جعلتهم بمثابة مندوبين لها وإن لم يكن لهم تمثيل وطني حقيقي.
نجحت الولايات المتحدة الأمريكانية في الربع الاخير من القرن الماضي من جر مصر الى معاهدة سلام وكذلك عميلها في الاردن بعقد اتفاق وادي عربة، ونجحت في تمكين الجيش اليهودي من دخول بيروت عام 1982 وتصفية الجهاز العسكري للمقاومة، وقادت عرفات الى” أوسلو”، لقاء سلطة اسمية لا حياة حقيقية فيها ولا أي مسوغ قانوني ،ومغايرا لإرادة الامة . وما فعله عرفات كان انتحار حقوقي واخلاقي قام به طوعا مع مؤيديه. في المقابل بقيت الشام والعراق والمقاومة في لبنان والمقاومة الرافضة في فلسطين ودولة ليبيا ودولة اليمن ودولة الجزائر وبعض الاصوات الوطنية في باقي اقطار العالم العربي ممانعة للهيمنة الأمريكانية والتسلط اليهودي المحتل في المنطقة. ورأينا كيف فعلت الولايات المتحدة الأمريكانية في بلدان الممانعة، فدمرت العراق بعد جره الى حرب عبثية مع إيران، وكيف دمرت ليبيا، على اليمن حرب عربية مدعومة من الاطلسي، ورأينا كيف جندت التكفيريين لخوض الحرب على الشام، وكيف جمعت أكثر من ثمانين دولة واشركتها في التدمير الوحشي للشام. ورأينا كيف أنهكت مؤسسات دول الممانعة وحاصرت اقتصادها، وكيف زرعت الشرذمة والفرقة البغيضة بين ابناء هذه الدول. مع كل هذا التركيز على العالم العربي كانت العين على افغانستان وإيران، نجحت في احتلال افغانستان وتقويض قدرتها وسرقة خيراتها، وفشلت في خرق إيران رغم محاولاتها المستديمة لتشويه الوعي القومي الايراني وحرفه عن التمسك باستقلاله وبحقوقه الوطنية في خيراته وموارده.
انطلاقا من الوعي الثوري الايراني لحقوقه القومية، وانطلاقا من ممانعة دول الشام والعراق واليمن وقوى الشعبية المقاومة في لبنان وفلسطين ووعيهم للمخاطر الاطلسية واليهودية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكانية، انطلاقا من هذا الوعي تقاطعت وتوافقت المصالح بين الدول الممانعة والقوى الشعبية المقاومة مع المصالح الايرانية وشكلوا جبهة حقيقية قواعدها الايمان المطلق بحق شعوبها بالحياة بكرامة وسيادة واستقلال وحفظ خيراتها ومواردها لشعوبها وحمايتها من الاطماع الاستعمارية- اليهودية. وكي لا ننكر جميل الجمهورية الاسلامية في إيران نقول هي التي دربت وسلحت ومدت بالمال وساعدت بالخبرات واعانت على التصنيع العسكري، فمنذ قيام الثورة بقيادة الامام الخميني في إيران وخلع الشاه. رفعت إيران العلم الفلسطيني وحرقت العلم اليهودي المقيت، واخذت على نفسها عهدا لمناصرة فلسطين وكل الدول الممانعة للهيمنة الاطلسية والمجابهة لجيش العدو اليهودي. ومنذ ذلك الحين عملت على تشبيك المصالح المرتكزة على وضوح الحقوق القومية لهذه الدول الممانعة، وكانت ثمرة هذا التشبيك انهزام الأمريكاني وحلفائه في العراق، وكذلك التكفيريين والحلف الاطلسي والأميركي، في الشام بفضل الجيش الشامي والمقاومة الشعبية، وأبلى أنصار الله ى في اليمن بلاء حسن في كسر المشروع الأمريكاني وحلفائه الغربيين والعرب.
أيضا ابدعت المقاومة في فلسطين في 7 تشرين الاول أبهى صور التضحية والفداء في سبيل تحرير فلسطين، وهذه الانجازات ما كنت لتحصل لولا الوعي الشعبي لحقيقة وجودنا وذاتنا وحقيقة حقوقنا القومية. وهذه الصفحات المضيئة هي بفضل بطولة شعبنا المعبرة عن ارادتنا العظيمة التي لا تقبل الا الحياة التي تليق بالأحرار. وبفضل ابطالنا العظماء امثال نبيل العلم وحبيب الشرتوني وقاسم سليماني وعماد مغنية وابو مهدي المهندس وجهاد جبريل وفتحي الشقاقي وعبد العزيز الرنتيسي وسناء محيدلي واحمد قصير وبلال فحص ولولا عبود والوف الشهداء من المقاومة ومن الشهداء الميامين في جيوش الشام والعراق وإيران واليمن الميامين. وهذا كله بفضل ارادة شعبنا الابي وبفضل الدعم غير المشروط من الجمهورية الاسلامية في إيران. ونسألكم هل المقاوم الذين يحفظ بلاده ووطنه ويستشهد في سبيل حياة امته هو الاداة في يد المشروع الاجنبي، ام الذين ينفذون اهداف العدو الاستعمارية في المنطقة، هم الأداة؟
ان التهمة التي تساق ضد المقاومة في كليتها دولا ومنظمات، انها تعمل وفق المصالح الايرانية تهمة مردودة وبالوقائع، المقاومة قاتلت على ارضها لحفظ وجود شعبها وزودا عن سيادته. هل قاتل الفلسطيني، او اللبناني، او الشامي، او العراقي على ارض ايرانية او ارض غير ارضه، وهل طلب الايراني من المقاومة التنازل عن اي حق من حقوقنا القومية؟ ابدا لم يحصل. لقد حاربت المقاومة تحت شعار الحرية والسيادة والاستقلال وتحت شعار تحرير بلادها من الرجس اليهودي. وعلى عكس ما يضخ الاعلام الغربي العربي اليهودي لقد اتى الايراني الحليف، مشكورا وقاتل الى جانبنا وعلى ارضنا وسلحنا ومدنا بالخبرات، وآن الاوان ليقوم الشعب ويثور في البلدان العربية ليقتلع الحكام الظالمين المنتدبين من قبل المستعمر الاميركاني وحليفه الجيش اليهودي. وآن الاوان ان تتحرر شعوبنا من خديعة الثقافة الغربية واليهودية
ناموس المجلس الأعلى