أفول دولة سايكس –بيكو

أفول دولة سايكس –بيكو

بالاضافة الى النسيج النظري وعلاقاته الجدلية مع الجغرافيا الاجتماعية ، التي ميزت المعمار الفكري- السياسي عند سعادة ، فان افول وتفسخ دولة سايكس –بيكو ، اكثر مدعاة من أي شيء اخر باستعادة الدولة – الامة ، التي حلم بها سعادة واستشهد من اجلها.

هكذا، نقطة البدء في هذا الموضوع، هي الانطلاق من أفول دولة سايكس – بيكو موضوعياً، كما بسبب دور المتروبولات الرأسمالية وتحالفاتها وأدواتها الإقليمية، الرجعية والصهيونية والعثمانية الجديدة في الضغط على عوامل وعناصر الضعف والقوة في هذه الدولة.

أولاً: فيما يخص عوامل ضعف دولة سايكس – بيكو فالأبرز هو ضعف الاندماج المدني الناجم عن ضعف (الكيمياء الاجتماعية) وتجليات ذلك أولاً: مع محمد عابد الجابري في ثلاثية (القبيلة – الغنيمة – العقيدة) التي لا تزال من السمات الأساسية للدولة القطرية، وتظهر بأقنعة الحزب والاقتصاد الحديث والإيديولوجيا، فيما العقيدة داخل هذا المثلث أقرب إلى العقل المستقيل الذي يتبادل التغذية مع عقل قوى التبعية النافذة ومع القوى التكفيرية.

ثانياً: مع المفكر المغاربي الآخر، عبدالله العروي وخاصة فكرته عن الفوات الحضاري، أي عدم توفر الشروط الموضوعية لإنجاز الثورة القومية، سواءً عبر نموذج أوروبا الغربية وما آلت إليه الثورة الصناعية البرجوازية وإرهاصاتها في الثورة العلمية والإصلاح الكنسي، حيث خرجت من رحم النظام الإقطاعي ومرجعياته البابوية وحروبه الدينية – الاجتماعية، دولة وستفاليا (1648) كدولة قومية برجوازية بحدودها ولغتها وتجارتها وسوقها ومجتمعها والطبقات المختلفة لنظريات العقد الاجتماعي (روسو – هوبز – لوك).

كما أننا لم ننجز ثورتنا ودولتنا القومية عبر نموذج الثورات الاشتراكية في الصين وفيتنام: التحرير من المستعمر ووحدة الأرض القومية والاشتراكية.

وفي كل ذلك، فإن نموذج أوروبا الغربية والنموذج الاشتراكي كانا انعكاساً بشكل أو بآخر للقسم أو الجزء الثاني من فلسفة الروح وحركتها عند هيغل وفق المنطق الجدلي، فبعد الجزء الأول (الروح الذاتي) فإن الروح الموضوعي هو حركة الروح – الفكرة محمولة بالحرية (المفهوم التاريخي) من حالة الطبيعة (ما قبل الدولة وما قبل المجتمع المدني، وما قبل العقل الحديث) إلى حالة الحضارة وتجليها في فكرة الدولة القومية.

إلى ذلك، فإن غياب الشروط الموضوعية للدولة القومية الحديثة في حالتنا، لم يكن كله غياباً (موضوعياً) بقدر ما كان أيضاً ناجماً عن منعنا من إنجاز هذه الشروط إذا ما قارنا الدعم الإمبريالي لليابان مقابل حجز أو ضرب مشروع محمد علي لتوحيد مصر وسوريا ومواصلة الضغط على المشهد العربي بإنهاء مشروع سوريا التاريخية 1920 (دولة واحدة لكل مكوناتها، سوريا الحالية، الأردن، فلسطين، ولبنان) وإعادة تمزيقها، بل إن الاستعمار الفرنسي لسوريا بعد أن مزقها ألغى دستور أول دولة موحدة فيها وكان يدعو للعلمانية والتعددية الحزبية ومشاركة المرأة، واستبدله بدستور طائفي.

ثانياً، فيما يخص ضرب عناصر القوة في دولة سايكس – بيكو، فقد تمثل ذلك في ضرب النواظم المركزية الخارجية التعويضية للكيمياء الاجتماعية، ومنها: الجيش – الطبقة الوسطى – حالة من حالات الإيديولوجيا (كهوية جامعة) إلى حد ما.

وقد لجأت القوى الخارجية من مطابخ وأقلام الاستخبارات وراء البحار ورجعية وصهيونية وعثمانية جديدة، إلى ما يمكن تسميته بالقاتل المتسلسل.

  • القاتل الاقتصادي: وخاصة البنك وصندوق النقد الدوليين وفق اعترافات جون بيركنز في كتاب حمل هذا الاسم، وكان من شروطه إعادة هيكلة القطاع العام وتسويق الخصخصة ورفع أي دعم حكومي للسلع والخدمات الأساسية وبما أدى عملياً إلى سحق الطبقة الوسطى.
  • القاتل التكفيري المسلح لاستنزاف الجيش.
  • القاتل الليبرالي باسم الثورات الملونة.

التداعيات الخطيرة: الفراغ الإيديولوجي والفراغ السياسي:

أولاً: الفراغ الإيديولوجي، وقد تمت تعبئته بأنماط  من خطابات ليبرالية بلا حوامل اجتماعية عبر صناعة (نشطاء) تحت عناوين حقوق الإنسان والمجتمع المدني، كما بأنماط من خطابات الإسلام الأطلسي، الناعم  والخشن، مثل:

  • خطاب التيار العثماني، الإخواني، القطري كعنوان أو غطاء للعثمانية الجديدة، وتمددها وقضمها لمناطق عربية باسم الإسلام (السني).
  • خطاب الإبراهيمة السياسية كعنوان وغطاء لإسرائيل الكبرى (الأخوة الإبراهيمية المزعومة) وضمن معادلة ، المركز الإسرائيلي والمحيط العربي.
  • خطاب باسم صوفية مبرمجة لا علاقة لها بصوفية ابن عربي والحلاج والسهروردي والبسطامي والرومي… ولا بالصوفية المقاتلة التي عرفتها شعوب شمال إفريقيا ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني.

ثانياً: الفراغ السياسي: وذلك عبر العودة إلى ما قبل الدولة وما قبل المجتمع وما قبل العقل (الحالة الطبيعية الأولى) وفق مخطط هيغل لحركة الروح نحو الحضارة والدولة المجتمع والعقل، أي التراجع إلى الوراء وقطع التحول من فكرة الوطن – الأرض إلى الجغرافيا ومن فكرة الشعب إلى السكان، وبما يخدم التقاسم الوظيفي بين أنقرة وتل أبيب (ولايات عثمانية وكانتونات طائفية وجهوية متصهينة).

بقلم الدكتور موفق محادين.