عينطورة… قلعة الحزب والشهداء

عينطورة… قلعة الحزب والشهداء

ثماني واربعون عاماً مرت على ذلك الليل الأسود كما الايادي الشيطانية التي ارتكبت تلك المجزرة المروعة في البلدة المتينة الوادعة عينطورة
يومها كان التحدي كبيراً بين إرادة القوميين الاجتماعيين وكبيرهم الأمين نسيب عازار، وما يختزونه من حق وخير وجمال، وبين كتائب آل الجميل ومقاصدهم بإلغاء الحزب السوري القومي الاجتماعي في المتن وما يحمله من قيم انفتاح وتنوع، إزاء التقوقع واهداف التقسيم التي كانت ترسم للبنان آنذاك
استشهد الأمين نسيب ومعه عشرين شهيداً من خيرة الشباب والنساء الأمهات، لكن قيمهم لم تنهزم رغم كل التنكيل والقتل والتدمير والتهجير، اذ سرعان ما انتهت الجولة الأولى من الحرب وعاد القوميون الى بلدتهم، يبنوها من جديد، ويشكلوا رافعة جديدة لحزبهم ولبلدتهم ولبلادهم
وقفوا في وجه التقسيم وفي مواجهة الفتنة المدمرة، وعادوا، وها هو حزبهم كما كل عام يستذكرهم مؤكداً ان القوميين الاجتماعيين لن يتراجعوا عن ثوابتهم بوطن موحد وشعب واحد، ولن يهزمهم سواد النفوس المرتهنة للخارج وسيبقون في المتن كله وفي كل لبنان، مؤمنين بعقيدتهم، عقيدة بناء ووحدة للمجتمع واشداء بأنفسهم لا ترهبهم الشدائد ولا تحني هاماتهم المرفوعة ابدا.
تألق الحزب في احتفاله التكريمي للشهداء هذا العام، في أروع مشهد من تهافت القوميين حول حزبهم ومواقفه داعمين لخياراته ومواقفه وتحالفاته، وهو الداعم للمقاومة، ومنخرط بها. حزب، يريد بناء الوطن الموحد والمتفاعل بين كل أبنائه
المهرجان الحاشد الذي ضافت به شوارع البلدة بعد قداس أقيم في الكنيسة التي جرت امامها المجزرة، حضره رئيس الحزب والقيادة الحزبية وتحدث الرئيس الأمين ربيع بنات وفيما يلي نص كلمته .

نلتقي اليوم بعد مضي 48 عاماً على مجزرة عينطورة.

نلتقي في ذكرى شهداء تلك المجزرة البشعة التي ذهب ضحيتها واحد وعشرون قومياً إجتماعياً من خيرة الرفقاء وأنقاهم وأكثرهم تفانياً.

هؤلاء الشهداء مارسوا إيمانهم ورسخوا بدمائهم وجود الحزب ومنطق أنطون سعاده في المتن الشمالي عامة وفي عينطورة على وجه الخصوص.

على حائطِ هذه الكنيسةِ، لا يزالُ وقعُ المجزرةِ أليمًا وموجعًا لنا، نحنُ الذين فقدْنا رفقاءً أحبّاءً على يدِ من فقدوا أخلاقياتِهِم وتجرَّدوا من إنسانيّتِهِم.

أرادوا محو الحزب من المنطقة وأرادوا إلغاء القوميين الاجتماعيين، وأرادوا أن تنحني راية الزوبعة، وأرادوا أن تنكسر كل يد ترتفع زاوية قائمة، وأرادوا إسكات كل فمّ يهتف بحياة سورية، و لكن إرادتكم كانت أكبر، وعزيمتكم أشد، وحزبكم أكبر من أن يلغيه شذاذ الآفاق والمجرمين، وحناجركم ما زالت تصدح حتى الآن بحياة سورية وحياة الزعيم.

تلك المجزرة طبعَتْ تاريخ حزبهم وتاريخَهُم، ولم يقوَ حاضرُهم بعدُ على محوِها، ولن يقوى…

نسمعُهم اليومَ يقولون : لا نريدُ الحربَ لأنَّنا لا نريدُ الموتَ، وبأنّهُم أصحابُ ثقافةِ الحياة، ومَن يقاومُ العدوَّ اليهوديَّ هو صاحبُ ثقافةِ الموت..

هل مَن ارتكبَ مجزرةَ عينطورة هو صاحبُ ثقافةِ حياةٍ؟

أصحابُ ثقافةِ الحياةِ هم رفقاءُ شهداءِ عينطورة ورفقاءُ حبيب الشرتوني.

أصحابُ ثقافةِ الحياةِ هم من يفضّلونَ الموتَ كي يحيا أبناءُ شعبِهِم، فهل سمعتُم يومًا عن مجزرةٍ ارتكبَتْها الاحزاب المقاوِمة؟

للمجازرِ هويةٌ واحدةٌ : اليهودُ وأتباعُهم حيث ما وُجدوا.

شهداءُ عينطورة، مثلُ رفقائِهِم شهداءُ مجزرةٍ حلبا، همُ الواقعُ الذي يقولُ أنَّ الحزبَ السوريَّ القوميَّ الاجتماعيَّ هو الحزبُ الوحيدُ الذي سحبَ من الحربِ الأهليّةِ هويّتَها الطائفيةَ، وحمى بوجودِهِ لبنانَ كله بتنوّعِهِ وهويتِّهِ ووحدتِه..

كما في السابق، يعمل الحزب اليوم على حماية لبنان من العدو، وها هو يرسل المقاتلين من كل لبنان، وطبعا من المتن الشمالي إلى حدودِ فلسطينَ دفاعًا عن الأرضِ المحرّرة، وسعيًا لتحريرِ المحتلِّ منها، كل ذلك يؤكد أنَّ مشروعَ مجزرةِ عينطورة هُزِمَ وما انتصرَ هو مشروعُ الحياةِ لمختلفِ أبناءِ شعبِنا.

اليومَ ومن عينطورة نقولُ لبعض أبناء شعبنا، راجِعوا التاريخَ واقرَأوا الحاضرَ، نقولُ لكم: عدوُّنا واحدٌ والمخاطرُ واحدةٌ، ولا حياةَ لنا جميعًا سوى بالارتقاءِ نحوَ ثقافة الوحدة، ابتعدوا عن الانعزالِ وابتعدوا عن التقسيمِ وابتعدوا عن التفكيكِ، فكلّما اقتربتُم من هذه المشاريعِ فاحَتْ رائحةُ الدماءِ أكثرَ، وفاحَتْ رائحةُ الموتِ في بلادِنا أكثرَ، وكلّما اقترَبْتُم من مشروعِ الحزبِ السوريِّ القوميِّ الاجتماعيِّ اقترَبْتُم أكثرَ من الأمنِ والأمانِ والاطمئنانِ لمستقبلِكُم ومستقبلِ أولادِكُم في هذه البلاد، لستُم أعداءَنا ولكنّكُم أيضًا لستم ملزمينَ ومجبرينَ على السيرِ بمشروعِ أعدائِنا.

من عينطورة، نؤكد أنّ المقاومةَ، ونحنُ جزءٌ لا يتجزّأُ منها، تمكّنَتْ بالفعلِ من تسجيلِ انتصارٍ على العدوِّ في غزّةَ وفي جنوبِ لبنانَ، هو الذي لَمْ يستطِعْ تسجيلَ سوى أعدادِ الشهداءِ ونِسَبِ الدمارِ، بينما حقّقتِ المقاومةُ في غزّةَ في السابعِ من تشرين / أكتوبر، وفي جنوبِ لبنانَ ومن العراقِ واليمنِ أهدافًا رسمَتها بدقّةٍ وأدارَتْ تنفيذَها ببرودةِ أعصابٍ استراتيجيّةٍ أصابَتِ العدوَّ في مقتل.

اليومَ المقاومةُ حافظت على أسراها ومنعَتِ العدوِّ منَ القضاءِ على بينتِها العسكريّةِ، ومنعَتْهُ من شنِّ حربٍ شاملةٍ في لبنانَ، ومنعَتْه من تدميرِ لبنانَ، ولذلِكَ هي حقّقَتِ الانتصارَ عليه.

وفي هذا الإطارِ نعلنُ أنّنا غيرُ مستعدّين للموافقةِ على أيٍّ مِنَ الإملاءاتِ التي يسعى البعض لفرضِها علينا، وأنّ الإنجازَ العسكريَّ الّذي حقّقتْهُ المقاومةُ لا يمكنُ التراجعُ عنهُ في السياسةِ أبدًا، وهذا هو عنوانُ المرحلةِ المقبلةِ ونحنُ حاضرونَ لإسقاطِ أيِّ مشروعٍ سياسيٍّ يحاولُ البعضُ فرضَهُ علينا في الداخلِ أو الخارجِ.

نحنُ في الحزبِ السوريِّ القوميِّ الاجتماعيِّ ماضونَ في مشروعِنا السياسيِّ الواضحِ وهو مشروعُ دولةِ المواطَنةِ المقاوِمةِ، وهو مشروعٌ يقومُ على صونِ المقاومِة من جهةٍ والحفاظِ على الكرامةِ الوطنيّةِ بالفعلِ من جهةٍ ثانيةٍ، وهذا الأمرُ نعتقدُ أنّهُ المخرجُ الطبيعيُّ والوحيدُ والجذريُّ لما تعاني منهُ بلادُنا من أزماتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ في الظاهرِ وبنيويّةٍ في عمقِها، وهو مشروعٌ يأخذُ في الحسبانِ أهميّةَ المعركةِ الداخليّةِ على الفسادِ، وهو يدركُ أيضًا تمامًا أهميّةَ المقاومةِ كعنوانٍ أساسيٍّ لصونِ البلادِ وتحريرِها وتحريرِ الأراضي المحتلّةِ فيها.

وإنّ هذا المشروعَ، الذي يقومُ بأساسِهِ على نبذِ الطائفيّةِ كمدخلٍ للحلِّ، يتماهى تمامًا مع مبادئِ الحزبِ السوريِّ القوميِّ الاجتماعيِّ، التي حرصْنا منذُ الثالثِ عشر من أيلول وحتّى يومِنا هذا أن نتماهى معَها في كلِّ خطوةٍ من الخطواتِ التي قُمْنا بها سياسيًّا وثقافيًّا وتربويًّا وعمليًّا وإعلاميًّا ودفاعيًّا، وذلك من خلالِ العودةِ إلى ساحِ الجهادِ في كلِّ الميادينِ وعلى كلِّ المستوَيات.