كان العالم بحاجة الى حدث “غير فلسطيني” في حرب غزة ليهز بدنه، كان يحتاج الى ضحايا بيض للوحشية الاسرائيلية المتمادية ليكتشف ان اسرائيل ترتكب مجازر دموية كل يوم، بل كل ساعة. ما كان الرقم ثلاثة وثلاثون ألف ضحية وأكثر من سبعين ألف جريح ومليون ونصف مليون مشرد كافيا ليقتنع العالم ان اسرائيل تشن حرب ابادة فعلية وتمارس فظائعها الاجرامية بكل سادية وبسلاح يتدفق عليها بحرا وجوا من اميركا والمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها.
كان العالم بحاجة الى ان يقتل سبعة متطوعين اجانب في منظمة إغاثية دولية هي “المطبخ المركزي العالمي” في غارة اسرائيلية استهدفت موكبهم عن عمد أثناء توجههم لنقل مساعدات انسانية لمشردين فلسطينيين جوعى وعطشى ومرضى، كان بحاجة الى تلك الجريمة ليكتشف فجأة ان اسرائيل ترتكب جريمة ضد الانسانية. هنا فقط غضب جو بايدن ووقع اربعون نائبا ديموقراطيا عريضة تطالبه ووزير خارجيته انطوني بلينكن بوقف الرسال الاسلحة الى تل أبيب. وارتفعت كذلك اصوات 600 قاض بريطاني طالبوا رئيس حكومة بلدهم ريشي سوناك بوقف مبيعات الاسلحة الى اسرائيل، واستنكرت أستراليا وبولندا مقتل رعاياهما في غزة بضربات اسرائيلية متعمدة وطالبتا باعتذارات وتعويضات..
طوال فترة الستة أشهر كان الغرب وعلى رأسه أميركا يدعم الحرب الاسرائيلية على غزة بشكل علني ويمد الجيش الاسرائيلي بالأسلحة التي دمرت كل شيء، لم يكن مهتما بعدد الضحايا الذين يسقطون كل يوم تحت البنايات المنهارة وفي الشوارع وفي مراكز اللجوء وفي تجمعات توزيع المساعدات المقذوفة من البحر او المرمية من الجو بعدما منعت اسرائيل عبور الشاحنات الانسانية برا الى مئات آلاف المقتلعين قسرا من مدنهم ومنازلهم.
فجأة صارت اسرائيل ترتكب جريمة وتخرق الاتفاقيات الدولية، وبكل الحالات هو تطور ايجابي في مسار الحرب الموازية، فليس تفصيلا ان يقر العالم علنا بان اسرائيل ترتكب جرائم ضد الانسانية وان الحرب المجنونة التي تخوضها ليست حربا ضد مقاتلين في حركة “حماس” فحسب، بل هي حرب ابادة حقيقية تستهدف شعبا بكامله، وتستهدف أيضا كل من يدعم او يحاول دعم هذا الشعب من منظمات انسانية دولية بدءا من الاونروا ووصولا الى “المطبخ العالمي”.
هذا التطور في مسار الرؤية العالمية الى الصراع يطرح على العالم، وخصوصا على المنظمات الحقوقية الدولية- لا داعي لذكر المنظمات العربية وجامعة الدول العربية باعتبار انها في سبات عميق – ضرورة التحرك السريع واكمال مسار محكمة العدل الدولية في تجريم اسرائيل وعدم الاكتفاء بدعوى جنوب افريقيا فيها. المهمة المقبلة يجب ان تكون تجريم نتنياهو وزمرته وتجريدهم من حقوقهم المدنية والسياسية وتقديمهم الى العالم كمجرمي حرب ومحاكمتهم في محكمة الجنايات الدولية.
ان نتنياهو وجماعة اليمين المتطرف العنصري مثل ايتمار بن غفير ويتسلئيل سموتريتش ينتمون الى فصيلة من الحكام الدمويين المجردين من كل أثر للإنسانية. طبعا ليست المحاكمة امرا متيسرا الآن لكنها قد تكون كذلك في وقت لاحق إذا تم توثيق كل جرائم نتنياهو توثيقا متقنا كما فعلت جنوب أفريقيا وإذا وجد من يملك الشجاعة والاخلاص. وهي مهمة يجب ان تشارك فيها نخب عربية مستقلة تماما لأن الدول ليست في هذا الوارد على الإطلاق.
نتنياهو القاتل السادي هو سليل بذرة من الحكام الدمويين تضم الوالي الروماني فلاد المخوزق الذي كان يستمتع بخوزقة خصومه في رومانيا في القرن الخامس عشر والامير المجري اتيلا الهوني والحاكم الروسي ايفان الرهيب وملك بلجيكا الاستعمارية ليوبولد الثاني والحاكم الكمبودي بول بوت والرئيس الصربي ميلان ميلوسيفيتش والرئيس الاوغندي عيدي امين والسفاح النازي ادولف ايخمان…وأيضا نيرون وكاليغولا وجنكيز خان وهولاكو وهتلر وغيرهم كثر من الحكام الذين لطخوا تاريخ الانسان.
ولان هذه السلالة من الحكام تشكل خطرا على الانسان أينما كان، ولان العالم بات يدرك ذلك تماما، وجب عليه ان يتحرك لمنع هذا الوحش من افتراس المزيد من البشر.