منذ قيام دولة لبنان الكبير الذي رأى فيه البعض من أهله خلاصاً من تعسف لحق بهم لقرون، ورأى فيه ممن انتدبوه من الخارج بؤرة جديدة لتفتيت المشرق العربي كمقدمة لنهب استعماري مستدام، وهو لا يكاد يطلع من بئر إلا ويقع في جب. لكن الملفت انه بالرغم من كل المآسي التي تعرض لها نجده اليوم كما حاله على مر الزمن سنداً حقيقياً لإخوة التراب في الأمس القريب لدمشق واليوم لغزة وعموم فلسطين.
لو قدر لأحدنا ان يراجع كيف عُمل اهل هذا البلد الصغير من قبل منظمة التحرير او جماعة الامن والاستطلاع، او الطريقة التي أدت إلى استقرار أوضاعه بعد سني الحرب الاهلية لما دعي باتفاق الطائف، لوصل إلى نتيجة ان كل من تورط بالمستنقع اللبناني حتى الاعداء منهم او المتباكين عليه من دول الغرب، الاشقاء لم يلقو منه إلا المؤازرة والأعداء وداعميهم إلا الشراسة في مواجهة الأطماع ومشاريع الهيمنة.
قد يخفى عن البعض سر قوة لبنان لكن لا يخفى عن العارف المتبصر المؤمن بوحدة الوجود كما والحياة، انها الحرية. قد يرى البعض ممن بالداخل والخارج بالحرية التي ينعم بها اللبنانيين انها أحد أسباب مأساتهم، غافلين ان الانسان اول مسعى له هو حريته التي يبذل في سبيلها الغالي والنفيس، فما من عاقل يطنب لصوت الأغلال في قدميه او المصادرة لعقل استطاع عبر الزمن الإحاطة بمعارج التاريخ وفهم الإنسانية على انها تفاعل وتعاون لخير عام، وان كل تشدق بوصاية ميتافيزيقية او حتى وضعية متأتية من قوة غاشمة انما يكمن خلفها جهل وجشع وغيلة ومشروع هيمنة.
قد يكون فعل الحرية هو فعل سلبي مغامر نظراً لموازين القوى المتفاوت، لكنه إنقاذي كما حاله على مدار التاريخ، فمنه تنبثق المقاومة لتضع حداً للمثالب والفساد والارتهان والاحتلال، وبحالة لبنان المشدود لزالزل المنطقة نلمس فيه روح المسؤولية والتعقل والتواضع، وما يلزمه هو تعديل وجهة استخدامه من خصوم الداخل ليصب في بناء دولة قادرة فاعلة قاطرة لعملية استنهاض مشرق عان ويعاني من الهيمنة ومحاولات الاستفراد داخلياً، كما ومن هجمات إقليمية ودولية تكاد لا تنقطع منذ الزمن الجلي.