لا زالت تأثيرات عملية “طوفان الأقصى” وحرب العدو الصهيوني على قطاع غزة تتفاعل على المستوى الاقتصادي. وهذه المرة تطال القطاع الزراعي الذي يشكّل نسبة لا بأس بها في الاقتصاد “الاسرائيلي”، والذي، بدون شك، تكبد، كسواه من القطاعات، خسائر هامة.
وتعتبر شركات استثمار زراعية اسرائيلية أن الخسائر بلغت خلال الأشهر الثلاث الأولى على الحرب ما يفوق 44 مليون دولار أميركي، متوقعة المزيد من التأثيرات السلبية على هذا القطاع، وبالتالي على أعمال هذه الشركات، وتخليها عن الأراضي التي تزرعها لعدم تحقيقها الأرباح المتوخاة منها. ومعلوم أنه خلال هذا الفصل من السنة، أي فصل الخريف، تكون مواسم الحمضيات والأفوكادو في فترة القطاف والجني. من هنا كانت هذه المواسم أمام مخاطر الكساد وتأثيراته على القطاع الزراعي برمته. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المجتمعات الزراعية للعدو الصهيوني عرفت قبل عملية “طوفان الأقصى” ازدهاراً واسعاً. بعد هذه العملية تحولت حقولهم المزروعة بعناية ومرافقهم الحديثة إلى خراب ودمار، وبالتالي إلى خسائر فادحة. من هنا فإن الأضرار التي لحقت بالمناطق الزراعية الرئيسية في “إسرائيل” تهدد بإلغاء عمل المزارعين الإسرائيليين الممتد إلى عشرات السنين وتدمير سبل عيشهم، فضلاً عن التسبب في نقص الغذاء في الكيان الصهيوني، خصوصاً أن نهاية هذه الحرب على غزة لا نعرف نهاية لها.
ووفقاً لأوري دورمان، الأمين العام “لجمعية المزارعين الإسرائيليين”، تم إغلاق ما يقرب من ثلث الأراضي الزراعية الواقعة بالقرب من حدود غزة منذ 7 تشرين الأول لأسباب أمنية، ليضيف أن حوالي 75% من الخضار المزروعة في “إسرائيل” تأتي من منطقة حدود غزة، وكذلك 20% من الفاكهة و6% من الحليب. وهذه المنطقة هي بالنسبة للزراعة “الإسرائيلية” مناسبة بشكل خاص لزراعة البطاطا. وفي السنوات الأخيرة أصبحت مصدراً رئيسياً لعدة أنواع من البطاطا المصدرة إلى هولندا وبلجيكا. إلا أنه اليوم وبسبب تعذر ريها وعدم استخدام المبيدات الحشرية، فإن حقول البطاطا المحيطة بغزة ستتعرض للتلف والذبول يوماً عن يوم مما يعني خسائر إضافية. ومن جهة أخرى، فإن 10% من الأراضي الزراعية تقع بالقرب من الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان. تضم هذه المنطقة حوالي 60% من بساتين التفاح وأكثر من 35% من بساتين الخوخ. كذلك تضم العديد من مزارع الدواجن وتعتبر مصدراً هاماً لإنتاج البيض. وبسبب الوضع الأمني الخطير في هذه المنطقة تعطلت الزراعة بشكل كبير.
الجدير ذكره أن نسبة كبيرة من العمال الزراعيين في الكيان الصهيوني هم من الجنسية التايلندية. ويعتمد القطاع الزراعي في منطقة حدود غزة على نحو 5000 عامل أجنبي، معظمهم من تايلاند عاد أكثريتهم إلى بلادهم بعد اندلاع الحرب. وفي حال لم يحل مكانهم عمال جدد، فسيكون هناك نقص في العمالة قد يدمر القطاع وفق المعنيين في القطاع الزراعي “الاسرائيلي”. فالحرب في قطاع غزة جعلت “إسرائيل” في عيون العمال الأجانب مكاناً خطيراً للغاية. ويؤدي هذا إلى أزمة طويلة الأمد من شأنها أن تعرض للخطر ليس فقط المحاصيل في غزة، بل وأيضاً الزراعة “الإسرائيلية” ككل. وعلى الصعيد “الاسرائيلي”، توقف حوالي 40% من القوى العاملة الزراعية (30 ألف شخص) عن العمل. وقد فشل آلاف المتطوعين الذين جاءوا للمساعدة في حصاد الفاكهة والخضار في الحلول مكان المزارعين المحترفين الذين تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية. ولا يُسمح حالياً للفلسطينيين الذين يحملون تصاريح عمل في الزراعة بدخول الأراضي التي تحتلها “اسرائيل”. هذا فضلاً عن كون أجور العمال ارتفعت 40% بسبب نقص العمالة وتكلفة جلبهم من مختلف أنحاء البلاد، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز”. وبسبب الاعتماد على الاستيراد في هذا القطاع بحيث تضاعف حجم المنتجات المستوردة في الأشهر الأولى للحرب إلى 60 ألف طن، أصبحت المنتجات الزراعية المحلية نادرة، مما أدى إلى زيادات في الأسعار بنسبة مضاعفة.
وأخيراً يشير تقرير “إسرائيلي” “أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لا سيما الفاكهة والخضار، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد ككل، وخاصة الشركات الصغيرة المستقلة، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، كل ذلك أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي بين السكان وزيادة عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى الغذاء”.